الحميمية.. في عالم مليء بالنفاق يشوبه القلق وسوء الظنون، لا ينام الليل وترفع للنهار ستائره إلا وصاحت البيوت بمشكلاتها التي لا تهدأ ولا تستقر ونحن في أحوج الحاجة لحفنة من الصبر نستظل بها حين تضرب أنفاسنا التعاسة وقلة الحيلة فلم نأت لهذه الحياة من أجل الراحة والسكينة.
كل الأديان السماوية أمرت بالحميمة بين نصفي الحياة ( الرجل وأنثاه ) وجعلت روح التقارب أو الدف العاطفي والروحي وإزالة الحواجز النفسية وتقوية علاقات المحبة نسيج حي لاستقرار مسيرتهم الحياتية مثل أعضاء الجسد الواحد التي تتعاون معا لديمومة الحياة.
إن المحبة والرغبة في اقتناء فهم عميق للأخر من اجل تعميق الشركة بين الأطراف بدون عزلة أو انطواء والتوازن بين الحياة الخاصة لكل فرد في كيان الأسرة والحياة الأسرية المشتركة بين الطرفين هي الطريقة الأمثل لنجاح الأسرة والوصول لتحقيق الأهداف المشتركة بينهم.
الاختلاف والتنوع سنة الحياة فلا توجد بصمة شخص في العالم تتطابق مع الأخر، يجب أن لا يكون داخل الأسرة لا الكراهية ولا الأنانية وحب الذات الاحترام والتقدير الذي أمرت به نصوص أدياننا وشرعته قوانين الإنسانية سبيلا داعما للنجاح بدلا من الألفاظ الجارحة والتحطيم.
معارك حياتية لا مفر منها أقدامنا ستعثر فيها لا محالة حتى تنتهي الرحلة، فنجد أنفاسنا تبحث في كل طريق عن ذلك النصف الأخر الذي نمضي معه ونعلق حياتنا بحياته ونجعل تفاصيله جزءا من اهتماماتنا، حتى نرى الحياة في وجه من وثقنا بهم.
"الرب واحد والأبواب كثيرة" عبارة كانت تطرقها زوجة ذلك النجار الفقير على مسامع زوجها كلما ضاقت به الظروف واستحكمت حلقاتها فتخبره دائما أن الفرج قادم من حيث لا يحتسب، تهون عليه ليله وتكفكف دمعاته، لاسيما بعدما أغلقت ورشة نجارته وكسر باب رزقه ودمرت حياته.
كان ذلك الرجل يعيش في أحد العصور التي وصف حكامها بالظلم والجبروت،فحكم على النجار بالموت ! بلا سبب وتسرب الخبر للنجار سرا فلما عرف خاف وحزن وبات ليلته مذعورا تجاوره زوجته، التي كانت أشد فزعا ولكنها خفت ضعفها وخوفها وباتت تطبطب على قلبه في سلام وعناية وتقول جملتها " الرب واحد والأبواب كثيرة " ونزلت كلماتها سكينة على قلبه فغفت عيناه.
لم يفق إلا على صوت قرع الجنود لبابه، وكأن سيف الموت يتأهب للفتك بروحه المظلومة، فشحب وجهه ونظر لزوجته في يأس وحسره عيناه الحزينتان تودع عيناها المخلصتان،فتح الباب.. ويداه ترتجفان رعبا يمدهما مقبوضتان للحراس على ظن بأن يقيدانه ولكن..
القدر قرر أن ألا يغتال حياة تلك الزوجة ويتركها بدون مؤنس، القدر كان أشد عدلا وأكثر رحمة من كل الطواغيت، فقال الحراس للنجار في استغراب: " لقد مات الملك ونريدك أن تصنع له تابوتا " فنظر لزوجته وقال لها:" الرب واحد والأبواب كثيرة ".