"مظاهرات الإفطار الجماعي في تونس" مطالب متجددة وغياب لـ "العلماء"
الجمعة 25/مايو/2018 - 04:10 ص
وسيم عفيفي
طباعة
منذ 58 عاماً، كانت الأوضاع في تونس تسري مثل أي دولة في ظل التغيرات الفكرية التي شهدها العالم الإسلامي منذ الأربعينيات والخمسينيات، حتى جاء الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في مطلع فبراير سنة 1960 م، وقبل حلول شهر رمضان لعام 1379 م بـ 3 أسابيع وطالب الشعب التونسي بعدم إلزام أنفسهم بالصيام طالما أنهم يعملون، وكان هذا الخطاب سبباً في خلافاتٍ فكرية داخل تونس لا زالت مستمرة إلى الآن، وتتجدد كل عامٍ في رمضان.
تونس ورمضان بين زمان الآن
الحبيب بورقيبة في خطابه
كانت تونس طيلة 252 عاماً تقع في ظل حكم ديني يرأسه البايات المنتسبين إلى الأسرة الحسينية التركية التي أسسها حسين بن علي باي الأول سنة 1705 م واستمرت تحكم حتى العام 1957 م حين قام نظام بورقيبة بالإطاحة بهم، وأدخل تغييرات جذرية في تونس مست الدين والدولة.
محمد مزالي
في ثمانينيات القرن الماضي ومع تغيرات الأفكار نتيجة للحرب في أفغانستان، أصدرت الحكومة التونسية سنة 1981 م قراراً عبر وزيرها الأول محمد مزالي ينص على غلق كافة المقاهي والمطاعم العمومية والشعبية طوال شهر رمضان، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين خاصةً وأن القانون لا يمنع الفنادق من غلق مطاعهما أو مقاهيها.
حكم الإسلام في المجاهرة بالإفطار
من مظاهرات الإفطار الجماعي في تونس
لا يوجد تكفير لـ "المجاهر بالإفطار" في الشريعة الإسلامية حتى لو كان الصيام ركناً من أركان الدين، إنما إنكار الفريضة نفسها يؤدي إلى الكفر لمخالفة القرآن الكريم.
ترى الشريعة الإسلامية أن "المجاهرة بالإفطار" معصية كبيرة لأن فيها جرأة على الله عملاً بنص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا كذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه".
وفي تفسير الحديث قال بن حجر العسقلاني "في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، ومنه ضرب من العناد لهم، وفي الستر السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحدِّ عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا.
موقف المؤسسة الدينية في تونس من المجاهرة بالإفطار
جامع الزيتونة في تونس
قديماً حتى وفي ظل حكم بورقيبة كانت المؤسسة الدينية عبر مسجد الزيتونة ترفض تلك الدعوات، فشيخ تونس محمد عبد العزيز جعيط، أباح الإفطار في رمضان للأعذار المنصوص عليها في القرآن الكريم "المرض أو السفر"، وهو نفس الموقف الذي أعلنه الفاضل بن عاشور في خطاب شديد له قال فيه "صدق الله وكذب بورقيبة".
محمد عبدالعزيز جعيط - الفاضل بن عاشور
تتخذ المؤسسة الدينية في تونس موقفاً محايداً، فالدولة مصممة على استمرار تنفيذ القرار وسجن من يخالفه أسوةً بما حدث سنة 2017 م، فيما يعارض الكثيرين هذا القرار وخرج مئات منهم في مظاهرات أفطروا فيها علناً لإلغاء "قرار مزالي"، في سابقة لم تحدث طوال تاريخ تونس رغم الدعوات لتغيير قوانين دينية كثيرة مثل الميراث وتعدد الزوجات.
مظاهرات الإفطار الجماعي في تونس
لا تشهد تونس جماعات أمر بالمعروف كما يردد المتظاهرين، لكنها أيضاً خالية من رأي رموز الدين في المسألة، وإلقاء كرة النار في صف القانون، رغم وضوح الدين في المسألة، أما جامع الزيتونة باعتباره المؤسسة الدينية الرسمية في تونس، فهو لم يصدر إلى الآن بياناً واحداً بالشجب أو الإيضاح لما يطالب به المتظاهرين، وبالتالي فإشكالية المجاهرة بالإفطار ستتجدد كل عام وبمرور الزمن ستتحول تونس من دولة علمانية الهوى إلى إلحادية المنهج في صفوف مفكريها وصناع القرار فيها.