تجعلنا الموسيقى نلمس قطعة من الجنة وتطفو أرواحنا بين الأرض والسماء، وتزداد سعادتنا إذا امتزجت بموهبة فريدة وصوت لا يتكرر كثيرًا يؤثر في وجداننا حتى نتعلق به، وصوت المطربة تانيا صالح من هذه الأصوات التي لا تستطيع المرور على روحك دون التأثير فيها.

يشكل المسرح الخطوة الأولى للموهوبين نحو النجاح والتطور والنضج الفني، ولن يدهش القارئ كما لم يدهشني أن المطربة الرائعة تانيا صالح كانت بدايتها في التسعينات كممثلة بالمسرح اللبناني، ومع الرحابنة مفتاح من مفاتيح النجاح وسره.

تعد المغنية تانيا صالح من أهم وأشهر المطربات العرب، ولديها مشروع واضح بالتعبير عن أوجاع الوطن ومشاكله بأغنياتها وبإحياء تراثه أيضًا، فتجدها تغني أغنية "يا سلوى ليش عم تبكي" التي حولتها بشكلٍ طفولي تتقمص فيه شخصية الطفلة بنبرة صوت وأداء ممثلة تسترجع فيه لحظاتها على المسرح بحفلاتها.

قدمت تانيا صالح خمسة ألبومات نوعت في موسيقاهم بين الدبكة اللبنانية والجاز والألحان الغربية الممتزجة مع الشرقية في لوحة نادرة لا تقدمها سواها، حتى الأغاني الساخرة قدمتها في قالب جديد وموسيقى مختلفة وكان آخر ألبوماتها ألبوم "تقاطع".

من التجارب النادرة التي فاجأتنا بها تانيا عمل فيلمها القصير الذي يتناول نبذة عن ألبومها الغنائي "تقاطع" وما يتناوله من كلمات ويعبر عنها بالجرافيتي والرسم والرقص، فلا يعلم الكثيرون عن تانيا صالح أنها فنانة تشكيلية قبل أن تصبح مغنية، فالفيلم عبارة عن لحن متنوع يجمع بين ألوان كثيرة من الفنون للتعبير عن ألبومها "تقاطع" بإخراج متميز وفن الشارع الذي يدخل قلب الجمهور بسلاسة عابر السبيل.

أبدعت تانيا في الغناء لشعراء مصريين وعرب، فتجدها تغني للشاعر الفلسطيني محمود درويش من قصيدة "هي لا تحبك أنت" بلحن هادئ يتناسب مع حالة القصيدة، ثم عادت لتقديم أغنيات مختلفة في ألبومها الأخير "تقاطع" من كلمات صلاح جاهين ومحمود درويش وجبران خليل جبران وبيرم التونسي في توليفة جميلة لإحياء التراث العربي وكسر البعد الزمني والتعبير عن حالات مستمرة ومشاعر إنسانية لا تخص سوى العرب.

فغنت "فرحًا بشيء ما" للشاعر الراحل محمود درويش و"الشرق" لبيرم التونسي والتي قامت بتلحينها بلحن رشيق يتناسب مع الكلمات لكي تثبت براعتها في التلحين أيضًا كعادتها، وغنت "القصيدة الدمشقية" لنزار قباني و"ليس في الغابات عدل" لجبران خليل جبران وغيرها من الأغاني من وحي القصائد الشعرية لشعراء شكلوا وجدان أجيال كاملة وأصبحوا جزئًا من تاريخنا.

صرحت تانيا لموقع الشرق الأوسط من قبل أنها رأت أولادها بألبومها الأخير والشباب الذين يجهلون أصول الأغنية العربية التي تشكل تاريخنا كعرب، وأضافت أنها أرادت التنويع في ألبومها الأخير بأغان مختلفة حتى لا تكون أغنياتها كما يقال لطبقة مثقفة بعينها، فقدمت في الألبوم أغنيات بسيطة بلهجتها اللبنانية وبلهجة مصرية.

استخدمت تانيا بألبومها الموسيقى الإلكترونية لكي تحي القصائد بشكل شبابي معاصر يصل لقلوب الشباب وينجح في توصيل رسالتها في حب تاريخنا كعرب وإحياء التراث، واستخدمت مقاطع صوتية لزعماء عرب وشعراء معروفين ليضيف على الألبوم جوًا وثائقيًا مع الموسيقى الإلكترونية والألحان الغربية الشرقية في مزيج مختلف.

كعادة تانيا تواكب الأحداث الحالية ولا تغفل أبدًا القضايا الهامة فاختارت قصيدة "الدمشقي" لنزار قباني كي تغني لسوريا مع معاناتها الآن وأوجعانا من أجلها.