مجدي الجابري أحد أبرز الأسماء في جيل الثمانينات في تاريخ الشعر المصري، منحه هذه المكانة ديوانه الأبرز "الحياة مش بروفة"، ولكن لن أتحدث عن مجدي الجابري الشاعر بل سأتناول جانبًا آخر قد لا يعرفه البعض عن الراحل.

لم يكن الجابري شاعرًا فقط بل كان فيسلسوفًا صاحب موقف تجاه كل الأشياء من حوله، وإن لم يظهر ذلك واضحًا خلال قصائده التي كتبها بين التفعيلة والنثر وبين الفصحى والعامية، ولكن تجد هذا الجانب الفلسفي حاضرًا وبقوة خلال رسائله التي كتبها بالعربية الفصحى إلى زوجته الكتابة صفاء عبد المنعم.

لم تكن رسائل الجابري إلى حبيبته من نوع الرسائل الغرامية التي تشيع فيها مشاعر الحب والعاطفة التي تجيش بها النفس فقط، ولكن هي عبارة عن رسائل قدم خلالها جانبًا من أفكاره ورؤاه الفلسفية.

عندما تقرأ رسائله تجد أنك أمام كاتب لديه ما هو أكبر وأجود من الشعر، فهو صاحب موقف فلسفي تجاه الحب وهو أيضا عاشق جميل يفيض رقة وعذوبة، تمتليء رسائله بالكثير من المعاني الفلسفية المتاسمية والتي تبحث عن معنى ذلك الحب وأهميته، ويقدم رؤية أكثر عمقًا للحب وللأنثى ممثلة في "صافي" كما سماها في رسائله، يتعامل مع حالة العشق وكأن مشاعره كائن حي، فكأن العلاقة أصبحت ثلاثية بين عاشق ومعشوقة وعشق.

"أحبك.. ليس فراشات تحترق.. لأننا لسنا قرابين لشيء.. وأني أحبك كونًا يتخلق نطفة تحوي الأرض والسماء.. ولا يحتويها لا أرض ولا سماء لا يحاويها إلا أنا أول المبعوثين من رماد الأزمنة.."

كتابات ممتعة تمتزج بين العاطفة والحب والمشاعر النبيلة وبين الرؤية العقلية الناضجة، وكأنه ألبس قلبه عقلًا مفكرًا مستنيرًا، أو ألبس عقله قلبًا محبًا عطوفًا، يجد القارئ نفسه يبحر معه في بحر من المتعة والجمال؛ فتقف حائرًا بين أمرين:
الأمر الأول رسائل فلسفية لشاعر ومفكر دَوَّن خلالها رؤيته لذاته وللحب ولحبيبته وللواقع ومتغيراته، مثل أي فيلسوف.