"حين تدخل الغرب لإنقاذ العثمانيين" قصة إذلال تركيا على يد الجيش المصري
الإثنين 04/يونيو/2018 - 12:02 م
وسيم عفيفي
طباعة
طيلة 218 سنة كانت الدولة العثمانية القائمة في تركيا ترى من مصر حلماً لها، منذ أن أسس عثمان الأول دولته سنة 1299 م، ولم يتحقق الحلم إلا عام 1517 م، حيث سقطت الدولة المملوكية بهزيمة ساحقة على يد العثمانيين وصارت مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية.
وضع الأتراك نظاماً سياسياً في مصر ارتكز على قاعدة أساسية تستهدف الولاية والمشيخة، وكانت القاعدة هي أن لا تزيد مدة الوالي العثماني عن 3 سنوات، بينما يصير المماليك نواباً للوالي في منصب شيخ البلد وذلك لأن المماليك أكثر دراية بمصر من العثمانيين.
سليم الأول في مصر
كان دهاءاً سياسياً من الأتراك هو قصر مدة الولاية على 3 سنوات، حيث أن تلك الفترة لن تسمح بعمل إنجازات تجعل الوالي محبوباً من أهل مصر، كما أنها تجنب العثمانيين ويلات ثورات المصريين عليهم نظراً لأن الـ 3 سنوات من الصعب أن يظهر فيها فساد الحكم.
ظل نظام الولاية العثماني قائماً منذ أن وضعه سليم الأول سنة 1517 م، ولم يتم كسره إلا في عهد السلطان سليم الثالث، وبالتوازي مع ذلك كان القائد الألباني المنضم إلى الجيش العثماني سنة 1801 م، قد جاء إلى مصر لكي يشرف على انسحاب الحملة الفرنسية، ولم يكن يخطر ببال أحد أنه سيصبح والياً على مصر بطريقة هزت أركان الدولة العثمانية نفسها.
لعبة القط والفأر بين الباشا والسلطان
محمد علي باشا - السلطان محمود الثالث
لم يكن صعود محمد علي باشا إلى سدة الحكم في مصر أمراً مقبولاً بالنسبة للعثمانيين في تركيا، لأنه كسر نظاماً عمره 288 سنة، فـ "محمد علي باشا" لم يتم توليته بالفرمان وإنما بثورة شعبية وكان الالتفاف الشعبي حول محمد علي باشا أحد أسباب كره تركيا له نظراً لأن قوى الشعب قهرت فرمان عزل محمد علي باشا، وبالتالي أدرك العثمانيين قوة الرجل خاصةً أنه نجح في قهر حملة فريزر سنة 1807 م، بالإضافة لنجاحه في إزاحة المماليك سنة 1811 م.
لم يكن محمد علي باشا يمتلك جيشاً، لكنه كان لابد أن يقدم فروض الولاء للعثمانيين وكان المأزق هو وجود خونة في مصر، فقرر أن يدخل في حرب بالنيابة عن الدولة العثمانية ضد الوهابية والدولة السعودية الأولى التي حرمتها تركيا من سيادتها على الحجاز وشبه الجزيرة العربية.
الأمير عبد الله بن سعود - آخر أمراء الدولة السعودية الأولى
كان محمد علي باشا واعياً لما يفعل، فهو بهذه الحرب سيجند فيها كل الخونة للدفاع عن الباب العالي، وفي نفس الوقت سيتمكن الباشا من السير في مبدأ "تحميل الجمايل"، حين يفوز بالحرب، وهو الأمر الذي تحقق سنة 1818 م حين نجحت مصر في إسقاط الدولة السعودية الأولى وإنهاء خطر الوهابية.
محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا وسليمان باشا الفرنساوي
بدأ محمد علي باشا في تأسيس الجيش المصري الوطني سنة 1821 م، واستغرقت مدة تأسيسه 3 سنوات حتى أعلنه التعاون عام 1824 م، وعقب ظهوره شاركت مصر في حلف مع تركيا أثناء حرب استقلال اليونان، ووقف الجيش المصري مع تركيا حتى وقعت معركة نفارين البحرية سنة 1827 م والتي انتهت بسحق الأسطول البحري المصري، وكان أثر الهزيمة مؤثراً على الباشا، وهو الأثر الذي أدركته تركيا فقررت ترضيته بمنحه حكم جزيرة كريت، وكانت تلك الترضية سبباً في الشقاق بين الباشا والسلطان حيث اعتبرها محمد علي باشا ترضية رخيصة لا تليق بما قدمه، فقرر الباشا الصِدَام.
حروب الجيش المصري ضد تركيا
الأسطولين العثماني والمصري
بدأت الأزمة بين مصر وتركيا حين قرر محمد علي باشا ضم سوريا وبلاد الشام إلى حكمه ودولته في مصر على اعتبار أن بلاد الشام وخاصةً سوريا هم خط الدفاع الأول عن مصر، فطالب الباشا بضم سوريا إلى حكمه غير أن تركيا أعلنت رفضها، ليقرر محمد علي باشا شن حرب ضد الدولة العثمانية نفسها، ومع قراره هذا بدأت حروب مصر ضد تركيا لمدة 10 سنوات من سنة 1831 م حتى 1841 م.
إبراهيم يُهاجم ميسولونغي اليونانية
طيلة 10 سنوات خاضت مصر 6 حروب ضد تركيا بدأت من سوريا ووصلت إلى عاصمة الدولة العثمانية وكانت فضيحة عسكرية بالنسبة للعثمانيين، حيث خسرت تركيا في الحروب الستة 30 ألف قتيل و 100 ألف مصاب بالإضافة إلى فقدانها لأكثر من 70 % من سلاحها كسفن وبنادق ومدافع؛ بينما لم تتجاوز خسائر مصر 7 آلاف قتيل، وبات الوجود العثماني على الخريطة مهدداً بالسحق لولا تدخل الغرب في حسم الصراع، وتمكن الغرب من إنقاذ العثمانيين.
بشير الشهابي - حليف محمد علي في حرب الشام
بدأت أول حرب بين مصر وتركيا بـ "عكا" في أقل من سنة، كانت أولهم في عكا وانتهت باستسلام استسلام تركيا وتسليم عكا وما فيها من سلاح ومدافع بالإضافة إلى تنازل تركيا عن كل الحاميات المحيطة بـ "عكا"، وجاء هذا الاستسلام بعد أن خسرت تركيا 5500 قتيل من أصل 6 آلاف، بينما فقدت مصر 4500 من عساكرها وضباطها.
وصل أثر معركة عكا إلى سوريا فاندلعت مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في سوريا يوم 15 يونيو سنة 1832 م، ولم تدم المواجهة سوى 10 ساعات وانتهت بهزيمة العثمانيين ومقتل ألفين منهم فضلاً عن وقوع 3 آلاف آخرين في الأسر، بينما لم تخسر مصر إلا 100 مقاتل دون إصابات أو أسرى.
في 4 ساعات انتهت المعركة الثالثة في حمص والتي انتهت بهزيمة تركيا حيث قُتِل من جيشها ألفين وتم أسر 500 مع تسليم كافة أسلحتهم، بينما فقدت مصر 200 ضابط وعسكري.
كانت انتصارات الجيش المصري في عكا ودمشق وحمص بمثابة سقوط بلاد الشام تحت الحكم المصري، خاصةً حين استسلمت يافا وحيفا وصور وبيروت وطرابلس والقدس وغزة للجيش المصري، وبالتالي كانت الحرب الرابعة واقعةً لا محالة، وهي مرحلة الشراسة بين الطرفين.
وصل أثر معركة عكا إلى سوريا فاندلعت مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في سوريا يوم 15 يونيو سنة 1832 م، ولم تدم المواجهة سوى 10 ساعات وانتهت بهزيمة العثمانيين ومقتل ألفين منهم فضلاً عن وقوع 3 آلاف آخرين في الأسر، بينما لم تخسر مصر إلا 100 مقاتل دون إصابات أو أسرى.
في 4 ساعات انتهت المعركة الثالثة في حمص والتي انتهت بهزيمة تركيا حيث قُتِل من جيشها ألفين وتم أسر 500 مع تسليم كافة أسلحتهم، بينما فقدت مصر 200 ضابط وعسكري.
كانت انتصارات الجيش المصري في عكا ودمشق وحمص بمثابة سقوط بلاد الشام تحت الحكم المصري، خاصةً حين استسلمت يافا وحيفا وصور وبيروت وطرابلس والقدس وغزة للجيش المصري، وبالتالي كانت الحرب الرابعة واقعةً لا محالة، وهي مرحلة الشراسة بين الطرفين.
الحروب المصرية - التركية
كانت المعركة الرابعة بين مصر وتركيا بالقرب من حلب وعفرين وهي المعركة المعروفة باسم "بيلان"، حيث كان عدد أفراد الجيش العثماني 45 ألف بينما كان الجيش المصري يضم 30 ألف مصري لم يحاربوا إلا في 3 ساعات ونجحوا في قتل 25 ألف تركي وأسر ألفين فضلاً انسحاب 40 ألف آخرين وتسليم 25 مدفع، بينما وصلت خسائر مصر إلى 20 مقاتل.
معركة قونية
صدمة مدوية هزت تركيا بسبب نتيجة حرب بيلان، فقررت تركيا مواجهة مصر بقوة أكبر فجاءت المعركة الخامسة على حدود تركيا نفسها حين اندلعت أعمال معركة قونية وسط جنوب الأناضول في 18 ديسمبر سنة 1832 م، وبلغ مجموع أفراد الجيش التركي 53 ألف مقاتل في مقابل 15 ألف مصري، وانتهت بيلان بهزيمة كارثية للعثمانيين حيث أُسِر قائد الجيش رشيد محمد خوجة بعد أن خسر في 7 ساعات 3 آلاف مقاتل تركي وأُسِر 6 آلاف آخرين، بينما لم تتجاوز خسائر المصريين 262 مقاتل.
الغرب ينقذ تركيا من مصر
رسمة فرنسية للجيش المصري تحت قيادة إبراهيم باشا
أيام فصلت بين إبراهيم باشا و عاصمة الدولة العثمانية، وكان موقف الدول الأوروبية متناقضاً من الناحية السياسية، البعض كان يريد للزحف المصري أن يستمر حتى يزيح الدولة العثمانية، وكان هذا مصلحة لروسيا، بينما البعض الآخر تخوف من إحلال تركيا بمصر، كون أن هذا معناه إعطاء عدو جديد لأوروبا لكنه أكثر شراسة من الدولة العثمانية، فاستقر الموقف أن تُعْقَد معاهدة كوتاهيه والتي نصت على تنازل السلطان لمحمد على باشا عن كل الأقطار التي فتحها وهي الشام، وإقليم أدنه والحجاز وجزيرة كريت مع تثبيته على ولاية مصر مقابل أن ينسحب الجيش المصرى عن باقى مدن الأناضول التي فتحها إبراهيم باشا.
صورة لبلدة كوتاهيه
جاءت معاهدة كوتاهيه بعد 5 حروب بين مصر وتركيا وظلت سارية من عام 1832 م، حتى 1839 م، لكن كثرة الثورات ضد الحكم المصري للبلاد التي في حوزة الباشا، جعلت إبراهيم باشا يتهم تركيا بالتآمر مما جعله يخوض المعركة السادسة و الأخيرة والأخطر وهي معركة نصيبين المعروف بـ "نزيب" والتي وقعت جنوب تركيا في 24 يونيو سنة 1839 م.
رسمة لـ إبراهيم باشا في معركة نزيب
استمرت الحرب 30 دقيقة بين الجيش المصري بقوته البالغ عددها 50 ألف مقاتل في مقابل 60 ألف محارب تركي ، وانتهت بهزيمة الدولة العثمانية وفقدانها 12 ألف مقاتل وأسر 15 ألف آخرين، فضلاً 20 ألف بندقية و 144 مدفعاً، بينما لم تتجاوز خسائر الجيش المصري 4 آلاف قتيل.
محمد علي باشا - إبراهيم باشا
أصيب السلطان العثماني بمرض السل حزناً على ما جرى في نصيبين التي تعني أن سقوط الدولة العثمانية أمر واقع لا مفر منه لولا معاهدة لندن سنة 1840 م بين عبدالمجيد الثاني و إبراهيم باشا والذي كان مرغماً كأبيه على قبولها لأن الرفض يعني دخول مصر في حرب مباشرة مع أوروبا، وبقبول معاهدة لندن استقل مصر نهائياً عن الدولة العثمانية وبقي حكمها في محمد علي باشا وذريته الذي استمر حتى 1952 م.