الاتجاه شرقًا كان توجهًا لمصر الستينيات، ولهذا تمتعت القاهرة بعلاقات قوية ومتينة مع دول الكتلة الشرقية، ومنها بالتأكيد بلغاريا.
الآن مصر منفتحة على الجميع، لا فارق بين شرقى وغربى، طالما العلاقة مبنية على الود والاحترام والمنفعة المتبادلة والندية، ولذلك فإن العلاقات مع بلغاريا كما هى، تقوى أحيانًا وتضعف أحيانًا، لكنها موجودة ومؤثرة.
العام 1957 كان التمثيل الدبلوماسى للجانبين قد وصل إلى أعلى مراحله، فكانت لمصر سفارة فى صوفيا، وكانت لبلغاريا سفارة فى القاهرة، لكن التوتر خيم على العلاقات بين البلدين فى العام 1978 فى إطار التوتر العام الذى شاب علاقة مصر مع الكتلة الشرقية، وبالفعل قطعت العلاقات فى هذا التوقيت، لكنها عادت مع العام 1984.
استمرت العلاقات المتبادلة بين الجانبين على المستوى السياسى والاقتصادى فى حقبتى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، والعقد الأول من القرن الجديد إيجابية، لكنها كانت أكثر من إيجابية منذ 2014، فكان أول لقاء سياسى بين الجانبين فى سبتمبر من ذلك العام، حيث استقبل الرئيس السيسى بنيويورك، رئيس بلغاريا، على هامش أعمال الدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتوافقت الرؤى بين الجانبين على أهمية توثيق التعاون الثنائى فى المجالات ذات الاهتمام المشترك، ومن بينها الصحة والزراعة وصناعة الدواء، فضلًا عن أهمية الحفاظ على دورية عقد اللجان المشتركة لتنشيط العلاقات الثنائية.
وقد قام بويكو بوريسوف رئيس وزراء بلغاريا بزيارة لمصر، واستقبله وقتها مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، حيث تبادل الجانبان وجهات النظر ومواصلة التنسيق بين البلدين فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بما يسهم فى تحقيق مصالح شعبى البلدين.
و قام سامح شكرى وزير الخارجية بزيارة لبلغاريا، استقبله خلالها رومن راديف رئيس بلغاريا، كما التقى شكرى مع ورئيس الوزراء، ووزيرة الخارجية، وبحث الجانبان سبل دفع العلاقات الثنائية فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، فضلًا عن بحث القضايا الدولية والإقليمية، وعلى رأسها قضايا مكافحة الإرهاب والجريمة عابرة الحدود والهجرة غير الشرعية والأزمات فى الشرق الأوسط، وتطرق الجانبان إلى أهمية تعميق التعاون الاقتصادى.
وقامت سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى السابقة بزيارة لبلغاريا، للمشاركة فى اجتماعات الدورة الأولى للجنة المشتركة المصرية البلغارية للتعاون الاقتصادى، استقبلها إميل كارانيكولوف وزير الاقتصاد البلغارى، وبحث الجانبان إجراءات إنشاء وتشكيل مجلس استثمارى مصرى بلغارى مشترك، لزيادة الاستثمارات المتبادلة والتعاون الاقتصادى بين البلدين، وعرض الفرص الاستثمارية والمزايا النسبية فى مختلف القطاعات الاقتصادية، واتفق الجانبان على تشجيع رجال الأعمال فى البلدين على الدخول فى مشروعات مشتركة.
وجاءت زيارة راديف للقاهرة ولقاء الرئيس السيسى كتتويج للعلاقات القوية بين الجانبين.
أما بخصوص العلاقات الاقتصادية فهى لا تقل قوة عن العلاقات الدبلوماسية، فهى تتسم بالقوة والزخم، وهذا ما عبر عنه ليوبومير بوبوف سفير بلغاريا بالقاهرة بقوله: "إن مصر أصبحت أهم شريك تجارى واقتصادى لبلغاريا فى الشرق الأوسط وإفريقيا".
التبادل التجارى بين البلدين تخطى العام الماضى حاجز المليار يورو، بعد أن كان نحو 456 مليون دولار فى العام 2015، فيما زادت الصادرات المصرية لبلغاريا بشكل ملحوظ بنسبة 158% لتصل قيمتها إلى 207 ملايين دولار.
وتتمثل أهم الواردات المصرية من بلغاريا فى المعدات، والأجهزة الكهربائية، والأخشاب، وقطع الغيار للمصانع، منتجات غذائية وألبان، فى حين تتمثل أهم الصادرات المصرية فى المنتجات المعدنية، ومنتجات الغزل، وبعض الزراعات والأرز، والمنسوجات، والملح.
وسوف تتوج العلاقات باتفاقيات أخرى بشكل تعاونى فى مجال الطاقة بمختلف أنواعها، وذلك فى ضوء حرص البلدين على تنويع وتأمين مصادرهما من الطاقة، وسعى مصر فى هذا الإطار لكى تصبح مركزًا إقليميًا لتداول الطاقة فى شرق المتوسط، وكذا بلغاريا لكى تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة فى منطقة البلقان وشرق أوروبا.
وستتوج أيضًا بتضافر الجهود فى مجال مكافحة الإرهاب، وحث المجتمع الدولى على التعامل مع جذور آفة الإرهاب من خلال مقاربة شاملة تتضمن الأبعاد والأسباب كافة.
أكد سفير بلغاريا بالقاهرة ديان كاتراتشيف، تقدير بلاده لدور مصر الذي لا غنى عنه في دعم السلام وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.. مشيدا بجهود الوساطة المصرية الهادفة إلى إيجاد حلول سياسية لمختلف الأزمات الإقليمية، وكذلك تقدير صوفيا لريادة مصر في محاربة الإرهاب والتصدي للفكر المتطرف.
وقال السفير فى تصريحات صحفية له مؤخرا ، إن مصر حققت الكثير للسيطرة على مسارات الهجرة إلى أوروبا والحد من الهجرة غير الشرعية.. مؤكدا اهتمامه الكبير بمتابعة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
وعبر عن إعجابه باستراتيجية التنمية المستدامة وبرنامج التحديث الطموح الذي تنفذه الحكومة بهدف ضمان حياة كريمة لمواطنيها.. مشيدا بقدرة الاقتصاد المصري علي التعافي بسرعة بالرغم من التداعيات السلبية لجائحة (كوفيد -19 ) وهو ما تدل عليه مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي الرئيسية.
وأضاف السفير أن الناتج المحلي الإجمالي حقق نموا يقدر بـ57ر3 في المائة عام 2020 ومن المتوقع أن يتجاوز 22 .5 في المائة عام 2022 .. مشيرا إلى أن الصادرات المصرية وصلت إلى مستوي قياسي في عام 2021 ، محققة بذلك ايرادات عالية ولهذا فإن الانطباع العام هو أن الحكومة المصرية قد حققت توازنًا جيدًا بين الحفاظ على سلامة الناس وإعادة الاقتصاد على المسار الصحيح.
وعن الزيارات ، أكد كاتراتشيف أن صوفيا تحافظ علي حوار سياسي نشط علي مختلف المستويات ويتجلى ذلك في الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى حيث زار الرئيس البلغاري رومن راديف ، مصر في مارس 2019 بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي وكذلك زار بويكو بوريسوف رئيس الوزراء بلغاريا مصر ثلاث مرات، كما زار وزير الخارجية سامح شكري بلغاريا في نوفمبر 2018.
وأكد أن الحكومتين تعملان حاليا على الإعداد للدورة الأولى للجنة المشتركة للتعاون التي تشكلت عام 2018 والتي يترأسها وزيرا خارجية مصر وبلغاريا ، كما أنه من المتوقع مشاركة وفد بلغاري رفيع المستوى في الاجتماع الوزاري بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وفي المؤتمر السابع والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ الذي سيعقد في مدينة شرم الشيخ أواخر العام الجاري.
وقال كاتراتشيف، إن مصر تظل الشريك الأكبر وسوقا واعدة لبلغاريا في المنطقة، فنحن نسعى جاهدين لدعم علاقات تعاون أقوى في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك .. مشيرا إلى المباحثات الهامة لدانييلا فيزيقا وزيرة الاقتصاد البلغارية في ديسمبر الماضي على هامش مشاركتها في معرض ايديكس ، مع وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزير قطاع الاعمال ، والتي تناولت آفاق تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي.
وأضاف أن الجانبين المصري والبلغاري بحثا فرص إقامة شراكات جديدة في مجالات مختلفة ، مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومصادر الطاقة المتجددة والهندسة الميكانيكية وتصنيع السيارات والحافلات الكهربائية ، والزراعة وإنتاج الأغذية ، والصناعات الكيماوية والصيدلانية وغيرها .. مؤكدا الاهتمام بمتابعة ما تم بحثه والعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين خاصة مع تولي الحكومة البلغارية الجديدة مقاليد السلطة في ديسمبر الماضي .
وأكد السفير وجود إمكانيات هائلة للتعاون في مجال أمن الطاقة في ضوء التحديات الخطيرة الحالية في سوق الطاقة الأوروبية ،ولهذا فأننا نعتبر مصر موردًا محتملاً للغاز الطبيعي المسال إلى بلغاريا وجنوب شرق أوروبا.
وعن التجارة والاستثمار ، قال كاتراتشيف إن مصر تعد شريكا تجاريا كبيرا لبلغاريا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث شهدت التجارة الثنائية ارتفاعا بلغ 274ر1 مليار دولار عام 2019 ثم انخفض إلى 8ر582 مليون دولار عام 2021 بسبب التداعيات السلبية لجائحة كورونا ، كما شهد التبادل التجاري انتعاشا بطيئا ليبلغ 4ر310 مليون دولار في النصف الأول من هذا العام.
وأوضح أن أهم الصادرات المصرية لصوفيا، هي زيوت البترول الخام والمعادن والأسمدة النيتروجينية الكيماوية وفوسفات الكالسيوم الطبيعية، وبوليمرات البروبيلين بينما تستورد مصر من بلغاريا الزيوت البترولية المكررة والقمح والكربونات، النحاس المكرر وسبائك النحاس الخام.
وأشار السفير البلغاري إلى أن حجم الاستثمارات البلغارية في مصر غير مرضية ، وكذلك الاستثمارات المصرية في بلغاريا البالغة ثمانية ملايين يورو بنهاية عام 2020 ، وهذا لا يعكس إمكانات البلدين .. مطالبا بأن يبذل الجانبان المصري والبلغاري الجهود لتشجيع الاستثمارات في كلا الاتجاهين.
وعن كوفيد -19 ، قال السفير إن مصر وبلغاريا تمتلكان الخبرة والإمكانيات والقدرات اللازمة لتفعيل تعاون مثمر في مجال مكافحة كوفيد -19 مشيرا إلى اتفاقية التعاون الجديدة بين الأكاديمية المصرية للبحث العلمي والتكنولوجيا والأكاديمية البلغارية للعلوم والأكاديمية المصرية للبحث العلمي التي يمكن أن تكون الأساس لتطوير تعاون بين المؤسسات البحثية والعلمية في كلا البلدين.
وأشاد بجهود الحكومة المصرية للحفاظ على التراث الثقافي والأثري في البلاد .. مشيرا إلى حضوره احتفالية طريق الكباش في نوفمبر الماضي والتي حظيت باعجابه وجذبت انتباه العالم .
وأعرب السفير عن سعادته بمشاركة طاقم من التليفزيون الوطني البلغاري الذي سجل الاحتفالية وبثها في 2 يناير الماضي بتقديم من علماء المصريات وعلماء الآثار البلغاريين المشهورين .. مشيرا إلى أن الطاقم يعمل على وضع اللمسات الأخيرة على فيلم وثائقي مخصص لمصر وتراثها القديم وأنشطة البعثة الأثرية البلغارية ونرغب في عرضه في مصر في القريب العاجل.
وعن الاقتصاد البلغاري ، قال إن بلاده تمتلك إمكانيات كبيرة لجذب الاستثمارات من خلال حوافز حكومية تقدمها في مجالات مثل التكنولوجيا الفائقة والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمعدات الطبية وصناعات السيارات ،وكذلك في الابتكارات والمجمعات الصناعية .. مشيرا إلى أن بلغاريا انضمت إلى آلية سعر الصرف في يوليو عام 2020 والاتحاد المصرفي للاتحاد الأوروبي في أكتوبر عام 2020 ومن المتوقع الانضمام إلى اليورو في أوائل عام 2024 .