أزمات الرياضة المصرية مع الحروب والثورات دموع وبطولات وانكسارات
السبت 02/يونيو/2018 - 03:52 م
راجح الممدوح
طباعة
دائماً ما تشهد صراعات كرة القدم في مصر مشاحنات وصدامات عندما يلتقي فريق النادي "الأهلي" مع أيٍّ من أندية إقليم قناة السويس لاسيّما نادييْ الإسماعيلي والمصري البورسعيدي حيث تكون هذه المباريات الأكثر ضراوةً وشراسةً و تتخوّف الأجهزة الأمنيّة من عواقبها.
و أسوأ دليل على ذلك الكارثة الأشهر في تاريخ الكرة العربيّة والإفريقيّة ألا وهي مذبحة بورسعيد في عام 2012 خلال مباراةٍ جمعت بين الأهلي والمصري عندما تحوّلت مشاحنات معتادة إلى صدامات أدّت إلى مقتل 74 مشجّعاً للنادي الأهلي.
العداء الدائم بين "الأهلي" من جهة، و"الإسماعيلي" و"المصري" من جهة أخرى لم يكن في السنوات الأخيرة فقط فهو عداءٌ تاريخيٌّ قد يعود إلى أكثر من 70 عاماً.
ودائماً ما يظهر هذا العداء بشكلٍ واضحٍ عبر سنوات في مشهد تشجيع أندية الزمالك والإسماعيلي والمصري لبعضها البعض عندما يلتقي أي منها النادي الأهلي في أي مناسبة كرويّة.
حتّى أنّ مباريات الأهلي والزمالك التي تعتبر "دربي" القاهرة (الذي يُعدّ الأكبر في العالم العربي) تكون مقسّمةً بين جماهير الفرق الأخرى في تشجيع الأهلي أو الزمالك، ومشجّعي محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس الذين يتحوّلون إلى مشجعين للزمالك عندما يلتقي الأهلي، والذي سقط في مواقف صعبةٍ في هذا المسلسل تجلّت جيّداً في مذبحة بورسعيد.
عداء منذ عام 1956 بسبب خطف "الأهلي" لـ"الضظوي"
السر كشف عنه أحد أهم الرياضيّين في مصر ورئيس نادي الزمالك الأسبق د. كمال درويش ابن محافظة بورسعيد الذي أعلن أسباب العداء التي بدأت في عام 1956 عندما قرّر أحد النجوم التاريخيّين للفريق البورسعيدي والكرة المصريّة السيد الضظوي الإنتقال إلى النادي الأهلي بعد إغراءاتٍ من جانب إدارة القلعة الحمراء نظراً لما يتمتّع به اللاعب من مهارةٍ وقوّةٍ وعقلٍ ورؤيةٍ واسعة بالملعب.
و انقلبت بورسعيد وقتها مع هذا الإنتقال لنجمهم الأوّل الذي كان بمثابة نصف قوّة فريقهم الكروي و وجدوا أنّ "الأهلي" أراد كسر "المصري" البورسعيدي في الدوري بعد أن أوقع بالفريق الأحمر بعدّة هزائم فأراد أن يستولي على نجمهم حتى يسقط الفريق كرويّاً ومنذ هذا التاريخ يؤكّد درويش أنّ مسلسل العداء التاريخي بدأ ولم ينتهِ حتى الآن.
الزمالك احتضن الإسماعيلي والمصري في نكسة 1967 بعد رفض الأهلي
و استكمل درويش بالحديث عن تعميق هذا العداء وقال إنّه في عام 1967 ومع نكسة يونيو التي أضرّت بمدن القناة الثلاث بشكلٍ خاص و أدّت الحرب إلى تدمير المدن بشكلٍ كامل وتهجير الأهالي من هناك إلى القاهرة ومحافظاتٍ مصريّة أخرى إنتقلت الفرق الكرويّة في الإسماعيليّة وبورسعيد إلى القاهرة.
وكانت تحتاج هذه الأندية إلى ملاعب للتدريب عليها وأيضاً إستادات للعب مبارياتها عليها لاسيّما أنّ الإسماعيلي وقتها كان يخوض مبارياتٍ في البطولة الإفريقيّة.
وعندما تمّ الاستنجاد بـ"الأهلي" للتدريب على ملاعبه وأداء مبارياتها على أرضه كان الردّ بالرفض في حين أنّ "الزمالك" رحّب بهذه الفرق في محنتها الأمر الذي عمّق العداء و أوجد علاقةً أبديّة مع الزمالك.
و قال درويش إنّ أزمة العداء في السنوات الأخيرة التي تستند إلى تراكماتٍ في الماضي ترجع إلى سياسة النادي الأهلي في الحصول على خدمات اللاعبين أصحاب المهارات العالية في الإسماعيلي والمصري ممّا كان يؤدّي إلى إيقاع مستوى هذه الفرق.
و لفت إلى أنّ أكثر اللاعبين الذين صنعوا الفارق معه وساهموا في تحقيق بطولاته بعد أن استطاع شراءهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من أنديتهم هم محمد بركات و إسلام الشاطر وعماد النحاس وسيد معوض ومحمد عبد الله وشريف عبد الفضيل وعبدالله السعيد وعمرو السولية... و أدّت هذه الانتقالات إلى سقوط الإسماعيلي الملقّب بـ"الدراويش" ممّا تسبّب أكثر في العداء والإحتقان.
صباح يوم السادس من أكتوبر في عام 1973 كان جنود مصر في الميدان يستعدون لمعركة استرداد الكرامة، في الوقت الذي كان الشعب المصري يقوم فيه بأكبر عملية خداع استراتيجي عرفها التاريخ حتى ولو عن دون قصد.
العامل في مصنعه الفلاح في أرضه وحتى لاعب الكرة في ملعبه
فوقتما كان الجنود المصريون يحاولون عبور قناة السويس لرفع العلم المصري كان لاعبو غزل المحلة والطيران يتبارون أيضاً على أرض الملعب للحصول على نقاط الفوز في بطولة الدوري الممتاز!
المباراة كانت هي الأخيرة في مسابقة هذا الموسم فقد قرر الاتحاد المصري لكرة القدم بعد ذلك إلغاء الدوري والتفرغ للمشاركة في معركة الوطن ففتحت الأندية أبوابها أمام "الفدائيين" للتدرب والمشاركة في الحرب.
الأمر لم يتوقف عند ذلك فهناك من اللاعبين من شاركوا بنفسهم في المعركة منهم الشهيد عبده أبو حسين أحد لاعبي النادي المصري البورسعيدي طوال فترة التهجير الذي استشهد في الحرب ليكون بذلك شهيد كرة القدم المصرية في أكتوبر .
جمهور المحلة يهتف للطيران
مباراة غزل المحلة والطيران كان مقرراً لها أن تقام في القاهرة على ملعب الترسانة.
انطلقت في الساعة الثانية والنصف ظهراَ أي بعد موعد عبور القوات المصرية لخط القناة بنصف ساعة فقط.
كان اللقاء يسير بشكل طبيعي حتى لاحظ لاعبو المحلة أن جماهيرهم يهتفون لفريق الطيران ولاعبيه دون سبب يُذكر خلال الشوط الأول.
الأمر لفت أنظار جميع من في أرض الملعب ودفعهم للسؤال عن السبب بين شوطي اللقاء فالفريق لا يلعب بشكل سيء والنتيجة مازالت تشير للتعادل السلبي والإجابة كانت صادمة.
جمهور المحلة سمع في "الراديو" خبر بداية المعركة وعبور الجنود المصريين خط القناة بعد أن أذيع البيان الأول فهتفوا لنادي الطيران تحية لدور الطيران الحربي في الحرب.
لم يتكلم لاعبو الفريقين عما سيفعلونه في الشوط الثاني إنما تفرغوا فقط للدعاء للجنود في المعركة واتفق حكم المباراة إبراهيم الجويني مع لاعبي الفريقين على استكمال المباراة احتراماً للحضور من الجماهير.
أدى الفريقان الشوط الثاني بشكل ودي وانتهى اللقاء بالتعادل السلبي بدون أهداف لتهتف الجماهير الحاضرة في المدرجات للفريقين.
في مساء هذا اليوم اجتمع اتحاد الكرة وقرر إلغاء المسابقة ووقف النشاط الكروي في مصر للتفرغ للمعركة ولم يستأنف الدوري المصري إلا في الموسم التالي.
اليوم السابق للمباراة وللعبور في الخامس من أكتوبر كانت الصحف المصرية تطبق خطة الخداع
أعطى رؤساء التحرير أوامرهم بفرد مساحات أكبر لصفحات الرياضة وذكر تفاصيل أكبر عن المباريات فتغزل الجميع في النجم الجديد حينها حسن شحاتة الذي لعب أول مباراة في تاريخه بالدوري مع الزمالك في 5 أكتوبر 1973 فيما أبرزوا أيضاً رغبة المصري البورسعيدي في استقدام مدرب إنجليزي يبدو أنه مازال يبحث عن الطريق إلى مصر حتى الآن.
أما في اليوم التالي للمباراة فقد اختفى بكل تأكيد ذلك الاهتمام بكرة القدم ولم يهتم أحد بذكر حتى نتيجة المباراة إلا جريدة "المساء" التي ذكرت نتيجتها في فقرة صغيرة فوقت الخداع قد انتهى وحان وقت الوقوف بجانب أبنائنا على الحدود.
وفى حقبة الثمانينات وبدايتها تم اغتيال الرئيس السادات وعادت الرياضة مرة أخرى للنور وعادت كرة القدم والرياضة المصرية الى الساحة والمشاركة الفعالة في البطولات القارية والعالمية وحقق منتخب مصر بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم عام 1986 والتي أقيمت بالقاهرة فى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وكانت أفضل سنوات لكرة القدم والرياضة المصرية .