عززت القاهرة موقع أهميتها لدى شركائنا الأوروبيين خلال الشهور الأخيرة، فقد كانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى فيينا هي تعبير عن ذروة هذه العلاقات المتجددة، والتي وصلت خلال السنوات الأخيرة بفضل السياسة الخارجية المتزنة للرئيس السيسي إلى مستويات غير مسبوقة وخاصة مع الجار الأوروبي.
لقد تزامنت زيارة رئيس مصر التي تتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي خلال 2019 إلى النمسا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، مع انعقاد الدورة الثامنة لمجلس الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، في عاصمة الاتحاد مدينة بروكسيل، برئاسة وزير الخارجية سامح شكري وفيدريكا موجيريني نائبة رئيس المفوضية الأوروبية والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية، حيث أظهر الحوار السياسي بين مصر والاتحاد الاوروبي مكانة القاهرة كركيزة أساسية للاستقرار الاقليمي والأمن والسلام في الشرق الأوسط وجنوب البحر المتوسط وإفريقيا.
إن هذا الزخم المتنامي في العلاقات المصرية-الأوروبية يمثل ضمانة لنجاح أول قمة عربية-أوروبية في فبراير المقبل في القاهرة، ولا شك أنه على الرغم مما يواجهه الاتحاد الاوروبي من صعوبات حالية مثل الانسحاب البريطاني منه، إلا ان أهميته كلاعب دولي تتصاعد في ظل الاتجاه الانسحابي في السياسة الأمريكية، والذي بات واضحا مع القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب العسكري من سوريا، وتصلب موقفه المنحاز بالكامل للإسرائيليين، في حين يبقى الموقف الأوروبي الداعم لحل الدولتين هو أكثر المواقف الدولية استقرارا ودعما للقضية الفلسطينية في الوقت الراهن، كما ان الاهتمام الأوروبي بإقامة تكتل أوروبي أفريقي لمواجهة الارهاب والهجرة غير الشرعية يعد مجالا واسعا للتعاون الأمني بين الجانبين، جنبا إلى جنب مع أهمية التحالف المصري الأوروبي في مجال الغاز في شرق المتوسط، حيث تسعى مصر إلى التحول إلى مركز إقليمي للطاقة.
لعل أول نشاط قام به الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد عودته من النمسا، كان له دلالة قوية حول أهمية النجاح في معركة التنمية كمفتاح للشراكة مع أوروبا، وهو ما أكدته المباحثات الهامة التي جرت في فيينا وبروكسل، فالرئيس السيسي الذي تزينت فعاليات الزيارة الأخيرة بصوره إلى جوار قادة من أوروبا وإفريقيا خلال المنتدى الأوروبي الأفريقي رفيع المستوى، ظهر فور عودته إلى مصر إلى جوار أبناءه من بناة مصر الحديثة من العمال والمهندسين بمنطقة المشروع التنموي العملاق بهضبة الجلالة، فقد باتت أوروبا والشركاء الدوليين يقدمون مصر للقارة الإفريقية كنموذج يحتذى به للتعاون والشراكة من أجل التنمية والاستقرار، وهو الموقع الذي تدرك مصر جيدا أهمية الاضطلاع بالمسؤوليات التي يفرضها عليها، إيمانا منها بأن إفريقيا هي قارة المستقبل، فضلا عن التزاماتها كدولة مسؤولة، حيث "تعد منارةً للتنوير والتحديث في المنطقة، وذلك في وقت تعلو فيه أصوات التطرف والأفكار اليمينية المتطرفة والشعوبية في منطقة المتوسط على حساب أصوات الاعتدال والتسامح"، بحسب تعبير وزير الخارجية المصري خلال لقاءه نائبة رئيس المفوضية الأوروبية اليوم.
من المفيد أن يهتم الاعلام وقادة الرأي، فضلا عن المسؤولين، بكافة مجالات التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي، فالأمر لا يقتصر كما يبدو في حديث البعض على مسألة الهجرة غير الشرعية ومعالجة مشكلات اللجوء ومكافحة الاتجار في البشر، بل تتسع هذه الشراكة لتشمل أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز آليات الإدارة والحكم الرشيد وسيادة القانون والأمن ومكافحة الارهاب والتنسيق والتشاور في القضايا الإقليمية والدولية، كما أن إقرار لإنشاء مركز طاقة إقليمي في مصر، يمثل دعما أساسيا لطموحنا الاقليمي المستحق في هذا المجال، فضلا عن أهميته في مواجهة الاستفزازات من بعض جيران السوء في شرق المتوسط، الذين لا يريدون لمصر استقرارا ولا ازدهارا.