«رشيقة مُبتهجة».. المرأة الأسيوطية على جدران المقابر
الثلاثاء 07/مايو/2019 - 10:37 م
فيبي مدحت
طباعة
تعودنا وجود حاكم إقليم بأسيوط.. ولكن السؤال هل هناك حاكمة لإقليم المحافظة؟ على غرار وجود ملكات قويات في مصر القديمة؛ «بوابة المواطن» تلقي الضوء على مكانة المرأة الأسيوطية قديما من خلال تصويرها على جدران مقابر أقاليم أسيوط قديما في التقرير التالي:
المرأة الأسيوطية
يقول سمير عبد التواب، باحث دكتوراه في الآثار المصرية، ومدير إدارة الوعي الأثري بأسيوط، وعضو الأتحاد للآثاريين العرب، إن العالم بأكمله يحتفل بيوم المرأة العالمي في شهر مارس من كل عام لما للمرأة من أهمية كبيرة، وخاصة هى ليست فقط نصف المجتمع كما يقولون بل ويعتمد عليها النصف الآخر من المجتمع في حياته ومشاركتها له في كل شئون الحياة، ولذلك يجب تناول المرأة الأسيوطية قديما شريكة الرجل في الحياة الدنيوية والدينية والتي عاشت في أقاليم أسيوط المختلفة منذ آلاف السنين، وذلك من خلال تصورها في المقابر بأسيوط.
الحكيم بتاح
يشير مدير إدارة الوعي الأثري بأسيوط إلى أن تحدث الحكيم بتاح حتى منذ حوالي عام ٢٤٠٠ «ق.م» عن المرأة قائلاً: «إذا أردت الحكمة فأحب شريكة حياتك، اعتن بها.. ترعى بيتك، أطعمها كما ينبغي، اكس ظهرها واستر عليها، عانقها وأوفي لها طلباتها، يفتح لها ذراعيك، وادعوها لإظهار حبك لها.. اشرح صدرها وادخل السعادة إلى قلبها بطول حياتها، فهي حقل طيب لسيدها وإياك أن تقسو عليها فان القسوة خراب للبيت الذى أسسته.. فهو بيت حياتك لقد اخترتها أمام الله فأنت مسئول عنها أمان الأله حافظ عليها ما دمت حيا، فهى هبة الآلهة، التي استجابت لدعائك، فأنعمت بها عليك وعليك تقديس النعمة إرضاء الآلهة حس بآلامها قبل ان تتأليم.. انها أم أولادك، إذا أسعدتها أسعدتهم، وفي رعايتها رعايتهم، أنها أمانة في يدك وقلبك، فأنت المسئول عنها أمام الإله الأعظم الذي أقسمت في محرابة أن تكون لها أخا وأبا وشريكا لحياتها».
المرأة المصرية داخل المقابر
ويوضح مدير الإدارة أن المرأة المصرية الباسلة شغلت مناصب كثيرة كملكة تنهض بالبلاد، وحاكمة، وطبيبة، وقاضية، وشاعرة، ومُنشدة وكاهنة، مشيرا إلى أن حظيت المرأة في مصر القديمة على مكانة رفيعة وارتقت إلى حد التقديس والتبجيل كربات تقام لها المعابد وتُجرى لها الصلوات والطقوس، وتلعب دورًا مميزًا في الديانة المصرية القديمة، منوها بأن كانت المرأة مماثلة للرجل في الحقوق وكان لها أملاكها الخاصة وكانت البنت ترث ما يماثل ما يرثه الابن.
رشيقة مبتهجة ممسكة بزهرة اللوتس
ويؤكد الأثري سمير عبد التواب، أنه قد صورت المرأة الأسيوطية داخل المقابر في أبهي صورة لها فإنها صورت رشيقة مبتهجة ممسكة بزهرة اللوتس في يدها تبدو عليها علامات السعادة والفرحة والود والترابط الأسري صورت بجانب زوجها ومع أولادها، ترتدي أجمل الثياب بأنواعها المختلفة وألوانها الجميلة والتي ربما لا يوجد لها مثيلًا في مناطق أخرى وتتزين والقلادات والأساور الجميلة والأقراط، منوها بأن صورت المرأة ومعها أدوات زينتها من مرآة وصناديق للزينة.
مكانة المرأة
ويتابع مدير الإدارة أن المرأة الأسيوطية كانت ذات مكانة هامة مرموقة لها سلطانها وامتيازاتها وحملت العديد من الألقاب الهامة التي تدل على هذا فنجدها تحمل لقب المعروفة لدى الملك أو أحد أقرباء الملك أو مزينة الملك وهي المختصة بالإشراف على زينة الملك بل وحملت زوجة حاكم الهمامية كاخنت الأول لقب ابنة الملك كما حملت لقب ابنة الحاكم، ودل على أهمية المرأة الأسيوطية بما تحمله من ألقاب توضح هذا تصويرها في مقابر أسيوط مع زوجها بحجم كبير مساوي له تقريبا في العديد من المواضع داخل المقابر فقد كانت ذات أهمية خاصة، فلقد صورت"جحوتي حتب" في مقبرة زوجها أوخ حتب ابن سنبي عدة مرات بحجم مساو لزوجها.
وظهرت مرة تقف متقدمة عليه قليلًا على الحائط الشمالي للمقبرة ممسكة بعصا تنتهي بزهرة اللوتس وهذه العصا تحملها فقط الأميرات والملكات وهذا بالتأكيد يدل علي مكانة هذه المرأة وأهميتها الاجتماعية وتحتوي المقصورة على بئرين إحداهما خاص بصاحب المقبرة والآخر وهو خاص بزوجته. منوها بأن كانت المرأة الأسيوطية قديما تشارك زوجها في الحياة العامة والإشراف كل الأنشطة في الحياة اليومية من زراعة وصناعة وتقديم قرابين بل وتشاركه في رحلاته إلي الصيد سواء صيد السمك أو صيد الطيور مشيرا إلى أن ترى المرأة في مواضع كثيرة تقف مع زوجها علي قارب وهو يصيد الطيور بالعصا المعكوفة «البوميرانج» بل وتتبادل معه أطراف الحديث فتشير بيدها إلي طائر جميل يسمى طائر «الجنو» وتسأل زوجها أن يحضره لها ويجيبها زوجها بأنه يفعل هذا من أجلها كما في مقابر مير بأسيوط.
الأم والزوجة
ويضيف مدير إدارة الوعي الأثري أن كانت المرأة قديما تشارك الرجل في الاستمتاع بالموسيقى والاستماع إلي الفرقة الموسيقية كما هي مصوره على جدران مقابر مير وهي ممسكة بزهرة اللوتس بأحدي يديها وباليد الأخرى تمسك بساق زوجها ناظرة إليه مما يصور ما يحمله المشهد من حب وعطف، وكانت هي فقط من تجلس معه إلي مائدة قرابين وتستقبل معه القرابين بمختلف أنواعها، منوها بأن كانت المرأة الأسيوطية موضع اهتمام وعطف زوجها فلقد كانت يدعوها بزوجته المحبوبة أو قلبه أو المفضلة لديه وكذلك موضع اهتمام أبنائها فقد كان حكام أسيوط قديما يفخرون بأمهاتهم فيسجلوا اسمها ويرسموا صورها علي جدران مقابرهم ويذكروا أنهم مولودين منها فقد ذكر حاكم القوصية كحاكم القوصية سنبي ابن أوخ حتب ابن سنبي صاحب المقبرة رقم «B No.3» في عصر الدولة الوسطي أنه المولود من "جحوتي حتب" بهذا نجد أن يفخر بنسبه إليها لما لها، مؤكدا على أهمية اجتماعية كبيرة حظيت بها، مشيرا إلى أن قام ببي عنخ حر ايب في مقابر مير أيضا بتصوير أمه جالسة أمام مائدة قرابين وأهتم أحد حكام أسيوط قديما في الإقليم الرابع عش «القوصية» بتصوير سلفه القديم ممن ربما كانوا حكاما قبله وصور زوجاتهم أيضًا وهي ما تدعي بقائمة الأسلاف وهي قائمة فريدة في مقابر مير ونادرة ضمت 59 حاكما وزوجته وذكر أسمائهم وقد لقب الرجل بالحاكم والمرأة بزوجته فلولا دورها الهام وأهميتها في إدارة شئون البيت بل ودورها في الحياة السياسية والاجتماعية لما صورها الرجل في مقابره بجواره مثلها مثله في كثير من الأوضاع.
المناصب الكهنوتية
ويلفت مدير الإدارة إلى أن كانت المرأة الأسيوطية قديما موجودة دائمًا بجوار زوجها، فكما يقولون وراء كل عظيم امرأة فلقد كانت المرأة الأسيوطية امرأة عظيمة تقف إلي جوار زوجها وأولادها وتقوم بدورها تماما كما يقوم الرجل بدوره ولهذا تباهي بتصويرها زوجها وأبنائها وحملت من الألقاب ما يدل على هذا.
ويشير عبد التواب إلى أن قد تولت المرأة المناصب الكهنوتية في الإقليم فكانت كاهنة آلهة أسيوط قديما وكانت تشارك زوجها في الاحتفالات الدينية الخاصة بالمعبد والآلهة وكان عدد كبير من النساء في أسيوط قديما يشتركن في المراسم الدينية، وكان لكل معبد فريق من المغنيات كان عليهن أن ينشدن ويغنين ويحركن الصلاصل أو الصاجات أثناء إقامة الشعائر الدينية وحملت كثير منهن لقب العازفة أو الموسيقية للإلهة فقد كان للمرأة الأسيوطية قديما دور هام في الناحية الدينية.
ونوه بأن ليس هذا فقط بل صورت المرأة على درجة مساوية للرجل في القيام بالأعمال المختلفة والأنشطة المتنوعة فهي صورت في مقابر مير خلال عصر الدولة الوسطي لوحدها علي جدران مقبرة «أوخ حتب ابن أوخ حتب وحني حر ايب» صورت دون الرجل تقوم لوحدها بمختلف الأعمال تحمل القرابين وتصيد الأسماك وتشارك في الاحتفالات والطقوس الدينية وهي سابقة ربما لم يحدث لها مثيل فلم يصور رجالا داخل المقبرة الا صاحب المقبرة فقط وهو يشاهد ويشرف عليهن أثناء قيامهن بأعمالهن وارتدين في بعض المناظر ملابس خاصة بالرجال ولم يصور الرجال الا داخل فجوة التمثال فقط أما علي جدرانها فوجدت المرأة فقط، موضحا أن كانت المرأة الأسيوطية قادرة علي القيام بالأعمال الشاقة التي ربما لا تصلح الا للرجال فقط وهذا ما صوره الفنان علي جدران المقبرة.
ويوضح مدير الإدارة إلى أن المرأة في أسيوط قديمًا لم تشارك زوجها في الحياة العامة الاجتماعية والسياسية فقط بل شاركته أيضًا بعد مماته في مقبرته فلقد أعد لها زوجها بئر الدفن لتدفن معه في نفس المقبرة وزخرفة لها وهي عبارة عن حجرة دفنها بالزخارف والنقوش وقوائم القرابين وصنع لها التماثيل وخصص لها الأبواب الوهمية مسجلًا عليها اسمها وألقابها.