المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

الشحاذ والعبيط.. قصة قصيرة لـ "أحمد أبو العزم"

الجمعة 16/مارس/2018 - 09:29 م
أحمد أبو العزم
أحمد أبو العزم
لمياء يسري
طباعة
هاتفني، وقال لي: "مُر علي عاوزك في مصلحة"، مررت به، في دكانه الواقع في آخر شارع مسدود، يسمونه بعاميتنا "شارع سد"، قدم لي الشاي قبل الحديث، لا أحب الشاي، لكنه أرخص ما يطلب على المقهى، لذا يُشرب عنوةً، شربنا الشاي، وأخرج من جيبه مائتين من الجنيهات، مكتوب عليها بخط رفيع "يا عبيط"، طلب مني فحصها:
- "مزورة"
- اتصرف..
- ونصيبي؟!
- نصفها 

لاحظت الغضب الواقع عليه، عندما دققت النظر للكلمة المكتوبة، عرفت أن أحدًا قد تعمد إهانته، أو ربما تعمد إهانة من أعطاه هذه الورقة، المهم أن أحدًا تعمد إهانة الآخر، ومن يحمل هذه الورقة "عبيط ".

خرجت من عنده، ورأسي يدور، أريد التخلص من هذه الورقة في أسرع وقت حتى لا أصير "عبيط "، لا أعرف من أعطاه هذه العملة المزورة، سأكسب من ورائها مائة جنيه، أعلم أن الجنيهات المائة الآن لا قيمة لها، ولكنها ستكون خيارًا جيدًا لرجل لا يحمل في جيبه ثمن علبة الدخان، لذا ذهبت إلى أقرب محل لبيع السجائر، طلبت علبة سجائر، أخرجت الورقة، أعطيتها للرجل، تحاشيت النظر مباشرة إليه، راقبته بطرف عيني، فتحت العلبة لأضعه أمام الأمر الواقع، أمسك الورقة بريبة، بسطها ورفعها لأعلى، تمعَّن فيها، بينما أخرجتُ سيجارة من العلبة، وضعتها في فمي، كرمش الورقة وتركها، أشعلت السيجارة، بللها بطرف لسانه، سحبتُ نفسًا عميقًا، وضعها أخيرًا في الدرج، أطلقت سراح نَفَس السيجارة المحبوس في صدري، فرد الروح فيَّ، فجأة لمحتُ رجل يدخل من وراءي، أخرج البائع الورقة له، فحصها، وقال له:
مزورة 

نظر إليَّ الرجلين بغضبٍ وريبةٍ، أمسكتُ الورقة، أظهرتُ الحيرة، أقسمتُ أني لا أعرف عن أمرها شيئًا، دعوت على صاحب الورقة، فقدَّم البائع النية الحسنة، وطلب مني تغييرها، نفضت جيوبي أمامهم، فلم أجد إلا جنيهان ونصف، أخبرتهم أني لا أملك غيرهما، قدم البائع النية السيئة، وقال: "تدفع يا نروح القسم "!

عرضت عليه أن يأخذ العلبة، لكنه اعترض، فالعلبة تنقص سيجارة، تدخَّل الرجل وحكم أن أدفع للبائع الفضية التي في جيبي، وأعطيه علبة السجائر والفضية، وقد فعلتُ، وأخذتُ الورقة وخرجت، وأنقذني الرجل الذي كان سببًا في كشف أمري من الذهاب إلى القسم، مشيت هائمًا، ودخلت أكثر من دكان، أتمعن في وجوه الباعة، عساني أهتدي إلى ضعيف نظر، أو شيخ كبير العمر، لكن لم يصادفني أحدٌ منهم، وتعبت قدماي من السير، وتذكَّرتُ مقولة "أكل العيش مر"، وعرفت أن الأمر أمر مما كنت أتوقع، والطريق إلى المئة جنيه محفوف بالمخاطر.

جلستُ أستريح على أحد الأرصفة، وجاء أحد الشاحذين وجلس بجواري، وأخرج عملات فضية وورقية من فئاتٍ عدة، حسدته على هذا المال، ورغم أن مظهره يثير الاشمئزاز، إلا أنه على الأقل يملك ثمن علبة السجائر في جيبه، ومال عليَّ.

وقالي لي:
- حاجة لله يا بيه 
- معيش فكة
- أفكلك يا بيه
وتلاعب الشيطان بأفكاري، فخطرت لي فكرة رهيبة، أعطي للشحاذ الورقة، وعمومًا لن يستطيع تمييزها، فأخرجتُ الورقة وأعطيتها له، لمَا رآها لمعت عيناه فرحًا، وسألني:
- هتديلي كام 
- عشرين جنيه 
وجمع كل ما معه من نقود، وكانوا مائة وستين جنيهًا، وقال لي يا بيه "المسامح كريم"، فكرت قليلًا، ووافقت مدعيًا الخسارة، وأخذت منه نقوده، وقلتُ لنفسي لن أجد أحدًا في حمق هذا الشحاذ، الشحاذ عبيط، ورجعت الدكان للرجل، وأعطيته مائة جنيه كما اتفقنا.

وبينما أجلس معه هاتفني أبي، وقال لي: "مُر عليّ عاوزك في مصلحة"، مررت به، في حانوته الواقع في أخر شارع مسدود، يسمونه بعاميتنا "شارع سد"، قدم لي الشاي قبل الحديث، لا أحب الشاي، لكنه أرخص ما يطلب على المقهى، لذا يُشرب عنوة، شربنا الشاي، وأخرج من جيبه مائتين من الجنيهات، مكتوب عليها بخط رفيع "يا عبيط".
وقال لي: أحد الشحاذين أعطاها لي، ولم أكتشف أمرها إلا بعد رحيله، افحصها:

- "مزورة"
- اتصرف..
- ونصيبي؟!
- نصفها.
هل تعتقد أن هناك تحديات كبيرة تواجه الشباب حاليًا في الزواج؟

هل تعتقد أن هناك تحديات كبيرة تواجه الشباب حاليًا في الزواج؟
ads
ads
ads
ads
ads