ما هي الروح المعنوية؟ هي مقدار الحماس والاندفاع الايجابي نحو العمل، مما يؤدى الى زيادة الانتاج دون ان يقتضى ذلك مزيد من الاجهاد والتعب، ويتحدد هذا المقدار بمدى توحد الافراد مع أهداف العمل من ناحية، ومع أهداف جماعة العمل من ناحية أخرى.
والتريف العلمي للروح المعنوية هو: "الحالة النفسية الراسخة في أعماق النفس في قالب شعوري داخلي نابع من صميم الفرد، يحثه على القيام بعمله على أكمل وجه وهي محصلة عدة عوامل روحية وفكرية".
هذا التعريف المبسط للروح المعنوية يدل على أهميتها في حياة كل فرد عامل، فمابالنا لو أن هذا الفرد هو "مقاتل في القوات المسلحة"، فالفرد المقاتل بمختلف الرتب من أدناها إلى أعلاها، يحتاج إلى ارتفاع الروح المعنوية لديه، لأن الروح المعنوية هي وسيلة لتحويل الهزيمة إلى نصر والنصر إلى هزيمة والجيوش تقهر حينما يأخذ اليأس طريقه إلى مقاتليها، وهي أيضا الحالة العقلية والنفسية للفرد في وقت معين وتحت تأثير ظروف معينة.
وقد قال مونتجمري عنها:" إن أعظم عامل من العوامل المؤدية إلى تحقيق النجاح هو روح المقاتل انه لأمر هام وجوهري أن يفهم المرء إن المعارك إنما تكتسب أولا وقبل كل شئ في قلوب الرجال"، ورجال القوات المسلحة المصرية يملكون قلوبا من ذهب، لا تعرف الهزيمة، عقيدتها "النصر أو الشهادة"، إن الجندي المصري الذي تشبعت روحه بالإيمان والتمسك بأخلاق الوطنية الحقة، والتي هي من أقوى الوسائل وأبلغ الأساليب أثراً في تربية الجندي وتشكيله فكريا ووطنياً وعسكرياً، هذا الجندي يحتاج دوما لوجود روح معنوية مرتفعة لديه.
والحقيقة أن جنودنا البواسل يملكون هذه الروح طوال الوقت حتى في أشد الأزمات، وما من دليل على ذلك أكبر من انتقال الجندي المصري من مرحلة الهزيمة والانكسار في 1967 إلى مرحلة "حرب الاستنزاف"، بشكل سريع جدا، فبين مساء التاسع من يونيو1967 وظهر السادس من أكتوبر 1973 كانت الملحمة الكبري لشعبنا العظيم وجيشه الوطني، ملحمة إعادة بناء القوات المسلحة، وملحمة قهر الهزيمة، وملحمة بناء الاقتصاد القوي بريادة القطاع العام، ومعركة إدارة الصراع السياسي علي المستويين الإقليمي والدولي ومعركة إعادة وحدة الموقف العربي واتخاذ قرارات الصمود والتصدي في قمة الخرطوم عام 1967.
وكانت الانطلاقة بالانخراط المباشر في الحرب مع العدو علي مدي ثلاث سنوات ونصف إلي أن اكتمل الاستعداد لخوض معركة الاقتحام المجيدة في السادس من أكتوبر1973، كما كانت حرب الاستنزاف كذلك أول صراع مسلح يضطر العدو للاحتفاظ بنسبة تعبئة عالية ولمدة طويلة, وهو ما ترك آثاره السلبية علي معنويات سكان الكيان واقتصاد الدولة بدرجة لم يسبق لها مثيل في الحروب السابقة, خصوصا أن قادة العدو كانوا قد أعلنوا لشعبهم أن جولة 1967 هي آخر الحروب، فإذا بالاستنزاف يتصاعد ويحطم مصداقية القادة في نظر الشعب.
وتضمنت هذه الحرب ثلاث مراحل رئيسية هي مرحلة الصمود ثم مرحلة المواجهة والدفاع، وأخيرا مرحلة الردع والحسم وبعدها كانت مصر قد كسرت حاجز الخوف وامتلكت قدرات النصر الذي تحقق يوم السادس من أكتوبر.
كانت حرب الاستنزاف, بحق, هي حرب المعجزات لأنها استمرت ثلاث سنوات ونصف متواصلة أو كما يسميها الإسرائيليون بـ "حرب الالف يوم"، والتى تلقت فيها إسرائيل ضربات موجعة من الجيش المصري الذي ظنت بغرورها أنها قضت عليه نهائيا قبل ستة أيام فقط من استرداد الجيش المصري قدرته علي المواجهة وعلي النصر نحو ما تأكد في معركة "رأس العش".
وإذا ما حللنا كل ما حدث في هذه الفترة سنجد أنه يتكرر لكن مع اختلاف العدو، فمصر الآن تواجه عدوا جديدا هو "الإرهاب الأسود"، اعتقد الإرهابيون أنهم استطاعوا أن يتغلبوا على المصريين، لكن الجيش المصري جاء رده سريعا ورادعا، والفضل في ذلك لله سبحانه وتعالى ثم إلى ارتفاع الروح المعنوية لدى كل أفراد الجيش المصري.
كل فرد في القوات المسلحة المصرية هو "مشروع شهيد"، الشهادة لديهم غاية يتمنونها، رجال لا يهابون الموت، يحلمون بوطن آمن ويحققون الحلم على أرض الواقع.
فرغم الضربات الموجعة التي أدت إلى استشهاد خيرة الرجال من أبناء القوات المسلحة، نجد أن هذا الأمر إنما يزيد من عزيمة الجنود لخوض المعركة بأعلى روح معنوية للثأر للشهداء وتطهير البلاد من قوى الشر.
دور القيادة السياسية والعسكرية على جميع المستويات يعتبر دورا جوهريا في تتبع الحالة المعنوية لأفراد الجيش، ومعرفة الظواهر المؤثرة على روحهم المعنوية، ومراقبة المتغيرات النفسية لمعرفة أسبابها واتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاومتها. ومن الواجب العمل على الحد من تدني مستوى الروح المعنوية للأفراد وذلك من خلال إقناعهم وتحسيسهم بالخطر المحدق بوطنهم ووجوب تقدير المسؤولية وتوحيد الصفوف لمواجهة محنة مشتركة. كما تقع على عاتق القيادات بحث ومتابعة المعلومات الدقيقة حول المؤثرات السلبية من خلال دراسة التقارير المنهجية والموضوعية للجان متخصصة وما تحدده من الظواهر السلبية السائدة في صفوف الأفراد، وتكون في الغالب ظواهر تلقائية تنتشر بين الأفراد مثل التقاعس في تنفيذ الواجبات وتدني مستوى الضبط والربط وعدم التقيد بالقيافة الصحيحة إلى غير ذلك. و ظواهر اخرى تعتبر مفتعلة و تدخل في مجال الحرب النفسية الموجهة من العدو مثل بث الإشاعات المغرضة و التضخيم من حجم المشاكل السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية في البلاد بهدف تحطيم معنويات المواطنين جميعا و العسكريين خصوصا .
وقد تنبه قادة القوات المسلحة لأهمية الروح المعنوية للجنود من البداية وعملوا جاهدين على تحفيز الجنود ورفع معنوياتهم، ويظهر هذا جليا في مدى جاهزية الفرد المقاتل نفسيا ومعنويا وكذلك عسكريا في كل المعارك الدائرة في ربوع مصر ضد الإرهاب، وهو ما نشاهده الآن أمام أعيننا في العملية الشاملة "سيناء 2018".. حفظ الله مصر شعبا وجيشا.