نجد أن لوسائل الإعلام المختلفة علاقة وثيقة بالجريمة والظاهرة ككل، ويبدو أن الإعلام كمؤسسة متفرعة الوسائل تحرض الظاهرة او تروضها
وذلك عن طريق نظريات عدة نتناولها بشكل مبسط، فالصحافة مثلا لها تدخل في الظاهرة الإجرامية من حيث التناول والتنفيذ، أما السينما والتلفاز لها تأثير كبير على وعي واللاوعي لدى المجرم أو المستعد للدخول في الإجرام.
العلاقة بين الصحافة والجريمة علاقة متداخلة بها تناقضات عدة
ينقسم الرأي إلى اتجاهين رئسيين في علاقة الصحافة بالظاهرة الإجرامية، فالاتجاه الأول يرى أن للصحافة دور مباشر وفعال في
حدوث الجريمة، ويستند هذا الاتجاه إلى عدة أسباب ، فمثلا الصحافة تعرض أخبار الجريمة بشكل مثير وجذاب، حيث يمكن أن يختلظ على القارئ البطل الاجتماعي والمجرم، ذلك لأن طريقة سرد الجريمة تتسم بالتشويق، مما قد يتسبب في تقليد أحد القراء لأسلوب الجريمة لينال نفس الاهتمام.
كما أن متابعة أخبار الجريمة بكافة تفاصيلها يساعد من ينوي ارتكاب أي جريمة على الاستفادة من تجربة المجرم المذكور في الأخبار لعدم الوقوع في نفس أخطاءه وتجنب هفواته واستغلال نقاط القوة في جريمته، ليس هذا وحسب بل يساهم الحديث المتكرر عن الجرائم في جعلها معتادة كجزء من حياة المواطنين وليس كأمر بشع يتجنب الناس الحديث عنه، وقد يصل هذا بالوضع العام إلى حالة من اللامبالاة التامة ناحية الجرائم البشعة.
وتعلق الأخبار على الجرائم بعدم حيادية ويغلب عدم الدقة القانونية في أغلب الأوقات حسب هذا الاتجاه، حيث أن الصحافي غير متخصص قانونيا ومع ذلك يعلق على الجرائم بوجهة نظره الغير قانونية مما يخلق حالة من التوهان الاجتماعي، و الذي قد يخلق حالة من التوحد في الرأي تؤثر في بعض الأحيان على قرارات العدالة وتنفيذها في المحاكم.
أما الاتجاه الثاني يرى أن الرأي السابق ما هو إلا رأي مسبق ظالم للصحافة، فهم يرون أن الصحافة هي الوسيلة الأولى للدفاع عن المجتمع أمام المجرمين، وقد استند هذا الرأي على عدة اسباب منها أن من حق الناس معرفة هذه الأخبار مثلها مثل أي خبر، كما أن نشر أخبار وصور المجرمين يساعد في إيجادهم وتسليمهم للعدالة، و من المؤكد أن مبدأ العلانية هو مبدأ وثيق الصلة بالقضاء والمحاكمات وبالطبع الصحافة هي الجهة الأولى بهذا السبق الذي يراقب سير العدالة.
تمثل الجرائم الجانب المظلم من أي مجتمع ومهمة الصحافة هي إلقاء الضوء عليه بل وتسليطه تماما كالجانب المشرق، يعتقد هذا الاتجاه أيضا أن الحديث عن الجريمة بتفاصيلها ينبه المجني عليه المستقبلي لحماية نفسه من الوقوع في شباك المجرم، ويؤكد هذا الاتجاه على أن الصحافة قد تلعب دور أساسي في مكافحة الجريمة بتخويف المجرم المستقبلي ورد إعتبار الإنسان الذي أتهم زورا عن طريق نشر أحكام البراءة تماما كأحكام الإدانة.
علاقة السينيما والتلفاز بالجريمة علاقة وثيقة متبادلة
ينتشر المحتوى العنيف مؤخرا في التلفاز والسينيما بشكل كثيف وقد أثار جدلا في السنوات الأخيرة إن كان الغرض الرئيسي هو مقاومة العنف والجريمة أم بروزتها بشكل بطولي ومحبوب، قد يسعى المؤلف إلى الهدف الأول بينما لمؤسسة الإنتاج رأي تجاري وترويجي آخر يضيع في بعض الأحيان الهدف الأساسي ويترك مكانه مخلفات من العقليات والعاهات البشرية السيئة.
أفلام العنف يكون عليها إقبال كثيف من قبل الناس والشباب خاصة و الطبقات الفكرية الغير مثقفة بشكل عام، لكن ما بات يقلق أن حتى أبناء الطبقات الأخرى تأثروا بهذا المحتوى المنافي للأداب العامة، كما تصور بعض الأفلام المجتمع بصورة على غير حقيقته كمجتمع يبيع المخدرات ويصفق للمجرم مما يثير القلق في نفوس المواطنين من تواجد هذه الفئات في المجتمع.
تناولنا وجهة نظر علم الإجرام لعلاقة الصحافة والتلفاز والسينيما بالجريمة بشكل مفصل وهو ما نستخلص منه أن الجريمة في كل مجتمع
تتجه للمنحنى الأعلى أو الأدنى حسب عوامل ومثيرات عدة تساعد أو تقلل من كثافة الجريمة فيه، إلى أي حد قد تصل الأمور ، لا ندري فالمجتمعات تختلف في ثقافتها وطباعها لكن تشترك في عدم خلوها من الشر تماما كوجود الخير فيها، ويبقى الصراع
الأزلي مستمرا بينهما.