لعنة الواقعية طاردت رضوان الكاشف حتى الموت .. كيف جسدت أفلامه المجتمع المصري
الجمعة 12/أكتوبر/2018 - 12:34 م
شيماء اليوسف
طباعة
لقد عاش المخرج الراحل رضوان الكاشف، الحياة الداخلية للمواطن البسيط الذي سكبت الحياة على كتفيه ثقلاتها، وتمكن من خلال رؤيته الإخراجية النافذة أن ينقل هذا الصورة الدقيقة للغاية إلى العالم الذي لايعلم عن هؤلاء شيئا، واعتمدت أفلامه على المنطق الصريح في العرض الذي نشأ عليه جيال المبدعين من المخرجين أمثال"يوسف شاهين".
المخرج رضوان الكاشف
مثلت قضايا الحرية والقهر هي الهاجس الملح والعامل المسيطر على أفلام رضوان الكاشف، وقد تمكنت من طرح رؤى جديدة ومختلفة لمشكلات المهمشين مثل مشكلة الفقر والبطالة في فيلم " ليه يا بنفسج" الذي أنتج في 1993م، وتجاوزت ذلك رمزيا وموضوعيا في تناول قضايا السفر والابتعاد عن الموطن في " عرق البلح" وكشفت عما يمكن أن يخلفه هذا الخيار من آثار سلبية على الاسرة، وتم إختيار الفليمين ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما العربية.
رضوان الكاشف والواقعية
أعمال رضوان الكاشف
كان فيلمه الأخير " الساحر" الذي طرح في 2001م، يحمل الكثير من التجليات الفنية والثنائيات الدالة على رؤيته الإخراجية المجتمعية إضافة إلى التناقضات التي تنتشر في المجتمع وقد أبرزها في تسلسل الأحداث، كما أنه يعد إخراجيا جديدا لنموذج من نماذج القهر ضد المرأة "المرأة المعنفة"، وقد غلف الفيلم بصبغة كاريكاتيرية لشخصية "الساحر" يجعلنا أمام شكل جديد ومختلف لنموذج من نماذج الاستبداد السلطوي.
أعمال رضوان الكاشف
أعتبر النقاد الفنيون أن المخرج "رضوان الكاشف" مثل انتهاجا لمشروع فني حول حياة المهمشين في البيئات الاجتماعية اتي تعاني الفقر المدقق، فإن الحارة الشعبية والبيت البسيط وحياة القاع الاجتماعي في فيلميه الأول والأخير مجرد خلفية أو ديكور تدور الأحداث من خلاله بل كانت جزءا أساسيا لتجليات الأحداث وتطورها وفي عرق البلح، فيلمه الثاني كان للنجع والصحراء الشاسعة دورا أساسيا في التصاعد الدرامي، حيث مثل المكان مكونا رئيسيا لشخصيات معذبة تعيش على الأساطير وترتبط بجذورها حتى الموت.
الأجيال الثلاثة في العمل السينمائي الواحد
أعمال رضوان الكاشف
لقد حفل الفيلم بالأجيال الثلاثة، وهم" الأجداد والأبناء والأحفاد"، واستطاع الفنان "حمدي أحمد" أن يجسد دور الجد المريض، الذي لا يقوى على الكلام ويعاني الكبر والشيخوخة، بمقدرة وخبرة كبيرة كما أن الفنانة السودانية فائزة عمسيب، أظهرت إبداعا حينما قامت بدور الجدة واستهلال الفيلم بحديث لها عن سيرة المكان والأجداد.
اعمال المخرج رضوان الكاشف
وضع هذا الفيلم الذي أبلغ تفانيه الإخراجية الراحل، رضوان الكاشف بلورة للفكرة الدائرة حول المهمشين، وكانت المشاهد التي جاءت بمنزلة لوحات فنية معبرة عن الصحراء والبيوت والحياة الخاصة بالمجتمعات المحافظة على عاداتها وتقاليدها ولها طابع اجتماعي خاص، أن السيناريو من تأليف المخرج نفسه ووضع الموسيقى التصويرية والألحان ياسر عبد الرحمن الذي نجح في إيجاد بيئة فنية تتضافر فيها الموسيقى مع روح المكان وقد استطاعت الموسيقى أيضا أن تعبر عن كلمات الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، التي استلهمت الفولكلور الشعبي من الطراز الصعيدي.
الطبيعة والرؤية الفنية والتصوير الموسيقي
أعمال رضوان الكاشف
كانت بكارة الصحراء قد امتزجت في مشاهد الفيلم، لتقدم عرضا سينمائيا مختلفا يشمل كثيرا من السمات الخاصة وتتكامل به العناصر الفنية، استطاع "رضوان الكاشف" أن يكون واحدا من المخرجين المجددين في حياة السينما المصرية والعربية وواحدا من القلائل الذين يملكون قدرا من التجريب والمغامرة فكل عمل له كان يمثل تجربة فنية مختلفة تستلهم عالمها ومفرداتها وصورها من " شجن " مختلف ناتج عن قهر يتعرض له الإنسان.
أعمال رضوان الكاشف
لقد لعبت الظروف الاجتماعية التي عايشها المخرج رضوان الكاشف، لاسيما تجاربه الشخصية دورا رهيبا في التأثير على رؤيته الفنية والإخراجبة، خاصة أنه تأثرا تأثيرا مباشرا بالظروف البيئية والاجتماعية المتنوعة والتي دارت جوانبها حول الاحباطات الناجمة عن تدني مستوى الأحوال والأوضاع المعيشية الاققتصادية والاجتماعية وغيرها.
الهروب من الواقع إلى الخيال
أعمال رضوان الكاشف
إن فكرة تناول الأجيال الثلاثة في الأعمال السينمائية، لم يكن إلا لجوءا إلى الخيال الهارب من الواقع ومراراته، ربما تمثل ذلك المرار الأسود في تدني القدرة المادية على الزواج لدى بعض الأشخاص وكأنه كان يرسل رسالة بسهام قاسية توجعنا اليوم فهناك ملايين الفتيات والشباب في مصر قد وصلت أعمارهم لفوق الثلاثين وأكثر ولم يتزوجوا حتى الآن، بسبب عدم المقدرة المالية، كم من قصة حب قتلت بسبب هذا الظروف المادية الحقيرة.
أعمال رضوان الكاشف
وقد عرض رضوان الكاشف هذه الصورة في فيلمه " ليه يا بنفسج" حيث أن الأبطال الثلاثة في الفيلم كانوا يعانوا من البطالة، وعدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي، حتى أيضا أن فيلم الساحر عرض نفس الصورة، ووضحت هذه الظروف السيئة في فيلم عرق بلح، رغم البيئة الصحراوية الغنية إلا أن ظمأ العيش كان يتخللها بالأسود سوى انتظار ما يجود به النخيل من ثمر يحصدونه كام عام، فكيف أن يعيش مجتمع في رغد العيش على جني البلح!