في ذكرى رحيل العندليب.. صدمة الجمهور في "صافيني مرة".. والقدر أسرع منه في رواية "لا"
الجمعة 30/مارس/2018 - 09:57 م
زهرة حسين
طباعة
ربما غرس شعور اليتم بداخله طاقة غير مرئية ظلت مدفونة ومختزلة حتى خرجت للنور أمام الجميع وذلك من خلال الفنون التى قدمها سواء كان من خلال الغناء أو من خلال التمثيل فبعد أن فقد والديه بقرية الحلوات بمركز الإبراهيمية فى محافظة الشرقية وتولت رعايته شقيقته الكبري عليه، بعد أن انفصلوا عن خالهم الذي تولى رعايتهم هم الأربعة، حتى تخرج عام 1948 من معهد الموسيقى العربية قسم التلحين، وهناك التقى بصديق رحلة الكفاح ودرب الشهرة الملحن كمال الطويل، إلا أن الآخر كان يدرس بقسم الغناء والأصوات وقتها.
اكتشاف موهبته:
بالرغم من دراسته للموسيقى، إلا أنه عرف الفن على يد شقيقه المطرب ومدرس للموسيقى في وزارة التربية والتعليم إسماعيل شبانة، ومن هنا جاء حبه للغناء والحياة الفنية.
وبعد التخرج رشح العندليب من قبل أساتذة المعهد للسفر إلى الخارج كبعثة حكومية، إلا أنه رفض هذا العرض وفضل التعيين فى إحدى مدارس مدينة طنطا كمدرس للموسيقى، ثم إنتقل للزقازيق، وأخيرا للقاهرة، ليقدم بعد ذلك إستقالته من تدريس الموسيقى نهائيا ويلتحق بفرقة الإذاعة الموسيقية المصرية وعمل عازفا بها على آلة الأوبوا فى عام 1950، وبذلك يضع الخطوة الأولى في طريق الشهرة والمجد والنجومية في العالم العربي.
دخوله عالم الفن:
وفي مطلع عام 1951 يشاء القدر أن يجمع بينه وبين صديق الدرب كمال الطويل من جديد فى بيت مدير الإذاعة وقتها وكان الإذاعي فهمي عمر، ولعب القدر دوره عندما تواجد معهم الإذاعي حافظ عبد الوهاب، الذي اكتشف موهبة العندليب فى الغناء ومن هنا لقبه بـ"عبد الحليم حافظ" بدلا من عبد الحليم شبانة، وتعاون الصديقين فى قصيدة "كلمات"، والتى قام بغنائها من خلال شبكة الإذاعة المصرية وكانت من كلمات الشاعر صلاح عبد الصبور، وألحان كمال الطويل، وحققت صدى كبير مع المستمعين.
ومع مرور الوقت حاول العندليب أن يتخذ خطوة جريئة لتكون بداية مشواره الفني الذي ارتسم لنفسه وكانت فى عام 1952، عندما قدم أغنية "صافينى مرة"، من كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي، ولكن الذى حدث قلب الموازين رأسا على عقب فجاء رد الجمهور بالرفض الشديد، بل برجم العندليب عبد الحليم وفرقته الموسيقية على المسرح أثناء غنائه تلك الأغنية، فلم يفهم الجمهور هذا اللون الجديد من الموسيقى والكلمات، ولكن كان الحلم والإرادة لتحقيقه أقوى من رد فعل الجمهور عند العندليب، فقدمها مرة أخرى ولكن استغل العندليب ذكاءه فى تلك المرة في اختيار التوقيت المناسب فقدمها يوم إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية، فشعر الجمهور وقتها أن المجتمع يمر بمرحلة جديدة فى تاريخ مصر ومن ضمن هذا التغير والتطور تطور الحياة الفنية ومنها الموسيقى والغناء، وحينها تقبل الجمهور هذا اللون ونجحت الأغنية نجاحا كبيرا، لتتوالى من بعدها الأغانى التى تحمل نفس المعانى فى التغيير ومنها"على قد الشوق، يا حلو يا أسمر"، وغيرها.
محطات نجاحه مع الشعراء والملحنين:
ومن خلال مسيرته الفنية تعاون العندليب مع الكثير من كبار الشعراء والملحنين وربما كان هذا أحد أسباب تألقه وكان من أهم التعاونات التي قدمها مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ليقدمان سويا "أهواك، فاتت جنبنا، نبتدى منين الحكاية"، وغيرها من الأغانى.
كما تعاون مع الشاعر نزار قبانى والملحن محمد الموجي، ليقدمان "قارئة الفنجان، ورسالة من تحت الماء".
ولم يتغافل العندليب عن المشاركة مع الموسيقار بليغ حمدي، والذي شارك عمالقة الفن وقتها ليقدموا مجموعة من أجمل ما تغنى به العندليب مثل "أى دمعة حزن، زي الهوا، سواح، حاول تفتكرني"، وغيرها من الأغانى.
كذلك تعاون العندليب مع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، ليقدم أغنية "على حسنى وداد قلبى، عدى النهار".
كما تعاون مع الكثير من الشعراء والملحنين ليقدم مئتين وثلاثين أغنية سواء من الأغانى العاطفية أو الوطنية التى تركت بصمة حتى هذه اللحظة ومن هذه الأغاني "فى يوم فى شهر، جانا الهوى، يا خلي القلب، تخونوه، توبة، موعود، حبيبتى من تكون، العهد الجديد، حكاية شعب، صورة، أحلف بسماها، النجمة مالت على القمر"، وغيرها من الأغانى التى مازالت تتداول بين الأحباء والعاشقين حتى الآن.
مشاركته الدينية:
كما قدم العندليب فى مسيرته الفنية الكثير من الأغانى الدينية والابتهالات ومن أشهرها "خلينى كلمة، على التوتة، أنا من تراب، ورق الشجر، بين صحبة الورد، يا خالق الزهر"، وغيرها.
وقوفة أمام جميلات الشاشة:
شارك العندليب بموهبته الكبيرة فى مجال التمثيل جميلات الشاشة ومنهم الفنانة اللبنانية صباح، من خلال فيلم «شارع الحب»، والذي ضم توليفة كبيرة من نجوم وحقق إيرادات كبيرة وقتها بعد طرحه بدور العرض السينمائى.
كما شارك الجميلة مريم فخر الدين، من خلال فيلم "حكاية حب"، والذي تناول جزء كبير فى حياة العندليب الشخصية مع النجمة فردوس عبد الحميد.
وقدم مع الفنانة زبيدة ثروت، أجمل فيلم قدمته زبيدة، على حد قول الراحلة وهو فيلم "يوم من عمري"، والذي كان بداية قصة الحب التي نشأت بينه وبين الجميلة زبيدة ثروت، ولكن كان للنصيب رأى آخر.
وفى سياق متصل إستطاع العندليب، أن يكون مع الراحلة شادية، ديو متناسق تقبله الجمهور وكان ينتظره فقدما سويا الكثير من الأفلام ومنها فيلم "داليدا"، ويليه فيلم "معبودة الجماهير"، والذي حقق نجاحا كبيرا وظل مستمر حتى الآن.
كذلك شارك الفنانة ماجدة، من خلال فيلم "بنات اليوم"، وقدم من خلال هذا الفيلم الكثير من الأغانى العاطفية التى مازالت تتردد حتى اللحظة ومن أهم ما تغنى به فى هذا الفيلم "أهواك، ظلموه".
قدم الفنان عبد الحليم حافظ، الوجه الجديد والملائكة إيمان، من خلال فيلم "أيام وليالي"، وغنى لها الكثير من الأغانى العاطفية ومن أشهرها "أنا لك على طول".
كان للعندليب رؤية فنية عميقة فى إختيار بطلات أفلامه فمنذ أن رآها صدفة فى منزل أحد الأصدقاء رأى فيها نجمة كبيرة تستطيع أن تضيف للفن الكثير والكثير وقدم لها دور البطولة المطلقة منذ الظهور الأول لها من خلال فيلم "الوسادة الخالية"، والذي اعتبرته النجمة لبنى عبد العزيز، الفيلم الذي صنعها فنيا وفرغ الكثير من الطاقات الفنية بداخلها هى ذاتها كانت لا تعلمها.
تقدم العندليب عبد الحليم، بقصة تحمل عنوان "لا"، للكاتب الصحفي مصطفي أمين، والذي كانت تجمعهما علاقة صداقة قوية وكان يسرد من خلالها قصة حياته كاملة منذ أن ولد بقرية الحلوات بالشرقية حتى تربع على عرش الفن العربي، ورشح الفنانة نجلاء فتحي، لتقوم أمامه بدور البطولة ولكن كان للقدر رأى آخر وإختاره الموت قبل أن يتخذ اى خطوة.
وفى عام 1967 قدم العندليب عبد الحليم حافظ، حفلة التاريخي والذي حضر فيه أكثر من 8 آلاف شخص بقاعة "ألبرت هول" في لندن وتبرع بأجرها كاملا لصالح الجيش المصري والمجهود الحربي، بعد أن تعرضت البلاد للنكسة.
رغم الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها عبد الحليم حافظ، لكن هناك عدداً كبيراً من أغانيه لا يعرفها كثير من الناس، والسبب الحقيقي لهذا هو ان هذا الإنتاج الإذاعي لا يتم إذاعته وهو مملوك للإذاعة المصرية مثل باقي إنتاجه وهذا السبب نتج عنه شىء من الندرة وتم الاعتقاد أنه تراث مجهول ولكنه معلوم لكثير من المؤرخين و الإذاعيين المصريين.
بداية رحلته مع المرض:
أصيب العندليب الأسمر بتليف في الكبد سببه مرض البلهارسيا، وكان هذا التليف سببا في وفاته عام 1977 م وكانت أول مرة عرف فيها العندليب الأسمر بهذا المرض عام 1956 م عندما أصيب بأول نزيف في المعدة وكان وقتها مدعواً على الإفطار بشهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف.
وفاته:
وفى صباح يوم الأربعاء الموافق 30 مارس لعام ، توفي العندليب عبد الحليم حافظ، عن عمر يناهز الـ47 عاما بمدينة لندن، والسبب الرئيسي في وفاته هو الدم الملوث الذي نقل إليه حاملا معه التهاب كبدي فيروسي فيروس سى الذي تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيا منذ الصغر كما قد أوضح فحصه في لندن، ولم يكن لذلك المرض علاج وقتها وبينت بعض الآراء أن السبب المباشر في موته هو خدش المنظار الذي أوصل لأمعاه مما أدى إلى النزيف وقد حاول الأطباء منع النزيف بوضع بالون ليبلعه لمنع تسرب الدم ولكن عبد الحليم مات ولم يستطع بلع البالون الطبي. حزن الجمهور حزنا شديدا حتى أن بعض الفتيات من مصر انتحرن بعد معرفتهن بهذا الخبر، وقد تم تشييع جثمانه مهيبة لم تعرف مصر مثلها سوى جنازة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والفنانة الراحلة أم كلثوم سواء في عدد البشر المشاركين في الجنازة الذي بلغ أكثر من 2.5 مليون شخص، أو في انفعالات الناس الصادقة وقت التشييع.