الطوفان الإغريقي وظهور جنس بشري جديد
الإثنين 05/مارس/2018 - 10:37 م
لمياء يسري
طباعة
استقر الإنسان على الأرض، من خلال تزاوج وتناسل، وأصبح يبحث عن طعامه، فسخر الحيوانات لخدمته، وزرع الأرض بكل أنواع الخضروات والفاكهة التي عرفها، اصطاد الأسماك من النهر والبحر، كانت الأرض مشاع للجميع، لا مشاكل ولا نزاعات.
ومع زيادة الاستقرار، لم يعد هناك داعِ للتفكير في الغد، فلم يسع إلى زيادة رقعته في الأرض أو امتلاك المزيد من الحيوانات.
لكن عندما ازداد عدد بنو البشر على الأرض، ازداد بالضرورة استهلاكهم لخيرات الأرض ومنتجاتها، وضاقت بهم المساحات الأولى التي استقروا عليها، عندئذ عرفوا معنى القلق بشأن الغد، بدأ الإنسان يسعى في توسيع أملاكه ورزقه، ظهرت فكرة الملكية ومعها ظهرت الحرب.
أصبح هناك الظالم والمظلوم، الجاني والمجني عليه، الحاكم والمحكوم، بدأ الصراع على الأرض والسلطة، وكان زيوس يراقب ما يحدث على الأرض من بعيد، ويرى انتشار الجريمة في كل مكان، فهدد زيوس البشر بأنه سينزل عليهم عقابه، فقرر أنه سيقضي عليهم جميعا، ويمحو آثارهم من الأرض، ثم يأتي بقوم آخرين يعلمهم الفضيلة والخير، ولكن قبل أن ينفذ قراره، عقد اجتماع مع مجلس الآلهة، وعرض عليهم الوضع الذي آل إليه بني البشر، وأخبرهم بقراره، فأيدوه ولم يراجعه أحد منهم.
فكر زيوس كيف يمكن أن يقضي عليهم جميعا دفعة واحدة ؟ وفجأة صرخ قائلًا الطوفان.. الطوفان.
أمر زيوس الرياح والعواصف أن تنتشر في كل مكان، وتجمعت السحب المثقلة بالمياه فوق كل مكان على الأرض، وبدأت الأمطار تنهمر، وفاضت المحيطات والبحار في كل مكان، وبدأ يتهدم كل ما بناه البشر، خرج البشر يصرخون ويتحركون في كل مكان، نسوا أولادهم وممتلكاتهم خرجوا يحاولون الاحتماء في أي شيء، من هذا الهلاك المحتوم.
زيوس يجلس على عرشه يشاهد ما يجري على الأرض، ويحث الرياح والمياه على مواصلة الاندفاع والإهلاك لكل شيء، حتى تهدم كل شيء، لم يعد هناك سهول ولا جبال لم يعد سوى الخراب، ولكن أثناء نظره إلى الأرض للتأكد من أن كل شيء تهدم، وجد شيء يطفو على الماء، لم تكن كتلة من شيء متهدم، بل شيء له ملامح خاصة وكأنها الشيء الوحيد الذي لم يتهدم ولم يطوله الخراب الذي أنزله على الأرض، دقق النظر وجد أنه صندوق يحوي رجل وامرأة بداخله يقاومان للبقاء على قيد الحياة.
حاول أن يعرف من هم الذين نجوا من هذا الطوفان، لكن الأمطار حالت دون ذلك، فأصدر أوامره إلى الأمطار كي تتوقف والرياح أن تهدأ، توقف الصندوق، نظر زيوس بداخله وتعرف على ملامحهم، إنه ديكاليون ابن بروميثيوس وزوجته بيرها "بورا".
غضب زيوس وأراد أن يعرف كيف علما الزوجان بأمر الطوفان.
ديكاليون هو ابن بروميثيوس الذي كان يعرف ما الذي تفكر فيه الآلهة؟ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، أما عن زوجته فهي ابنة أبيمثيوس، ولما علم بروميثيوس بما يخطط له زيوس، نصح ابنه بأن يذهب إلى قمة أعلى جبل في اليونان، قمة جبل بارناسوس، وأن يقطع جزوع من الشجر ويجمعها مع بعضها البعض، ليكون صندوق خشبي ضخم، منسابا من المقدمة والمؤخرة، صندوق أشبه بالسفينة التي نعرفها اليوم.
ثم فرش أرض الصندوق بأوراق النبات والقش، وجمع ما استطاع من كميات الطعام، وأثناء بناؤه لهذا الصندوق الخشبي، رآه الناس وسخروا منه، حاولوا أن يستفسروا عن الأمر لكنه رفض أن يجيبهم، دخل ديوكاليون وزوجته في الصندوق، ظلا داخل الصندوق حتى حدث الطوفان، انهدت الأرض وما عليها، وطاف بهم الصندوق على الماء، هم الوحيدون الذين نجوا من الطوفان، ولما أمر زيوس بأن يهدأ الطوفان.
خرج الزوجان من الصندوق، وتوجهوا إلى أطلال معبد دلفي، يتضرعان إلى الآلهة أن يعمروا الأرض من جديد، فاستمع إليهم زيوس وأعجب بولائهما وحبهما إلى الآلهة برغمم كل ما حدث، فقرر أن يستجيب لدعواتهم، وأن يخلق جيلًا جديدا، فأمرهما أن يبحثا عن عظام أمهما، ليجمعها فيكون خلقًا جديدا على الأرض.
لم يفهم الزوجان المقصد في البداية، فهما لم تنجبهما امرأة واحدة، فزيوس لا ينطق بالكلام بشكل مباشر، بل يحمل الألغاز والتشبيهات، وبعد تفكير صاح ديوكاليون أن الأرض هي أمهما، فأمسكا الاثنان الأحجار الموجودة حولهما، ثم يلقونها من خلف ظهريهما، فكان حجر ديوكاليون يتحول إلى رجل، وحجر بيرها يتحول إلى امرأة، وبدأت الأرض تعمّر من جديد.