"قراء وحكام (1)" الشيخ محمد رفعت والملك فاروق .. صداقة أنهتها الزغطة
الخميس 01/نوفمبر/2018 - 06:00 ص
وسيم عفيفي
طباعة
لم تكن العلاقة بين الشيخ محمد رفعت والملك فاروق متميزة بالحب من طرف واحد، لكنها شهدت ترتيبا تصاعديا بين الشيخ محمد رفعت وأسرة محمد علي نفسها أمراءا وملوكا، منذ أن ذاع صيته في حي المغربلين حتى وصل إلى صدارة التلاوة في العالم الإسلامي حتى اليوم.
شخصية من العائلة المالكة فتحت المجال للشيخ محمد رفعت
شخصية من العائلة المالكة فتحت المجال للشيخ محمد رفعت
الشيخ محمد رفعت
فُتِح المجال للشيخ محمد رفعت في أوائل عام 1934 م ، عندما كان يتلو القرآن في أحد المآتم الشهيرة ، وكان من ضمن المستمعين ، البرنس "محمد علي"، فأعجب به وبصوته وأسلوب تلاوته، فأرسل إليه وطلب منه أن يفتتح الإذاعة الأهلية المصرية ، ورحب الشيخ وسجل له "زكريا باشا مهران" والحاج "محمد خميس" سورتي الكهف ومريم على أسطوانة، لكن كان القدر في نفس العام يخبئ للشيخ وضعين جديدين .
الشيخ في الإذاعة بطلب من الملك فؤاد وولي عهده
الشيخ في الإذاعة بطلب من الملك فؤاد وولي عهده
الملك فؤاد وولده فاروق
عندما أُلغيت الإذاعة الأهلية وقامت شركة ماركونى الإنجليزية بتأسيس الإذاعة المصرية وتم عرض القراءة على الشيخ محمد رفعت ، رفض الشيخ رفعت هذه الفكرة رفضا قاطعا ، لوجود شبهة حرمة فيه ، فتوجه إلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقتها وكان هو الشيخ محمد الأحمدي الظواهري ، لكن الأخير كان في اجتماع مع الملك فؤاد للنظر على وضع الأزهر بعد استقالة الشيخ المراغي ، فانتظر الشيخ رفعت خروج الشيخ الظواهري لدرجة أن حُراس عابدين تشككوا في أمره واعتقدوه متسولا ، ومع الأخذ والرد بين الشيخ والحرس ، وصل أمره إلى شيخ الأزهر بحضرة الملك فؤاد ، فطلب الملك فؤاد بعد أن قدم الإذن ، أن يتوجه الشيخ الظواهري للشيخ محمد رفعت ، لأنه كان قد استمع له في مسجد المؤيد شيخ وهو مسجد قريب من مسكن الشيخ رفعت وهو حي المغربلين .
محمد الأحمدي الظواهري
عندما توجه شيخ الأزهر للشيخ رفعت ، قال له الشيخ محمد رفعت أنه عُرض عليه القراءة في الإذاعة لكنه يرفض نظرا لأن الإذاعة قد تكون مكانا غير طاهر لأنها تحت وصاية بريطانية ، فضلا عن احتمالية وجود محرمات بها حيث تبرج قريبات الإنجليز.
نجح الشيخ الظواهري في إقناع القارئ محمد رفعت بأن القراءة في الإذاعة أمر عادي ومحبوب لأن الراديو وسيلة تصل للجميع ، فالعيب فيما يُقدّم في الراديو وليس العيب في الراديو نفسه ، والقرآن خير شيء يُقدم عن طريق الراديو ، فاقتنع الشيخ رفعت وبدأ في القراءة بالإذاعة والعجب أنه مع بدء البث للإذاعة كان الشيخ رفعت هو القارئ ، وخبأ القدر للشيخ رفعت أن يكون هو أيضا صاحب التلاوة في الحفل الرسمي للإذاعة بدار الأوبرا .
علم الملك فؤاد بذلك أثنى على موقف شيخ الأزهر ، وكانت الصدفة دراماتيكية عندما أرسل الملك فاروق لوالده يبتغي منه أن يعطيه أسطوانات لقراء مصر ليكون القرآن عونا له في الغربة ، فأشار فؤاد بأن يكون طلب ابنه مجابا عن طريق إرسال اسطوانات لفاروق بها تلاوة من الشيخ رفعت ، وحين استمع فاروق له طلب أن يقوم الشيخ رفعت بعمل تسجيلات له في الإذاعة ، فأُخبر فاروق بأنه بالفعل بها .
فؤاد يطلب الشيخ رفعت لقراءة القرآن في الأوبرا
الشيخ محمد رفعت
أظرف وأغرب المواقف في حياة الشيخ محمد رفعت ، أنه يعتبر هو القارئ الوحيد الذي قرأ في دار الأوبرا المصرية ، وذلك بمناسبة بدء الإذاعة وكان البدء في الإذاعة تحت الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية قصة الإذاعة تبدأ في عام 1931 حيث قامت وزارة المواصلات بتقديم مذكرة إلى مجلس الوزراء، تطالب فيها بإنشاء محطة إذاعة لاسلكية، على أن تتولى شركة ماركونى الإنجليزية التلغرافية اللاسلكية مسؤولية تشغيلها لحساب الحكومة المصرية ، وقوبل الطلب بالموافق في يوليو من عام 1932 ، وتم تعيين المفتش العام مستر جى وب لمصلحة التلغراف والتليفونات مشرفًا على أعمال الإذاعة ومستشارًا فنيًّا لها ليتم افتتاحها فى 31 مايو من عام 1934م ويكون لها احتفالا في دار الأوبرا المصرية .
خرج صوت الإذاعي والممثل أحمد سالم بقوله " هنا القاهرة " ، ليبدأ الاحتفال من دار الأوبرا المصرية وأثناء الاحتفال كان الشيخ محمد رفعت موجودا بدار الأوبرا المصرية بناءا على طلب من الملك فؤاد وولي عهده فاروق ، ليقوم بالتسجيل وبجواره كافة الأدوات الإذاعية التي تمكنه من أداء التلاوة وبعد جملة " هنا القاهرة " كان الشيخ رفعت يقوم بأداء التلاوة لما تيسر من سورة الفتح أيضا ، وبعد ذلك كانت كلمة وزير المواصلات ، ثم كلمة علي باشا إبراهيم رئيس لجنة البرامج ، ثم معزوفة موسيقية للمونولوج محمد عبد القدوس ، تبعها فقرة غنائية بين مدحت عاصم وأم كلثوم وفتحية أحمد ومحمد عبد الوهاب
الموقف الذي أبكى فاروق حزنا من الشيخ رفعت وإعجابا بزهده
الشيخ محمد رفعت - الملك فاروق
في حوار للسيدة هناء رفعت ، حفيدة الشيخ محمد رفعت ، ذكرت أن جدها أبكى الملك فاروق حزنا وإعجابا ، فقد طلب الملك فاروق من الشيخ محمد رفعت ، أن يقوم بإحياء ذكرى رحيل والده الملك فؤاد وذلك في احتفالية خاصة بقصر عابدين ، يحضرها رموز السياسة من الساسة في مصر وخارجها، وتوجه الشيخ للملك فاروق ، واعتذر له متعللا بأنه لا يحب التقرب من أهل السياسة ولا الحديث فيها ، مشيرا إلى أنه يرحب بأن يقوم بإحياء ذكرى الملك فؤاد ولكن على مستوى أسرته ، فحزن الملك فاروق لدرجة البكاء ، لعلمه بتعلق والده المرحوم بصوت الشيخ رفعت ، لكنه بكى إعجابا به ، عندما علم أنه في نفس اليوم الذي رفض فيه الشيخ رفعت التلاوة أمام أهل السياسة ، كان يقوم بإحياء ليلة حفل طهور ابن جارة للشيخ محمد رفعت في المغربلين ، ولا يمتلك ذلك الرجل أجر الشيخ ، فرحب الشيخ على الفور
الزغطة تنهي مسيرة الشيخ الصوتية وفاروق يتدخل
الزغطة تنهي مسيرة الشيخ الصوتية وفاروق يتدخل
الشيخ محمد رفعت في أواخر أيامه
بقدر ما تتحلى به سيرة الشيخ محمد رفعت ، من مواقف وجماليات ، إلا أن الشيخ كانت نهاية مسيرته صعبة فقد أصيب الشيخ محمد رفعت في عام 1943م بمرض سرطان الحنجرة الذي كان معروفاً وقتئذ "بمرض الزغطة" وتوقف عن القراءة وعلى الرغم من أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج إلا أنه اعتذر عن قبول أي مدد أو عون ألح به عليه الملك فاروق من أجل علاجه قائلا قولته الشهيرة "إن قارئ القرآن لا يهان" ، وظل الشيخ في بيته يقيم الليل والنهار مصليا وداعيا إلى الله طالبا الرحمة وشاكرا لفضله وظل الشيخ محمد رفعت هكذا ، بعيدا عن القراءة بصوته ، إلى أن فارق الشيخ الحياة في 9 مايو عام 1950م.