اعتدت دائمًا، كمعظم أبناء العائلات المصرية المتمسكة بالعادات والتقاليد أن أجلس أول أيام الشهر الكريم مع أفراد عائلتي على مائدة الإفطار الأولى، إلا أن موقفًا طارئًا منعني هذا العام أن أحضر هذه الطقوس مبكرًا بسبب دواعي العمل، وما إن انتهيت حتى هرولت مسرعًا لكي ألحق ما فاتني من التجمع العائلي لكن ما حدث في طريقي جعلني أعيد حساباتي.
في طريقي إلى المنزل، أسابق الزمن، ومع بعض الزحام في الطرقات، انتابني بعض التأفف، إلا أن عيناني اللتان بدأتا تعملان كعدسات كاميرا عتيقة تعمل بالتصوير البطيء بدأت ترصد ما حولي وكأنني أراه للمرة الأولى.
ما جذب انتباهي وجعل الأمور تمر أمام ناظري وكأنها شريط سينمائي يمر بالتصوير البطيء هذا الرجل الأربعيني الواقف في إشارة المرور لن يذهب إلى بيته لكي يتناول الإفطار الأول مع زوجته وأبناءه، ربما يمر المشهد على الكثيرين مرور الكرام، لكنه استوقفني كثيرًا حتى نسيت كل شيء وبدأت أسرح بخيالي بعيدًا.
هذا الرجل الذي لا أعرف عنه سوى أنه مصري، كم من أمثاله الآن لا يمتلك تلك الرفاهية اليت ألهث أنا وراءها، إنهم في الواقع أكثر مما أتخيل، حتى روحت أتساءل كم من جندي مجهول يضحي براحته وراحة أسرته في مثل هذه الأيام والليالي من أجلي وأجلك.
«السيسي يتناول الإفطار وسط الجنود».. لا أدري لماذا وجدت هذا المشهد يقفز أمام على شاشة الأحداث فجأة، ربما لأنه جعلني أدرك أن ذلك الرجل هو في الحقيقة ليس مجرد رئيس جمهورية اعتيادي، لكنه يحمل «درجة انسان»، أو ربما لأن المشهد يلخص تلك الحيرة التي انتابتني في هذه اللحظات حين أدركت أن الرجل دائمًا ما يرسل رسائل خفية لا ندركها جميعها في وقتها، ولحظتها وجدتني أهتف في داخلي، «كان عايز يقول لنا فكروا في اخواتكم من الجيش والشرطة اللي بيضحوا».
لم تدم فرحتي بمعرفة رسالة جديدة من السيسي، فأنا بالفعل قد وصلت في موعدي تمامًا على صوت المؤذن دون أن أدري أنني لا أزال أقود السيارة أوتوماتيكيًا، دون أن ألاحظ، لكنني جلست أمام المائدة وأنا أفكر في ذلك الجندي الواقف في إشارة المرور، هل تناول إفطاره أما لا... وللحديث بقية