"حيفا".. جاليري الفن والجمال
الأحد 25/فبراير/2018 - 04:04 م
لمياء يسري
طباعة
هناك في تلك العمارة العالية، التي تقع على بعد عدة خطوات من ميدان التحرير، وبين عمارات طلعت حرب ذات الطابع المعماري الكلاسيكي، تجد مقر "جاليري حيفا".. جاليري التراث والفن والجمال والسينما والموسيقى.
5 شارع طلعت حرب.. الدور الرابع
عندما تدخل من الباب، تجد نفسك داخل صالة تشتمل على مجموعة كبيرة من الإكسسوارات التي تحمل رموز من التراث الفلسطيني والمصري، المصممة بالخشب والنحاس، تستطيع أن تختار منها ما تشاء بما يناسب ذوقك.
وإذا اتجهت إلى الغرفة المقابلة لهذه الصالة، فأنت الآن داخل " كافيه حيفا" الذي لا يتوقف عن إذاعة الأغاني المصرية أو العربية، فمن الممكن أن تستمع أغنيات فيروز أو الست أم كلثوم، وربما الشيخ إمام أو صباح فخري أو غيرهم من المطربين والمطربات المصريين والعرب، وإذا أدرت بصرك بحوائط الكافية ستجد نفسك محاطًا بصور الأحبة من الفنانين والمطربين والكتاب والشعراء، يوسف شاهين، سامية جمال، محمود درويش، فريد الأطرش، أسمهان، صوفيا لورين، والجميلة رضوى عاشور، والشيخ إمام، وأحمد فؤاد نجم، أما عن فيروز فلها النصيب الأكبر من المكان.
نعود إلى الوراء قليلًا، إذا دخلت من الصالة الرئيسية ولكنك لم تكمل إلى الغرفة الأمامية المخصصة للكافيه، وأخذتك خطواتك إلى جهة اليمين، فستجد نفسك في عالم آخر مختلف.
ففي هذا الجزء الأيمن من الجاليري، تقع غرفة السينما، وغرفة الموسيقى، حيث يتم تعليم الغناء والموسيقى والتمثيل، بالإضافة إلى أنها تجمع محبي وعازفو الموسيقى في سهرات موسيقية على نغمات العود.
جاليري حيفا أسسه اثنين من الشباب المصريين ذو الأصول الفلسطينية، محمود وسامح العطار، وعلى الرغم أن ملكية الجاليري القانونية تعود إليهم، لكنهم جعلوا المكان ملكًا لكل من يشاركهم حب الفن والموسيقى والسينما.
التأسيس المختلف للمكان
قال محمود عطار "هذا المكان لم يدخله صنايعي واحد، فكل شيء في التجهيزات قام بها الشباب الذين أحبوا فكرة الجاليري، فكل من كان يملك القدرة على المشاركة، ترك بصمته في المكان، الألوان والدهانات والأوراق والرسم على الحوائط، وحتى أعمال السباكة في المكان قام بها كاتب وشاعر شاب من أصدقائي أنا وسامح".
ويضيف محمود أن لديهم صديق أسواني، جاء خصيصًا من بلدته حتى يشارك في الرسم على جدران الجاليري، تكبد مسافة سفر 12 ساعة بالقطار فقط لأنه أحب فكرة الجاليري، وأراد أن يشارك فيها بمجهوده.
رموز تراثية
اعتمد محمود وسامح على الرموز التراثية في تصميم أعمالهم الخشبية، وكان أغلبها فلسطيني، كتصميم حنظلة الشخص الكاريكاتورية الأشهر للكاريكاتير والفنان الفلسطيني ناجي العلي، وكذلك الخريطة الفلسطينية حتى تظل في التاريخ والوجدان حتى لا تنسى، وكذلك تم الاستعانة ببعض الجمل للشاعر محمود درويش وسميح القاسم لتصمميها على الخشب، بالإضافة إلى بعض الرموز المصرية كذلك كجمل شهيرة من أغاني أم كلثوم مثلًا، أو رسومات مضحكة مقتبسة من المسلسلات المصرية كصورة عبلة كامل في دورها الأشهر " فاطمة كشري".
وبالرغم من أن اعتمادهم الأكبر في التصميمات على الخشب إلا أنهم استخدموا كذلك النحاس في بعض الرسومات التي صعب تنفيذها على الخشب.
نادي السينما الأسبوعي
يشارك الجاليري محبي السينما بفيلم أسبوعي، ويكون يوم الجمعة، يعقبه مناقشة للفيلم، لكنها ليست مناقشة للمختصين أو النقاد السينمائيين، بل هي من رواد المكان، حيث يتحدثون بحرية وتلقائية وبإحساسهم فقط تجاه الفيلم ومشاهده وفكرته، يتشاركون رؤاهم كاملة، فيرى الحضور الفيلم بأكثر من وجهة نظر وبعيون مختلفة.
سهرات ودروس موسيقية للجميع
ليًلا يأتي للمكان محبو الموسيقى وعازفوها، أغلبهم لا يعرفون بعضهم بعضًا كما يؤكد محمود، لكنهم يعرفون جيدا أنهم جميعًا يحبون الموسيقى، فيجلسوا لإقامة سهرة غنائية على نغمات العود يصاحبها صوت غنائي مميز ممن لديه الموهبة الغنائية من الحضور، وينقلها محمود بشكل مباشر وإذاعتها على صفحته بالفيش بوك، تحت عنوان راديو حيفا.
أما عن الدروس الموسيقية، فهي مفتوحة للجميع، بكل الأعمار، ولمن لا يملك أي فكرة مسبقة عن المزيكا، يتعلمها من البداية.
كما قال "محمود"، إن كل ما يحتاج إليه الشخص ليتعلم الموسيقى هو أذن موسيقية تستطيع أن تشعر بالزمن الموسيقي.
مكتبة موسيقية
لأن المزيكا جزء لا يتجزأ من المكان، جائت فكرة إنشاء مكتبة الموسيقى، فأسس محمود مكتبة خشبية على شكل مفتاح صول، تكون مخصصة فقط لكتب الموسيقى وتاريخها، يمكن لمن يجلس بالجاليري أن يقرأ من أي من كتبها، ليتعرف على الموسيقى بشكل مختلف، أو يعرف قصة من قصصها، والمكتبة مفتوحة لمن أراد أيضًا أن يشارك غيره فليضع كتابًا يتحدث عن الموسيقى.
حيفا الحلم الكبير
لم يكن اختيار الاسم هكذا بشكل عشوائي، بل الاسم يرمز لمعنى مهم عند أصحابه، فهم فلسطينيين وبالأخص غزاويين، ومن يعرف طبيعة الحال الفلسطيني، سيعرف أنه من غير المسموح لأصحاب بلدة الدخول إلى بلدة آخرى.
فالغزاوي لا يدخل إلى بلدة آخرى في فلسطين، وكذلك أصحاب القدس أو حيفا أو غيرها من البلاد لا يدخلون غزة، وتعد حيفا من أكبر المدن الفلسطينية والتي يود أن يزورها محمود يوما ما، لذلك تمت تسمية الجاليري باسم حيفا، كرمز مهم لأحد أحلامه التي يود أن يحققها يوما ما.
جاليري حيفا مكان له طابع مختلف عن أي مكان ثقافي آخر، المكان هنا يتمتع بقدر أوسع من الفن والمزيكا والتراث، بالإضافة إلى أنه يفتح بابه للجميع ممن أرادوا المشاركة ببعض الجمال والموسيقى والفن، هناك في حيفا إذا كنت من محبي الموسيقى ستشعر أنك منتمي لهذا المكان.
