امسك إشاعة| القضاء رمز الظلم في مصر والدليل سجن النبي يوسف
السبت 23/فبراير/2019 - 09:00 ص
وسيم عفيفي
طباعة
ردد كثيرون من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قصة سجن النبي يوسف لإثبات أن القضاء رمز الظلم في مصر، وذلك عقب تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهمين في قضية اغتيال النائب العام.
القضاء رمز الظلم في مصر.. أصل الشائعة
القضاء رمز الظلم في مصر.. أصل الشائعة
منشور سجن النبي يوسف
أخذ كثيرون من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي جملة الإخواني عبدالحميد كشك ـ أحد أبرز الرموز الذين اعتمدوا على الصراخ وساهموا في تسطيح الخطاب الديني ـ، شأن الظلم في مصر، حيث قال خلال خطبةٍ له «تسعة أعشار الظلم في مصر والعشر الأخير يجوب العالم نهارا ويبيت ليلته في مصر»؛ ثم ردد الكثيرون منشورًا عبر الفيس بوك من قصة سجن النبي يوسف، ويقول نصه «السجن الوحيد الذي ذكر في القرآن كان في مصر، والغريب أن المتهم بريء، والأغرب أن القاضي يعلم أنه بريء».
حقيقة الشائعة والإسقاط السياسي
آية سجن النبي يوسف
الاستدلال بقصة سجن النبي يوسف لإثبات الظلم في مصر عبر المنشور المتداول على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فيه كمية من الأخطاء التاريخية التي تثبت خطأ هذه الشائعة.
اعتبار أن مصر هي المقصودة بالظالم في منشور سجن النبي يوسف، نظرة خاطئة، كون أن مصر هي البلد الموصوفة في سورة يوسف بأنها خزائن الأرض وكانت مسرحًا لإنصاف النبي يوسف وتولي أمرها فضلا عن عودته إلى والده النبي يعقوب؛ وبالتالي فإن جعل السجن ملتصقًا بها ليس سُبَّة.
على نفس السياق، فاعتبار أن القضاء نفسه هو الظالم في قصة سجن النبي يوسف، يكون خاطئًا، حيث أنه في زمن سجن النبي يوسف لم يكن هناك قضاء أو قضاة، ويدلل على ذلك ضمير الهاء في قول الله تعالى « ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ»، كون أن الهاء تعود إلى آل عزيز مصر وتحديدًا العزيز نفسه.
ويقول المفسر الطبري في شرح هذه المسألة خلال تفسيره «القول في تأويل قوله تعالى ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه؛ وقيل: " بدا لهم " ،، وهو واحد، لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه، وذلك نظير قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، [سورة آل عمران: 173]، وقيل: إن قائل ذلك كان واحدًا.
وبالنظر إلى تاريخ مصر القديم عن أحوال القضاء، فإن استقرار نظام الأحكام، كان في عصر الدولة الحديثة أي من بعد طرد الهكسوس، وبالرجوع لأقوال المؤرخين نفسهم فلا يوجد اتفاق حوال زمن النبي يوسف، فهناك من يرى بيقول أنه من عصر زوسر، ورأي يقول أنه أيام الهكسوس، ثم صار الملك في عصر الدولة الحديثة، وفي كِلا الحالتين فلم يكن هناك نظام قضائي، وكان الذي يصدر الحكم هو «الملك» إن كان الموضوع متعلق بقصره.
إسقاطات التاريخ الديني ليست الأولى
أستار الكعبة
لم تكن واقعة سجن النبي يوسف هي الأولى من حيث المتاجرة بالدين والتاريخ الإسلامي، فقد كان آخر تلك الأشكال من الشائعات، ما ألمح له رموز الإخوان أن انكشاف أستار الكعبة دليل على زوال السلطة عن الحكام، ويقصدون بذلك السيسي وآل سعود.
والرد على ذلك أنه لا علاقة تاريخيًا بزوال الحكم عن الملوك حين تنكشف الكعبة، فهناك خلفاء شربوا الخمر عند الكعبة واستمروا في الحكم حتى ماتوا وهناك من ضربها واستباح حرمها وحرق أستارها ولم يزول حكمه، بينما على العكس هناك من اهتم بها من الخلفاء والصحابة وقُتِلوا وماتوا في حوادث اغتيالات سياسية في قلب الكعبة، مثل عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير.
واستدل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك بما قاله بن كثير في كتابه البداية والنهاية لحوادث سنة 644 هجرية حيث قال "هبت رياح عاصفة شديدة بمكة في يوم الثلاثاء من عشر ربيع الآخر، فألقت ستارة الكعبة المشرفة، وكانت قد عتقت، فإنها من سنة أربعين لم تجدد لعدم الحج في تلك السنين من ناحية الخليفة، فما سكنت الريح إلا والكعبة عريانة قد زال عنها شعار السواد، وكان هذا فألا على زوال دولة بني العباس، ومنذرا بما سيقع بعد هذا من كائنة التتار لعنهم الله تعالى.
إقرأ أيضا :ـ "شائعات الفيس بوك" .. أم السيسي يهودية وموشيه ديان كان جاراً للرئيس عبدالناصر
فاستأذن نائب اليمن عمر بن سول شيخ الحرم العفيف بن منعة في أن يكسو الكعبة، فقال: لا يكون هذا إلا من مال الخليفة، ولم يكن عنده مال فاقترض ثلاثمائة دينار واشترى ثياب قطن وصبغها سوادا وركب عليها طرازاتها العتيقة وكسى بها الكعبة ومكثت الكعبة ليس عليها كسوة إحدى وعشرين ليلة".
فاستأذن نائب اليمن عمر بن سول شيخ الحرم العفيف بن منعة في أن يكسو الكعبة، فقال: لا يكون هذا إلا من مال الخليفة، ولم يكن عنده مال فاقترض ثلاثمائة دينار واشترى ثياب قطن وصبغها سوادا وركب عليها طرازاتها العتيقة وكسى بها الكعبة ومكثت الكعبة ليس عليها كسوة إحدى وعشرين ليلة".
والرد على ذلك أنه لا علاقة تاريخيًا بزوال الحكم عن الملوك حين تنكشف الكعبة، فهناك خلفاء شربوا الخمر عند الكعبة واستمروا في الحكم حتى ماتوا وهناك من ضربها واستباح حرمها وحرق أستارها ولم يزول حكمه، بينما على العكس هناك من اهتم بها من الخلفاء والصحابة وقُتِلوا وماتوا في حوادث اغتيالات سياسية في قلب الكعبة، مثل عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير.