شهدت مصر في السنوات التي تلت حالة الفوضى والضبابية التي ضربت بأطنابها أركان مجتمعنا بعد أحداث يناير وفبراير 2011م، والسيولة الإعلامية والمجتمعية التي وقعت؛ شهدت الكثير من الظواهر السلبية المدمِّرة لأي مجتمع.
ومن بين أسوأ وأكثر هذه الظواهر تلوُّثًا وفسادًا من مختلف الجوانب والزوايا، هي ظاهرة اللجان الإليكترونية التي ابتدعتها جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة من أجل تحقيق منظومة من المستهدفات السوداء في مجتمعنا.
ولعل أهم ما تطرحه هذه الظاهرة، هو قضية شعار "شرع الله" المقدَّس الذي دأبت الجماعة على التستُّر خلفه لأجل ارتكاب جرائمها، وتغليفها بثوب القداسة الدينية، من أجل حشد قطعان الأتباع، الذين لا يتفكَّرون خلف مخططات ومرامي قياداتهم الخبيثة التي ما فتئت تخدم مخططات الدول الاستعمارية التي أسست في الأصل ظاهرة ما يسمَّى زورًا بالحركات الإسلامية، من أجل تفتيت الدول المركزية، وإضعاف المجتمعات، وإدخالها في آتون صراعات داخلية، تضعفها، وتخرجها من السباق الحضاري.
وتضمن هذه الدول، وعلى رأسها بلدان التحالف الأنجلو ساكسوني، وفيه الولايات المتحدة وبريطانيا، بهذه الإستراتيجية، ألا تواجه ممانعة أو قوة أخرى تنازعها في سباقها لأن تكون هي القوة الأكبر المسيطرة على العالم؛ سياسةً واقتصادًا، والهيمنة على موارده وأسواقه على وجه الخصوص.
وهي سياسة تُعتبر امتدادًا لسياسات أخرى قديمة للاستعمار، لم تعد صالحة بعد مطلع القرن العشرين، في ظل تطورات سياسية واجتماعية وتقنية مرَّت بها البشرية.
فبدأت القوى الاستعمارية في التفكير أسس جديدة لتحقيق أهدافها، فكان منها تقسيم هذه المجتمعات من خلال إدخالها في آتون صراعات داخلية.
وليس هناك مثل الدين أداة فعالة في الحشد والتعبئة في هذا الصدد.
تقول الجماعة الإرهابية، إنها تعمل بموجب شرع الله تعالى، وترفع دائمًا شعارات مثل "هي لله"، و"كله بموجب شرع الهت"، بينما هذا قمة في الإجرام، لأن فيه توظيفًا للشعار الديني في أمور ينكرها الإسلام.
والمتأمِّل في نشاط اللجان الإليكترونية، الذي يُعتبر امتدادًا لنشاط كيان تنظيمي مهم داخل الجماعة الإرهابية، وضمن قسمها السياسي، وهو: اللجنة الإعلامية المركزية، التي كان بها خمسة أقسام فرعية، هي: قسم الإنترنت والوسائط الرقمية، وقسم التصوير الفوتوغرافي، وقسم الإنتاج التليفزيوني والفني، وقسم المحافظات، الذي يتولى نشاط اللجنة الإعلامية الفرعية في المستويات الإدارية المختلفة داخل التنظيم؛ الشُّعَب والقطاعات، وغير ذلك، بالإضافة إلى قسم العمل الصحفي.
تبلورت هذه اللجان في أكثر من إطار منظَّم قبل 25 يناير 2011م، وكان أهمها شبكة "رصد"، التي فرَّخت مجموعة من أسوأ الصحفيين والفنيين الذين تفرَّعوا بعد ذلك، وشكَّلوا مع غيرهم، القنوات الفضائية والمنصات الإليكترونية الإخوانية التي تبث سمومها.
والغرابة أن ما يسمَّى باتحاد علماء المسلمين؛ نجده يشرعن الكثير من الجرائم التي تتم، ولا يوجد خلاف لدى أي مسلم، من أي مذهب، على تحريمها.
فنجد أن الكذب لديهم مباح، بالرغم من أن الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، استثناه من أي فعلٍ يقوم به المسلم، ويظل بعده مسلمًا.
وبنفس المنطق، استحلُّوا تضليل الناس، وتبرير جرائم قياداتهم، وجرائم الأنظمة التي تدعمهم، مثلما يفعلون مع المجرم التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أزقت قواته في "عفرين" آلاف الأنفس، ولم تجد أي صنمٍ منهم، ومن عمائم الضلال التي تدعمهم، قد حرَّك أي ساكن!
يتهمون الدولة والقوات المسلحة كذبًا، بتهجير أهالي شمال سيناء لأجل خرافات مشروع القرن، بينما، وباعتراف الأمريكيين أنفسهم، لم يفشله سوى الجيش المصري، بينما "حماس" هي التي تعاونت لتنفيذه مع جماعة الإخوان، وقت حكم محمد مرسي، من خلال مسارَيْن أساسيَّيْن؛ الأول، من خلال التفجيرات والقتل لتفريغ المنطقة، وإنهاء وجود سلطة الدولة الإدارية والأمنية في المنطقة المستهدفة، عند المثلث الحدودي مع قطاع غزة، والثاني، طرح مشروع منطقة التجارة الحرة التي تضم هذا المثلث إلى قطاع غزة.
فيما - في المقابل - ينافقون سلطانهم القاتل، في تهجيره - الحقيقي هذه المرة - للأكراد، من "عفرين"، ومن داخل مناطقهم في تركيا نفسها، في ديار بكر وغيرها!
هذا التناقض، يرقى لدرجة النفاق، بينما تجد العمائم والأبواق، تبرر!
الخطيئة الأخرى التي ترتكبها هذه اللجان، من خلال قرود إعلام الإخوان في تركيا وقطر، ومواخير لندن التي يشرف عليها عرَّاب الفوضى الأول، الصهيوني، عزمي بشارة، هو التحريض على العنف، وعلى سفك الدماء، وعلى التفجير، ليس لأجل عداوة حتى مع النظام الحالي في مصر، والذي نجح مع جماهير الشعب المصري في استئصال شأفة الضالين المضلين من الوطن، وإنما لأجل تخريب مصر، وإسقاط الدولة.
فقضية إسقاط الدولة في حروب الجيلَيْن الرابع والخامس، إنما تتم من خلال مثل هذه الجماعات الهدَّامة، التي تُعتبر جماعة الإخوان أساسها، بحيث تقوم بما يؤدي إلى إنهاء وجود مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وبالتالي، إسقاط مؤسسات وكيان الدولة بالكامل، ومنع نهوضها مجددًا، من خلال إدخال فئات المجتمع في صراعات بينية، وفي صراعات مع الدولة الهشَّة التي سوف تتبقى بعد كل ذلك الخراب.
والأدلة على تعاون تركيا مع تنظيم "داعش" واضحة ومعروفة، بل إن تأسيس "داعش" وتنشيط دور هذا التنظيم المجرم في سوريا، وفي المنطقة، تمت مناقشته في منزل أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي الأسبق، والذي يُعتبر عرَّاب سياسات التوسع التركية في الظهير الحيوي لتركيا في وسط آسيا والشرق الأوسط وشرق أوروبا.
....
إذًا، نحن نقف أمام ظاهرة هي من أخطر ما يمكن، وعلى المواطن والدولة والمجتمع أهم الواجبات في التصدي لها، من خلال مسارات عديدة ترفع وعي الناس، بما هو مستهدَف من هذه الحملات التخريبية، وصناعة وعي جديد من خلال كشف الأكاذيب، ونشرها على أوسع نطاق.
إلا أن ذلك لن يتحقق، إلا من خلال شفافية كاملة من مؤسسات الدولة مع المواطن، تمنع شيطان الفتنة هذا من أن يطل بقرنَيْه بين ظهرانينا.
ولعل الفترة الأخيرة شهدت بالفعل معالم إصرار واضح من جانب الدولة على ذلك، وبات وعي المواطن يتشكَّل تدريجيًّا بأنه كان خاضعًا لحالة من "غسيل المخ" لم يسبق لها مثيل في التاريخ!
-----------------------------
مدير عام التحرير في "بوابة المواطن" الإخبارية