المؤوخ الشهير لقمان بايمتاو : ردا على تقرير "سى ان ان " ابن سيناء أصله طاجيكى وليس تركى
الإثنين 27/يناير/2025 - 08:25 م
ذكر الدكتور " لقمان بايمتاو "وهو مؤرخ طاجيكى شهير فى مقالة له عن صدور بعض الأنباء والتقارير حول أصل العالم الكبير ابن سينا
وقد قام بترجمة هذة المقالة إلى اللغة العربية الخبير والمؤرخ الطاجيكي "محمد جان " وهو خبير فى التراث والمخطوطات
حيث جاء فى نص المقالة :
لقد ذكر تقرير صحفى لوكالة " سى ان ان " العالمية أن
ابن سينا، كان أوزبكيا فقط،
لقد شهدنا جميعًا أن نتائج مثل هذه التقارير، التي تبدو مسؤولة ولكنها غير مدروسة ومتسرعة وتفتقر إلى النقاش والتمحيص، أدت إلى تصعيد التوتر وتدهور العلاقات بين الطاجيك والأوزبك. ويمكن ملاحظة ذلك في وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت المختلفة.
باختصار، لا ينبغي لـCNN أن تقع في مثل هذا الخطأ. ويجب اتخاذ إجراءات فورية لتصحيحه.
هذا في الوقت الذي يعود فيه تاريخ تصنيف ابن سينا وعدد كبير من الشخصيات الشهيرة في دول آسيا الوسطى كأتراك إلى السياسات المغرضة للحكومات في العصر السوفيتي والتاريخ المعاصر.
ومن أجل توضيح سبب قصر النظر الذي ظهر في تقرير CNN المذكور بشأن أصل ونسب ابن سينا، أردت، بصفتي مؤرخًا، أن أبدِي رأيي حول هذا الموضوع.
ليس سرًا أن ظاهرة سرقة التراث وخلق تاريخ زائف للجمهوريات في وسط آسيا
في ذاكرة التاريخ، كل شيء يُسجل. علماء الثقافة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي كانوا شهودًا على شدة الخلافات بين العلماء من كلا البلدين الشقيقين: أوزبكستان وطاجيكستان حول انتماء ابن سينا لأي من هذه الأمم. خلال عرض الأبحاث المتعلقة بتعريف الشخصية و الأعمال لابن سينا العلمية، نشأت بشكل غير مقصود مناقشات واسعة بين علماء الأدب والثقافة.
في عام 1980، تم الاحتفال بالذكرى الألفية لميلاد العبقري ابن سينا، الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا، بشكل واسع في الاتحاد السوفيتي السابق. تم اختيار مدن بخاري، دوشنبه، طشقند وموسكو كمراكز رئيسية للاحتفال بهذه الذكرى العظيمة.
نظرًا بأن ابن سينا وُلد في قرية أفشانه بالقرب من بخاري، فإن احتفالات الذكرى العظيمة لهذا العالِم جرت بطريقة مميزة في أوزبكستان وطاجيكستان. على سبيل المثال، في طاجيكستان تم التركيز بشكل أكبر على نشر أعماله الفارسية، بينما في أوزبكستان تم الشروع في ترجمة أعماله العربية إلى اللغتين الروسية والأوزبكية.
في تلك الأيام، طرحت مجموعة من العلماء والسياسيين البارزين من جمهورية أوزبكستان في موسكو فكرة أن ابن سينا كان أوزبكيًا ، بناءً على كون مدينة بخارى مدينة من مدن أوزبكستان حاليا و هي موطن الشيخ الرئيس. و لكن موقف العلماء والمجتمعيين الأوزبكيين، الذين سعوا لتأكيد أن أصل ابن سينا كان تركيًا، تعرض للانتقادات الشديدة من قبل المؤرخين والمستشرقين السوفييت السابقين. في تلك الفترة، كان جميع علماء الشرق والمستشرقين يتفقون على أن ابن سينا بلا شك يمثل الأمة (الطاجيكية)، وأن هذا الأمر لم يكن محل جدال.
نتيجة لذلك، كان الجميع معترفًا بلا شك أن ابن سينا هو طاجيكي ومرتبط بهذه الأمة. وفي الوقت نفسه، يجب الإشارة إلى أن جهود ومبررات المؤرخين والفلاسفة الطاجيكيين في مواجهة الأفكار المتعصبة للعلماء الأوزبكيين كانت تستحق التقدير في جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق.
في أواخر الثمانينات (عام 1988)، تم نشر حوار مفصل مع رفيق نيشانوف، سكرتير أول لحزب الشيوعي في أوزبكستان ، والذي كان يُعتبر من الشخصيات البارزة في جمهورية أوزبكستان في ذلك الوقت. وقد نُشرت هذه المحادثات في العديد من الصحف الأكثر شهرة في الاتحاد السوفيتي السابق باللغة الروسية، بما في ذلك في الصحيفة المشهورة الروسية "الأنباء" («Известия»).
رفيق نشانوف كان جوابه لهذا السؤال واضحًا ، الذي كان يتعلق بابن سينا طاجيكي أم أوزبكي. و من أقواله في هذا الباب: إذا قال العلم أن هذا العالم الكبير ينتمي إلى الشعب الطاجيكي الشقيق، فعلينا أن نفتخر بذلك فقط. هذا الرأي من قبل رفيق نشانوف تسبب في انزعاج العلماء ومجموعة من السياسيين في جمهورية أوزبكستان آن ذاك.
فكرة البانتركية في تحويل "إبن سينا" إلى تركي واعتباره من الاتراك التي كانت شائعة بين مثقفي جميع الدول الناطقة بالتركية في فترة ليست بعيدة، تحولت في فترة حكم الرئيس الأوزبكي السابق إسلام كريموف (1991-2016) إلى ما يمكن تسميته "نهضة ثقافية"، التي كانت في جوهرها معادية للطاجيك. ومن أبرز الأدلة التي قدمها هؤلاء الذين زعموا أن ابن سينا كان تركيًا، اثنان:
أولاً، أن أفشانه و بخارى، اللتان كانتا موطنًا له وتطور ابن سينا فيهما، أصبحتا الآن ضمن الحدود الجغرافية السياسية لأوزبكستان.
ثانيًا، من خلال بعض المؤرخين والباحثين الأوزبك، تم إعلان أن أصل ونسب الأسرة السامانية، التي كانت حكام بخارى في القرنين التاسع والعاشر الميلادي، يعود إلى الأتراك الكرلوق.
هذه الأفكار المشوهة و التي طرحها المؤرخون من أوزبكستان، من قبل إدارة أكاديمية علوم جمهورية أوزبكستان، تتعارض مع المبادئ العلمية .
إن علماء العالم اليوم في حالة من الاضطراب فيما يتعلق بجذور ونسب ابن سينا، حيث أن أشهر العلماء والباحثين من دول مختلفة، الذين قاموا بإجراء دراسات معمقة حول هذا الموضوع، قد أكدوا منذ أكثر من مئة عام على حقيقة نسبه بشكل كافٍ ومعروف. في هذا المقال، سأذكر أهم الأدلة التي قدمها الباحثون المرموقون لتوثيق هذا الرأي، وذلك للأشخاص الذين يرغبون في التعرف على الحقائق المتعلقة بحياة ابن سينا، وذلك بشكل مختصر وموجز. على سبيل المثال:
رسالة "السيرة" لابن سينا، التي كتبت من قبله و تلميذه أبو عبيد بن جُرْجَاني بشكل مختصر، يمكن اعتبارها مصدرًا قيمًا للغاية في التعرف على شخصية ابن سينا. هذه الرسالة هي الأولى والأخيرة من نوعها في سيرة ابن سينا. كما ذكر ابن سينا عن نفسه، كان والده، الذي يدعى عبد الله، من أهل بلخ وكان يميل إلى فرقة الإسما
1. رسالة "السيرة" لابن سينا، التي كتبت من قبله و تلميذه أبو عبيد بن جُرْجَاني بشكل مختصر، يمكن اعتبارها مصدرًا قيمًا للغاية في التعرف على شخصية ابن سينا. هذه الرسالة هي الأولى والأخيرة من نوعها في سيرة ابن سينا. كما ذكر ابن سينا عن نفسه، كان والده، الذي يدعى عبد الله، من أهل بلخ وكان يميل إلى فرقة الإسماعيلية، بينما كانت والدته التي تدعى ستاره (ستاره كلمة فارسية تعني النجم)، من فلاحين أفشنة في بخارى. وقد عمل والده لفترة معينة في أحد دواوين سلاطين السامانيين. ومن الرسالة يتضح أيضًا أنه كان في خدمة أمير بخارى لفترة من الزمن. هذه الحقائق تشير إلى أن ابن سينا نشأ في بيئة فارسية (طاجيكية) كما ذكر بنفسه في "أرض صغد الشريفة" وفي أسرة ثقافية راقية. و يجب أن نلاحظ أنه في هذه الرسالة، التي صنفت من قبله، لا يوجد أي إشارة إلى التأثير التركي في حياة ابن سينا. أي باحث تركي يبحث عن أصوله التركيه سيكون مخطئًا و فاشلا في هذا العمل.
2. على عكس تأييد الباحثين الأوزبك أن ابن سينا لم يكن مطلعا عن اللغة التركية، بل كان أيضًا غير راضٍ عن أسلوب حياة الأتراك وطبائعهم، كما كانت علاقاته مع الأتراك في بلاط الأمير غير جيدة. وهذه الحقائق واضحة من خلال أقواله وكتاباته بنفسه. تقييمه القاسي وانتقاده اللاذع لموقع الأتراك بين الأمم الأخرى وعاداتهم يدل على أن ابن سينا كان يرى الأتراك كجزء من الجماعات "غير المعقولين والعبيد".
على سبيل المثال، في كتابه "الشفاء" (القسم الخامس بالإلهيات، المقالة العاشرة، في الخليفة و الامام و وجوب طاعتها و الاشارة الي السياسيات و المعاملات و الأخلاق،
يجب التأكيد على أن هذا الرأي لابن سينا حول طبيعة الأتراك ومكانتهم في المجتمع كان له تأثير واسع وعميق على تفكير وعقليات العلماء اللاحقين في العالم الإسلامي، الذي مراجعته هي موضوع منفصل تماما.
الدراسات تشير إلى أن ابن سينا قد كرّس أهم أعماله العلمية والفلسفية والروحية لشخصيات حكومية أو أفراد ذوي فضائل وعلم تكريمًا لهم، الذين غالبًا كانوا من ذوي الأصول الفارسية. ومن بين كل أعماله المعروفة، من المستحيل أن تجد عملاً مخصصاً لشخصية تركية واحدة.
3. في زمن ابن سينا، كانت اللغة العربية، على الرغم من كونها لغة العلوم والسياسة الرسمية، إلا أن ابن سينا، بكل احترام ووعي، قد استخدم بشكل واسع لغته الأم، الفارسية (أو الدرية)، لما لها من مكانة وبركة في تطوير أفكاره وآرائه. وقد قيل إنه كتب أكثر من 30 رسالة وأشعارًا رائعًا باللغة الفارسية، التي نالت إعجاب الباحثين والمفكرين والأدباء.
من المهم أن نذكر أن ابن سينا قد قام بإنشاء أول "دائرة المعارف" باللغة الفارسية و سماها بالفارسية "دانشنامه" والذي يُعد من أهم خدماته في مجال تاريخ العلوم. ويجب أن يُعتبر هذا العمل دليلاً آخر لدعم الأصل الفارسي (الطاجيكي) لابن سينا، لأنه من خلال تأليفه لهذه الرسالة القيمة، استطاع أن يقدم نفسه كأحد العلماء البارعين والناجحين في المصطلحات الفلسفية والمنطقية والطبيعية والفلكية والإلهية وعلم الموسيقى لأول مرة باللغة الفارسية (لغته الأم). ومن بين المصطلحات التي قدمها، مثل "جمع" - "گرد (أی دائرة)"، "ميزان" - "ترازو"، "أشياء" - "چیزها"، "حركة" - "جنبش"، "ما فوق الطبيعة" - "بيرون از طبيعت"، وغيرها.
4. كانت المخاوف على سلامته، والهجمات المتتالية والمحن التي واجهها ابن سينا، والتي كانت تحدث أساسًا نتيجة للضغوطات السياسية ، تجبره على اللجوء إلى الحكام الثقافيين من ذوي الأصول الفارسية. سواء في خراسان أو إصفهان أو همدان، كان يضطر إلى اللجوء إليهم طلبًا للحماية. على سبيل المثال، قضى آخر سنوات حياته في مدينة همدان، حيث كان مرقده هناك أيضًا.
دلالات أخرى، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، تؤكد ما تم قوله أعلاه في كتب وأعمال العلماء القدماء والمعاصرين، التي تحتاج إلى تفسير وتفصيل طويل. ومع ذلك، أعتقد أن ما تم جمعه في هذا الحديث المختصر يكفي لفهم الأصل والنسب الحقيقي لابن سينا.