دكتورة رشا أبوشقرة: مدرس بكلية الدراسات الأفريقية العليا- جامعة القاهرة
لم يكن مفاجئ بأي حال من الأحوال لأي مراقب للمشهد السوداني، أن يخرج علينا ظهيرة اليوم وزير الدفاع السوداني ويعلن إقالة الرئيس عمر البشير، خاصة في ظل الظروف الإقتصادية الخانقة التي خرج على إثرها الجماهير الغفيرة في كل السودان تقريبًا، ولمدة قاربت الأربعة أشهر، لكــن؛ لا يبدو أن هذا الإعلان هو نهاية المطاف في الحالة السودانية، خاصة وأن بعض الجهات المشاركة والمنظمة لحراك الجماهير في الشارع السوداني المنتفض- إثر الأزمة الإقتصادية سالفة الذكر- كانت تطلعاته قد تجاوزت الحل الإقتصادي، مطالبة بحل سياسي جذري للأزمة، محملة النظام السياسي الحاكم ذو الصبغة الإسلامية متمثلة في جبهة الانقاذ وحزبها المعروف بالمؤتمر الوطنى، أو ما يعرف بالايديولوجيا الاسلام السياسي" نظام الاخوان المسلمون" محمله اياه تاريخيًا الأزمة، وعزل السودان دوليًا وإرهاق مقدراته في حروب أهلية داخلية جعلت رأسه عمر البشير مطلوب للمحاكمة في المحكمة الدولية، هذا فضلا عن عزل السودان ووقوعه تحت طائلة الحظر الإقتصادي عالميًا.
من جهة أخري، وفي حال رفض الشارع السياسي هذه القرارات التي اتخدها مجلس الأمن الوطني السوداني من مرحلة انتقالية تمتد لعامين، وبعدها إنتقال للسلطة عبر صناديق الإقتراع، ربما تتشابك المصالح المتعارضة في الداخل السوداني إلى حد الإقتتال والحرب الأهلية، فلا يمكن إنكار أو إغفال وجود حركات مسلحة تلعب دور هامًا ووجود حقيقي في الأقاليم السودانية، فهي ليست حاضرة فقط في ولايات دارفور، بل ممتدة إلى قطاعات أخري منها ولايات كردفان وولاية النيل الأزرق، بمعني أنها تشمل غرب وجنوب السودان، وهي وإن لم تكن قد أظهرت إلا الترقب والإحتياط في الأربعة أشهر الماضية، ولا شك ربما قد تنخرط في حالة الرفض من الشارع السوداني، رغم ما جاء في البيان الذي تلاه اليوم وزير الدفاع من وقف الصراع والاحتراب في الأقاليم، فليس هناك أي ضامن أن يبقوا بعيدًا عن المشهد، خاصة إذا ما حدثت حالات من العنف المتبادل بين قوات الأمن المتنوعة في السودان والحراك الجماهيري، في ظل وجود قوات أمنية عسكرية من تراث فترة حكم البشير لها صبغة ايديولوجية ومعبئةٌ بعقيدة الإسلام السياسي.
ويبدو لي أن أكثر السنياريوهات مناسبة للمشهد والواقع السوداني هو قبول ما طرحه اليوم البيان، ليجنب السودان مآلات لا يحمد عقباها، خاصة وأن المكون الهوياتي السوداني بالغ التعقيد، في ضوء التنوع الإثني الذي لم يستثمر في السودان منذ لحظة استقلاله وبناء السودان الحديث، فذكري انفصال الجنوب وإعلان جوبا عاصمة لدولة جنوب السودان قابعة لليوم، خاصة وأنها مؤسسة على صراع اثني في المقام الأول وايديولوجي كذلك؛ لربما يستعاد هذا المعني في ظل تجاذبات الخطابات داخل السودان، ما بين اثنيات معبئة تاريخيًا بتاريخ من الحرب والاقتتال، هذا ناهيك أن مسألة تعيين الهوية السودانية نفسها، محل خلاف واضح، سواء ايديولوجية دينية متمثلة بالإسلام السياسي الذي طرحة الاخوان المسلمين، أو ايديولوجيا اثنية عربية وفي المقابل افريقانية تمثله الإثنيات الأصلية افريقية الأصل، ربما في حالة استمرار الحراك الشعبي ومع غياب واضح للأحزاب والنقابات السودانية- وهو غياب مسؤول عنه نظام البشير بشكل حصري- ومن ثم غياب دورها في الشارع المحتج في السودان، وهذا الغياب صاحبه بكل الطبع غياب أي وضوح للرؤية أو تكهن بمستقبل السودان القريب، خاصة وأن سبب الأزمة الحقيقي اقتصادي، فليس بالامكان التعجل والقول بان غياب البشير سوف يحسن الوضع الاقتصادي بل على العكس، ربما تستمر الأزمة لفترة لايمكن التقليل من ثقل أمدها على السودان.
في الأخير لا يسعنا إلا الترقب والأمل بانفراجة لشعب تربطنا به علاقات حقيقية وراسخة تاريخيًا وضرورية وفق المصالح المشتركة والمتكافئة، راجين من الله السلامة لأهلة المسالمين.