كانوا يسيرون لا يلوون على شيء.. ليس في تفكيرهم أي شيء سوى مصالحهم التي كانوا ذاهبون لركوب القطار لأجلها.. ثم فجأة؛ انقلب كل شيء من حولهم.. الموتى توقَّف بهم الزمن، بينما المصابون؛ تبدَّلت حياتهم إلى الأبد.. فحتى مَن نجا منهم من الموت، وعرف أن إصاباته قابلة للشفاء؛ فإنه لن يعود كما كان نفسيًّا أبدًا..
يلخِّص هذا المشهد حال عشرات المواطنين المصريين الذين داهمهم الموت من خلفٍ وهم لا يشعرون، على الرصيف 6 في محطة سكك حديد مصر، صباح اليوم الأربعاء، 27 فبراير 2019م.
دائمًا ما يرتبط قطار الصعيد بالمآسي والكوارث الإنسانية لدى المجتمع المصري.. بل إن عبارة "قطار الصعيد" أصبحت علمًا في حد ذاتها، بعد كارثة العياط التي وقعت في العشرين من فبراير من العام 2002م، والتي أسفرت عن مئات الضحايا.. بين 350 قالتها الحكومة.. إلى ألفين وأكثر كما قال شهود الموقف..
اليوم.. نفس الموقف تكرر.. خط الصعيد؛ حيث يقف أو يسير المواطنون، وفجأة تتناثر النيران من حولهم.. أمطار من النيران تساقطت فوق رؤوس المواطنين فتقتلهم أو تصيبهم، عندما اصطدم جرار وردية رقم (2302) على رصيف رقم 6 بمحطة مصر، بالصدَّادة الحديدية للرصيف، قبل أن تصيبهم شظايا ارتطام الجرار ذاته..
السبب الذي تُظهِرُه الصور والمقاطع المصوَّرة الأولى للحادث، لزيادة عدد الوفيات، هو أن خزان الوقود في الجرار، قد اصطدم صدمة قوية أدت إلى اندفاع الوقود منه، وتناثره على مساحة واسعة، ثم أدت بعض شرارات الاصطدام، إلى تحول رذاذ الوقود المتناثر إلى أمطار الموت التي حصدت أرواح العشرات!
وبعيدًا عن هذه الصورة الإنسانية المؤلمة؛ يُعتَبر قطاع السكك الحديدية من أكثر المرافق معاناةً للمشاكل الفنية والإدارية في مصر، وقاد ذلك إلى تحوله إلى أحد أكبر أسباب الوفيات في البلاد، وتحويل مصر إلى واحدة من أكبر بلدان العالم في وقوع حوادث القطارات.
وشهد العام 2018م، أربعة حوادث قطارات كبرى، أولها كان حادث البحيرة، في الثامن والعشرين من فبراير، وحادث قليوب، في العاشر من أبريل، وحادث قطار أسوان في محطة مصر، في منتصف يونيو، ووحادث البدرشين، في منتصف يوليو التالي، وسقط فيها مئات الوفيات والمصابين.
وفي هذا الإطار؛ فإن الدولة سعت خلال السنوات الماضية إلى إصلاح هذا المرفق الحيوي الذي يخدم عشرات الملايين من المواطنين سنويًّا، ويربط أطراف الدولة بالكامل مع بعضها البعض.
وقامت الحكومات المصرية المتعاقبة بعدد من الإجراءات في هذا الصدد، مثل "أتمتة" المزلقانات، وتأمينها، ورفد هيئة سكك حديد مصر بالمزيد من القطارات والعربات الحديثة، وتحديث القديم الموجود، وتحديث المحطات، وكذلك الخطوط، وتوسيع نطاق تقديم خدمات النقل الحديدي، سواء من خلال الفئات المختلفة، أو إدخال نوعيات جديدة من القطارات على الخدمة، من أجل دعم موارد الهيئة المالية.
وبحسب موقع الهيئة القومية لسكك حديد مصر؛ تمتلك مصر التي لديها ثاني أقدم سكك حديد في العالم، خطوطًا حديدية بطول 9 آلاف و570 كيلومترًا، تمُر بـ705 محطات ركاب، و1330 مزلقانًا، و3500 آلاف عربة ركاب، و10 آلاف عربة بضائع، و800 جرار.
وفي اليوم الواحد، هناك 920 رحلة، تنقل حوالي 1.4 مليون راكب، أما في العام الواحد؛ فتشير إحصاءات الهيئة إلى أن القطارات المصرية إلى أن قطاراتها تنقل 500 مليون راكب سنويًّا، و6 ملايين طن سنويًّا.
وفي العام 2017م، تم طرح مشروع لإعادة هيكلة الهيئة القومية لسكك حديد مصر بالكامل، لتحسين خدمات السكة الحديد، وضمان سلامتها بالأساس، من خلال قيام الهيئة بالاستثمار في تحديث نظم إشارات وتجديد خطوط السكك الحديدية، وتحديث ممارسات الإدارة والتشغيل لديها، بتمويل من "البنك الدولي".
وبحسب الموقع العربي للبنك على شبكة الإنترنت، فإن هناك ثلاثة مكونات لهذا المشروع؛ الأول هو تحديث نظم الإشارات، ويُموِّل هذا المكون تحديث نظم الإشارات، مع نظام مراقبة حركة آلي باستخدام الكمبيوتر، على خطَّيِّ "الرمل - الإسكندرية"، و"القاهرة - بنها".
أما المكون الثاني لهذا المشروع، فهو تجديد خطوط السكك الحديدية، ويُموِّل هذا المكوّن أعمال تجديد خطوط السكك الحديدية ذات الأولوية بطول 200 كيلومتر في خط "القاهرة - أسوان" (149 كيلومترا على أربعة أقسام من الخط)، وخط "بنها - بورسعيد"، والإشراف على هذه الأعمال.
أما المُكوِّن الثالث والأخير لهذا المشروع، فهو تحديث ممارسات الإدارة والتشغيل في هيئة سكك حديد مصر.