قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر .. خطوة تصحيح المسار وإعادة الأمور إلى نصابها وتشعل التواصل الأجتماعي
الإثنين 05/يونيو/2017 - 02:04 م
أ ش أ
طباعة
جاءت خطوة مصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد نفاد صبر القاهرة من استمرار المهاترات وتدخل النظام القطري ليس فقط في الشأن المصري بل امتد إلى تهديد دول المنطقة.
واتخذت العديد من الدول العربية ذات النهج، وهي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين واليمن وليبيا وجزر المالديف، بعد أن عانت من ممارسات النظام القطري وتدخلاته في شئونهم الداخلية.
واختار نظام الدوحة على مدى السنوات الأخيرة ان يكون خطرا على الأمن القومي العربي بأسره وامتدت تدخلاته لتشمل تمويل ودعم تنظيمات إرهابية باتت معروفة للجميع بدءا من تنظيم القاعدة مرورا بجماعة الإخوان وليس انتهاء بتنظيم داعش وجبهات كالنصرة وجند الشام وغيرها من الجماعات الإرهابية.
وإذا كان المخطط الذي لعبت فيه الدوحة دور معول الهدم الرئيسي استهدف في المقام الأول تدمير الدول العربية الكبرى فقد بدأت قطر توجيه سهامها إلى مصر باعتبارها ركيزة الأمن القومي العربي والدولة العربية الأكبر والأقدم.
والمتتبع للمخططات الإرهابية التي تعد الدوحة طرفا منفذا في الكثير منها يستطيع أن يوجه بصره بشكل فوري صوب الآلة الإعلامية الضخمة التي رصدت قطر من أجلها مليارات الدولارات واستقطبت إعلاميين من كافة أقطار العالم العربي، ورسم لقناة "الجزيرة" الدور الرئيسي فيه؛ فمنذ عام ١٩٩٦ أصابت الدهشة المواطن العربي فور انطلاق هذه القناة الإخبارية من مساحة الحرية غير المسبوقة لوسيلة إعلامية انطلقت من دولة عربية محافظة، وشيئا فشيئا ووفق خطة إعلامية مدروسة استطاعت هذه القناة أن تحوذ اهتمام ومتابعة المواطن العربي الذي أصبح حديثه اليومي يتناول شأنا عرضته القناة في برامجها الإخبارية المتنوعة.
واللافت أن سقف الحرية كان بلا حدود في برامج هذه القناة التي اتسم خطابها الإعلامي بالجرأة وتحطيم "تابوهات" درج على تقديسها الإعلام العربي بمختلف أرجاء المنطقة بل والدخول في مشاكل ومناطق اتسمت دوما بالحساسية داخل الدول العربية ربما للمرة الأولى.
ولم تكن لغة الخطاب الإعلامي الموجه للقناة سوى وسيلة لجذب المواطن العربي في البداية وترسيخ تواجد هذه القناة داخل بيت كل عربي تمهيدا لتحين اللحظة واقتناص الفرصة المناسبة للبدء في تنفيذ مخططات صنعتها أجهزة مخابرات دول استهدفت المنطقة، ووظفت القناة الإخبارية منصة لذلك ظهر بوضوح بدءا من غزو العراق خلال عام ٢٠٠٣ مرورا بإثارة القلاقل والمشاكل داخل العديد من الأقطار العربية انتهاء بثورات ما سمى بالربيع العربي الذي برز فيه دور القناة بشكل واضح ولعبت دورا مهيجا ومثيرا لمشاعر المواطن العربي وقافزا إلى الهدف الرئيسي مباشرة دون التفات إلى اعتبارات السيادة أو المعايير المهنية والأخلاقية التي يجب أن تلتزم بها وسائل الإعلام.
وتحول دور دولة قطر فجأة منذ تلك اللحظة إلى صانع ومحرك للأحداث والقلاقل، بل وامتد إلى إسقاط أنظمة واستحداث أخرى ليتجاوز دور هذه "الدويلة" القابعة شرقي شبه الجزيرة العربية والبالغ عدد مواطنيها ٣٠٠ ألف شخص والتي لم تحصل على استقلالها سوى عام ١٩٧١ حجمها بآلالف أو ملايين المرات.
فالدولة التي تستضيف القاعدة العسكرية الأمريكية في العيديد ينتقد إعلامها الموجه مفاهيم السيادة في العديد من البلدان العربية، وفي الوقت الذي تعد فيه "دولة" لا تعترف بالديمقراطية ونظام حكمها وراثي تطالب دول المنطقة بالديمقراطية وإرساء حقوق الإنسان رغم أنها حبست شاعرا لمجرد أنه نظم قصيدة تناولت رأس الحكم.
واللافت أن الساحة الإعلامية العربية تركت لفترة زمنية طويلة نهبا لهذه القناة تحرك فيها مشاعر المواطن العربي ليكتشف أن الدور المنوط بها لم يكن بريئا وأنها استخدمت لتنفيذ أغراض أجهزة مخابرات دولية رسمت وخططت بعناية.
وإلى جانب الدور الإعلامي .. حاولت قطر النفاذ من خلال اللعب على الوتر الديني باحتضانها ودعمها لمفتي الإرهاب يوسف القرضاوي الذي أخذ يبث سمومه من الدوحة وأيضا عبر قناة الجزيرة التي خصصت له برنامجا دوريا تحول شيئا فشيئا من التركيز على المفاهيم الدينية، إلى مناقشة الشأن السياسي، وتمت صناعته بعد ذلك ليتم توجيهه للعب دور في الثورات العربية ليصبح بمثابة "خوميني" آخر لكن النسخة المتطورة منه التي تزعم دعم حق الشعوب العربية على حساب دولها وثوابتها الوطنية ليتحول الأمر بعد ذلك إلى نشر مفاهيم الفوضى وكسر القيم والمفاهيم الراسخة في الوجدان العربي.
ورويدا رويدا .. بدأ دور القرضاوي في التنامي وصنعت منه الدوحة زعيما سياسيا، وليس كداعية ديني ليلعب دورا بارزا في الكثير من الأحداث التي شهدتها دول المنطقة بدءا من ظهوره في ميدان التحرير بعد ثورة يناير ليبدو وكأنه أحد محركي الأحداث، بل ووقف خطيبا في ميدان التحرير ثم إماما في إحدى صلوات الجمعة التي كان الميدان يكتظ بها في تلك الأثناء ليوجه رسالة إلى دول المنطقة، ومن خلال الرسائل "المقصودة" بدأت توجهات قناة الجزيرة في إجراء حوارات "مصنوعة" لإبراز دور قطر والقرضاوي في دعم الثورات العربية، لتبدو الدوحة تحولت فجأة من دولة صغيرة تقبع على الخليج العربي إلى صانع لأحداث المنطقة وكأنها إحدى الدول الكبرى.
ودأبت الدوحة على تغذية البؤر الفاسدة ودعم الحركات الإرهابية وتيارات الإسلام السياسي التي استشرت طوال العقدين الأخيرين وقوى التكفير، ونجحت في استمالتها واختراقها وإيجاد لغة تفاهم تتسق مع سياستها وتنفيذ مخططاتها، كما عملت على توسيع دائرة سيطرتها عن طريق تدجين العديد من علماء الدين والمثقفين والمفكرين العرب وشراء ضمائرهم وأقلامهم، فأغرتهم وأغدقت عليهم الأموال، وسخرتهم لمحاربة الفكر التنويري لصالح مشروعها التدميري.
وخلال حرب حزب الله اللبناني مع إسرائيل عام ٢٠٠٦ لعبت قطر دورا مزدوجا، ففي الوقت الذي كشف فيه عن وجود قصور لكل من حاكم قطر ورئيس وزرائه في ذلك الوقت حمد بن جاسم داخل إسرائيل عملت قطر على التدخل بين إسرائيل وحزب الله لمحاولة إنهاء الحرب وكانت جولات أميرها في ذلك الوقت حمد بن خليفة أل ثاني إلى بيروت وتل أبيب تصب في هذا الاتجاه، وجاءت تسريبات بعض الصحف الأجنبية لتصريحات نسبت إلى وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني حول إقامتها علاقات مشبوهة بعدد من الشخصيات العربية عندما كانت تعمل بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" لتثير الكثير من الشكوك حول هذه الشخصيات وتطرح الكثير من علامات الاستفهام حول هذه الشخصيات والخدمات التي قدموها إلى إسرائيل.
واستمرت قطر في تجاوز حدود دورها الطبيعي كدولة "صغيرة" في المنطقة إلى تبني أدوار لا تناسب طبيعتها ولاحجمها بل باتت تناطح دولا عريقة وضاربة في القدم بالمنطقة وعلى رأسها مصر بل تجاوزت إلى محاولة مناطحة الدور المصري ومحاولات سحب البساط في العديد من الملفات والقضايا الجوهرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وأصبحت الدوحة ملتقى لحل مشاكل المنطقة وملاذا للكثير من "المريدين" اعتمادا على فائض ثروتها النفطية ووفرة إنتاجها من الغاز الطبيعي فأصبحت تغدق الأموال يمينا ويسارا وتستضيف مؤتمرات المصالحة لعدد من الدول ليتطور هذا الدور فيما بعد ويتحول إلى داعم للجماعات الإرهابية في الكثير من البلدان العربية وإنفاق الأموال على شراء السلاح ومد الجماعات الإرهابية به بل وتمويل إسقاط الأنظمة مثلما في ليبيا وسوريا واليمن ودعم واستضافة قيادات الجماعات الإرهابية في الدوحة وعلى رأس هؤلاء قيادات جماعة الإخوان والجماعة الاسلامية وجماعة طالبان ودعم قيادات حزب الله خلال مرحلة سابقة على التدخل في سوريا حيث انقلب الحزب على السياسة القطرية بعد تباين المصالح واختلاف التوجهات وانخراط الحزب في الشأن السوري.
ولتحقيق أغراضها .. أبرمت قطر اتفاقات مع عدد من دول المنطقة التي تتبنى النهج ذاته مثل تركيا، وإيران ليشكلوا محورا استهدف تفتيت وتدمير دول المنطقة، وفي القلب منها مصر.
ولعل الأمر المثير للشكوك حول طبيعة الدور القطري في المنطقة ارتباطه الوثيق بعلاقات مريبة مع إيران رغم تهديداتها المتكررة لدول منطقة الخليج العربية وتدخلاتها المستمرة في القضايا والشئون الداخلية لهذه البلدان وكان أخرها التدخل في البحرين واليمن بدعمها جماعة الحوثي بل ودعم التنظيمات والجماعات المشبوهة في العديد من بلدان المنطقة.
يضاف إلى ذلك ما تقوم به الدوحة من جهود لتقسيم الوطن العربي وتفتيته وإضعافه، والقيام بوساطات مختلفة في العديد من البلدان العربية شملت السودان واليمن والصومال وفلسطين ولبنان، فضلا عن التحركات الاستراتيجية التي تستهدف رسم خريطة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد، والإيحاء بحل المشكلة الفلسطينية على حساب الثوابت العربية، وتجسيدا لمشروع اليمين الإسرائيلي.
والمؤكد أن نظام الدوحة تحول إلى مخلب ومعول هدم ينهش الجسد العربي وأداة لتنفيذ مخططات تفتيت وتجزئة الجغرافيا العربية، وتدمير وخلخلة الأنظمة العربية الأخرى، فضلا عن تشويه وتدمير الثقافة العربية، وتأجيج الصراعات الطائفية والقبلية والعشائرية والإقليمية داخل الكثير من المجتمعات العربية.
وسعت قطر باستخدام فوائض بترولها وغازها الطبيعي إلى تزعم الساحة العربية والاضطلاع بدور الناطق الرسمي لها، مستغلة الأوضاع الداخلية في العديد من الدول العربية.
ولعل خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر والتي اتخذتها العديد من الدول العربية الأخرى بعد أن فاض بها الكيل من المواقف القطرية تصب في اتجاه تصحيح المسار وإعادة الأمور إلى جادة الصواب، وأن يعرف كل طرف في المعادلة قدره حتى لا يتجاوز مجددا حدود الدور، أو يتبنى مخططات الفتنة واستهداف ثوابت الأمن القومي العربي. وقد رحب النشطاء عبر وسائل التواصل الأجتماعي بقرار الدول العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر .