"هانجتشو" رمز الثقافة الاقتصادية الجديدة وأهمية الابتكار
الإثنين 05/سبتمبر/2016 - 09:31 ص
فيما يحق للمصريين الشعور بالفخر حيال الحضور الفاعل للرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة "مجموعة العشرين" بكل ما تمثله هذه المجموعة من أهمية على مستوى الاقتصاد العالمي فان مدينة "هانجتشو" التي استضافت هذه القمة العالمية تحولت الى رمز لثقافة اقتصادية جديدة ينبغي ان تكون موضع اهتمام المصريين وكل العرب كما هي الآن موضع اهتمام الغرب.
ولئن كانت قمة العشرين عقدت تحت شعار "نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل" فان مدينة هانجتشو مضيفة هذه القمة أضحت رمزا للابتكار كأمل للاقتصاد العالمي الذي ينبغي دمج الدول النامية فيه كما تدعو مصر على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي وهو اول رئيس مصري يشارك في "قمة العشرين".
وباهتمام بالغ يتابع "الغرب الثقافي" عبر العديد من المفكرين والمحللين والمعلقين في منابره ووسائطه المتنوعة تطورات التجربة الصينية التي أمست اقرب "للمعجزة" فيما خضعت النظرية الشيوعية "للتفكير الابتكاري الصيني" لتظهر مصطلحات جديدة تتردد عبر المنابر الثقافية الغربية مثل "الشيوعية المغامرة" او "الشيوعية المتلاقحة مع الرأسمالية" و"اشتراكية الرخاء" وكذلك "اشتراكية السوق" و"مبادرات المشاريع الاشتراكية".
وكثير من التنظيرات الثقافية الغربية تسعى للإجابة على أسئلة تتعلق بالسبل التي انتهجتها الصين للصعود الاقتصادي وتحقيق ازدهار لم تعرفه التجارب الأخرى في الكتلة الاشتراكية التي انفرط عقدها بانهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين.
وفي سياق "قمة العشرين" التي بدأت امس "الأحد" وشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في مختلف فعالياتها أمست مدينة "هانجتشو" التي تستضيف هذه القمة العالمية تحت مجهر الاعلام الغربي فاذا بهذه المدينة "تلخص ببلاغة أسرار الصعود الاقتصادي الصيني المبهر".
فمدينة هانجتشو بعراقتها التاريخية تضم الآن العديد من "حاضنات التقدم التقني" لتتحول إلى "المدينة المجسدة لأحلام التطور الحداثي دون التخلي عن الجذور وكأنها تقدم اجابة صينية لسؤال الأصالة والمعاصرة الذي يفرض نفسه حتى الآن على الفكر العربي.
وهذه "الحاضنات" كانت موضع اهتمام الخبير الاقتصادي مايكل شومان في صحيفة "نيويورك تايمز" والذي احصى اكثر من 700 حاضنة في تلك المدينة وبعضها يحمل أسماء دالة مثل "مدينة الأحلام" فيما اعتبر ان "حاضنات هانجتشو" تعبر عن الرؤية الصينية الفريدة والجامعة مابين الاشتراكية والرأسمالية في مزيج مدهش بقدر مايخدم الانسان في هذا البلد العملاق.
ومن الطريف أن تتردد مصطلحات فريدة ايضا في الموضوع المستفيض الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" لهذا الخبير و"المنظر الاقتصادي" مثل "ملائكة الاستثمار" و"اشاوس التكنولوجيا" فيما يشير شومان الى "خصوصية وتفرد التجربة الصينية".
وها هو شومان يوضح ان الحزب الشيوعي القائد لا يثق في "اليد الخفية للرأسمالية" وحدها لتشجيع المشاريع وانما يستفيد من الآليات الرأسمالية كمكون هامة ضمن استراتيجية اوسع نطاقا لاعادة تشكيل الاقتصاد الصيني بما يتجاوز اي كبوات او عثرات على طريق الصعود للقمة.
وها هي "هانجتشو" العاصمة الامبراطورية القديمة والحاضرة التجارية التاريخية المزدهرة تتحول ضمن هذه الاستراتيجية المحكومة برؤية الحزب الشيوعي الصيني الى "قلب تجاري نابض وشاهد على حلم الصعود الاقتصادي للصين" فيما لا تتوانى الدولة عن دعم هذا المشروع النهضوي الحداثي العملاق بكل ما يتوافر لها من سبل ومن بينها التدريب الجيد للعمالة وتمويل "حاضنات التقنية" وتقديم افضل المزايا للمستثمرين.
وهكذا يلاحظ مايكل شومان في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ان المزايا تصل احيانا لحد منح اعفاءات كاملة لبعض المشاريع الجديدة من دفع اي ايجارات للمباني لمدد تصل الى ثلاثة اعوام كما هو الحال لمشروع جديد يستخدم التقنيات الذكية لاصلاح السيارات في مدينة الأحلام بهانجتشو بل ان بعض هذه المشاريع تحصل في مستهل عملها على دعم نقدي من السلطات المحلية للمدينة وبتنسيق كامل مع الحكومة المركزية في بكين.
وهذا الدعم يساعد المشاريع الجديدة في مرحلة البدايات سواء على مستوى تدبير رواتب العاملين بتلك المشاريع او شراء معدات جديدة ومتطورة وهو يدخل ضمن الاستراتيجية الصينية لضمان النمو المستدام وتحقيق رخاء اقتصادي طويل الأمد.
بالتأكيد كل ذلك يمنح المستثمرين شعورا بأنهم يحظون"بالدعم الدافيء للسلطات الصينية" فيما يشعرون بمزيد من الطمأنينة وهم يرون الشباب الصيني يتوجه بحماس واخلاص للعمل في المناطق الصناعية الجديدة وفي الأفق يرتسم الحلم الكبير الذي يتجاوز بكثير مجرد أن تكون الصين "مصنع الطابق الأرضي للعالم قاطبة".
انما الحلم الصيني-كما يقول مايكل شومان في النيويورك تايمز-يضع نصب عينه الجيل القادم من الصينيين فيما تأمل القيادة الصينية في ان يعمل هذا الجيل الذي يمثل المستقبل في ظروف افضل وبمعطيات افضل سواء من حيث الأجور والرواتب او اماكن وبيئة العمل وان يتمتع بالقدرات اللازمة "لابداع الأفكار وابتكار التقنيات" لتنعم الصين "بعوامل تغذية نموها المستقبلي".
ولئن حق للقيادة الصينية ان تفخر برقم تحقق في العام الماضي وهو تأسيس 12 الف شركة ومصنع جديد كل يوم على مدى ايام السنة في الصين فان لهذه القيادة ان تفخر ايضا "بروح المبادرة" التي باتت سمة للصينيين في حياتهم اليومية المعاصرة فيما تحولت هذه الدولة الكبيرة حقا الى "ورشة عمل لا تنام".
ويلح مايكل شومان في صحيفة "نيويورك تايمز" على اهمية "دعم الدولة الصينية للمشاريع الرأسمالية" وعدم الاكتفاء بالمال الخاص او جهود القطاع الخاص والعمل الدؤوب من جانب السلطات لتأسيس المزيد من "صناديق الاستثمار" وتقديم مختلف ألوان الدعم للمستثمرين والمضي قدما في انشاء "حاضنات التقنية".
ويعود شومان الى المدينة الحلم ومضيفة قمة العشرين "هانجتشو" التي تحتضن عملاق التجارة الالكترونية في العالم او الشركة العملاقة باسمها الشرقي الموحي "علي بابا" والمهم في هذا السياق ان هذا الكيان التجاري الالكتروني العملاق يقدم فرصا تدريبية للشباب الطامح لاقامة مشاريع او الانضمام لصفوف المستثمرين وتشجيعهم على "خلق فرص عمل بأنفسهم لأنفسهم".
ومن هنا باتت "هانجتشو" في قلب الحلم الصيني لاعتلاء عرش الاقتصاد العالمي وعلامة للمستقبل الذي يسعى الصينيون لتجسيده في كل انحاء بلادهم والتفوق على الولايات المتحدة قائدة الاقتصاد الرأسمالي الغربي.
ويرصد مايكل شومان في هذا السياق حقيقة تتمثل في سعي الصينيين لبناء المزيد والعديد من مصانع الحديد والصلب بحيث ينتجون عشرة امثال ما ينتجه الأمريكيون في بلادهم من الحديد والصلب مشيرا الى ان المسؤولين الصينيين لا يغفلون عن مشاكل الواقع واشكاليات الاقتصاد ومثبطات النمو سواء في بلادهم او على مستوى العالم ومن ثم فهم يشجعون الآن على سبيل المثال "التحول لمحركات جديدة للنمو" مثل الخدمات والتكنولوجيا الفائقة التطور.
واذا كانت هذه الرؤية لمايكل شومان هي رؤية غربية لمنظر وخبير اقتصادي يبدو معنيا بفكرة "الابتكار الاقتصادي" والتأكيد على اهمية الابداع والسياسات غير التقليدية لدفع معدلات النمو للأمام ، فان لنا في مصر والعالم العربي وعالم الجنوب النامي ككل ان نسعى لصياغة رؤية لهذه الثقافة الاقتصادية الجديدة وفكرة الابتكار الاقتصادي كما تتجلى ضمن المعجزة الاقتصادية الصينية وان نستلهم منها كل ما يمكن ان يفيد في دفع عجلة التنمية.
واذ يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في "قمة العشرين" تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج الذي تتولى بلاده حاليا رئاسة هذه المجموعة العالمية ، فان هذه الدعوة تؤكد على مدى قوة العلاقات المصرية-الصينية كما انها تعبر عن اهمية دور مصر وثقلها على الصعيدين الاقليمي والدولي.
ولا ريب ان القضايا المطروحة في هذه القمة العالمية مثل السعي للتنمية المستدامة ومواجهة الركود الاقتصادي على مستوى العالم والتغيرات المناخية هي قضايا تهم المصريين والعرب ككل كما ان استضافة الصين لتلك القمة مسألة لا يمكن التقليل من دلالتها الرمزية فيما يتعلق بالصعود الاقتصادي الصيني المتواصل نحو القمة.
ويبدو ان الوقت قد حان لجهد ثقافي ومعرفي مصري لدراسة كل تفاصيل وملامح وقسمات وخبايا الثقافة الاقتصادية الصينية على ان يكون هذا الجهد المطلوب بالحاح ضمن التفاعل العميق بين الثقافتين المصرية والصينية وجدل الأفكار والثقافات نحو عالم افضل .
فمصر لها ان تتفاعل مع "رياح الشرق الجديد" وان تولى الاهتمام الكافى بالمشروع النهضوى الصينى وتستفيد منه فيما كانت الاستجابة الصينية لتحديات عصر ما بعد انتهاء الحرب الباردة في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي انظار الكثير من المثقفين المصريين والعرب وخاصة مسألة "المرونة الفائقة في التعامل مع المتغيرات" التي انقذت الصين من مآلات الانهيار ومصير الاتحاد السوفييتي الذي امسى في ذمة التاريخ.
وفى سياق اهتمامه غير العادى بمشروع النهضة الصينى- كان المفكر المصري الراحل انور عبد الملك قد لاحظ بحق ان النخب الثقافية الصينية تنأى بنفسها عن المعارك الوهمية حول قضايا لا يعتد بها فى تغيير الواقع بقدر ماتنزع نحو الأفكار المحركة والمغيرة لهذا الواقع معتبرا ان "من واجب العرب وصالحهم التعلم من الصين نموذج التفوق فى التعلم من الواقع وتغييره".
وشأنها شأن الصين فان مصر يهمها رفع معدلات الحداثة مع دعم سيادة الدولة الوطنية ومكافحة الارهاب والتطرف فيما يمكن للدولتين التعاون الوثيق في افريقيا بما يخدم مصالح كل الأطراف وعلى قاعدة ثقافية عامة تجلت في مقولة الرئيس الصيني شي جين بينج: " الحلم لن يتحول الى واقع الا بالعمل".
وواقع الحال ان الثقافة الاقتصادية الصينية تعكس الثقافة السائدة الآن في الصين وهي ثقافة العمل المثابر والجهد الدؤوب و"الواقعية البراجماتية" مع ادراك لأهمية العدالة الاجتماعية للحفاظ على استقرار المجتمع فيما تستدعي اللحظة الراهنة والحافلة بالتحديات العقل الثقافى المصرى للتحليق فى افاق جديدة والتفاعل والاستفادة من دروس التجربة الصينية و"ثقافة هانجتشو الاقتصادية" التي تشكل "لغة الصعود للقمة" .
وهكذا، فان زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للصين هي زيارة مهمة للغاية لأن" الصين القوة السياسية والاقتصادية الكبرى تستحق انفتاحا حقيقيا من جانب مصر على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية" كما ان للبلدين مصلحة مشتركة فى التعاون بينهما.
ها هو المعنى يتجلى وسط حشود الكلمات والصور :معا كمصريين وصينيين نشغل وجه الزمان ومعا نسعى لعالم افضل ونستصلح الربيع الأفضل ونكتب لغة الصعود لتحقيق الأحلام النبيلة..معا نواجه رعد المتاهات وصنوف المؤامرات ونعبر المسافة ما بين الواقع والحلم بكل امتدادات التقدم وألوان الازدهار ووعود الرخاء.
ولئن كانت قمة العشرين عقدت تحت شعار "نحو اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل" فان مدينة هانجتشو مضيفة هذه القمة أضحت رمزا للابتكار كأمل للاقتصاد العالمي الذي ينبغي دمج الدول النامية فيه كما تدعو مصر على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي وهو اول رئيس مصري يشارك في "قمة العشرين".
وباهتمام بالغ يتابع "الغرب الثقافي" عبر العديد من المفكرين والمحللين والمعلقين في منابره ووسائطه المتنوعة تطورات التجربة الصينية التي أمست اقرب "للمعجزة" فيما خضعت النظرية الشيوعية "للتفكير الابتكاري الصيني" لتظهر مصطلحات جديدة تتردد عبر المنابر الثقافية الغربية مثل "الشيوعية المغامرة" او "الشيوعية المتلاقحة مع الرأسمالية" و"اشتراكية الرخاء" وكذلك "اشتراكية السوق" و"مبادرات المشاريع الاشتراكية".
وكثير من التنظيرات الثقافية الغربية تسعى للإجابة على أسئلة تتعلق بالسبل التي انتهجتها الصين للصعود الاقتصادي وتحقيق ازدهار لم تعرفه التجارب الأخرى في الكتلة الاشتراكية التي انفرط عقدها بانهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين.
وفي سياق "قمة العشرين" التي بدأت امس "الأحد" وشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في مختلف فعالياتها أمست مدينة "هانجتشو" التي تستضيف هذه القمة العالمية تحت مجهر الاعلام الغربي فاذا بهذه المدينة "تلخص ببلاغة أسرار الصعود الاقتصادي الصيني المبهر".
فمدينة هانجتشو بعراقتها التاريخية تضم الآن العديد من "حاضنات التقدم التقني" لتتحول إلى "المدينة المجسدة لأحلام التطور الحداثي دون التخلي عن الجذور وكأنها تقدم اجابة صينية لسؤال الأصالة والمعاصرة الذي يفرض نفسه حتى الآن على الفكر العربي.
وهذه "الحاضنات" كانت موضع اهتمام الخبير الاقتصادي مايكل شومان في صحيفة "نيويورك تايمز" والذي احصى اكثر من 700 حاضنة في تلك المدينة وبعضها يحمل أسماء دالة مثل "مدينة الأحلام" فيما اعتبر ان "حاضنات هانجتشو" تعبر عن الرؤية الصينية الفريدة والجامعة مابين الاشتراكية والرأسمالية في مزيج مدهش بقدر مايخدم الانسان في هذا البلد العملاق.
ومن الطريف أن تتردد مصطلحات فريدة ايضا في الموضوع المستفيض الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" لهذا الخبير و"المنظر الاقتصادي" مثل "ملائكة الاستثمار" و"اشاوس التكنولوجيا" فيما يشير شومان الى "خصوصية وتفرد التجربة الصينية".
وها هو شومان يوضح ان الحزب الشيوعي القائد لا يثق في "اليد الخفية للرأسمالية" وحدها لتشجيع المشاريع وانما يستفيد من الآليات الرأسمالية كمكون هامة ضمن استراتيجية اوسع نطاقا لاعادة تشكيل الاقتصاد الصيني بما يتجاوز اي كبوات او عثرات على طريق الصعود للقمة.
وها هي "هانجتشو" العاصمة الامبراطورية القديمة والحاضرة التجارية التاريخية المزدهرة تتحول ضمن هذه الاستراتيجية المحكومة برؤية الحزب الشيوعي الصيني الى "قلب تجاري نابض وشاهد على حلم الصعود الاقتصادي للصين" فيما لا تتوانى الدولة عن دعم هذا المشروع النهضوي الحداثي العملاق بكل ما يتوافر لها من سبل ومن بينها التدريب الجيد للعمالة وتمويل "حاضنات التقنية" وتقديم افضل المزايا للمستثمرين.
وهكذا يلاحظ مايكل شومان في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ان المزايا تصل احيانا لحد منح اعفاءات كاملة لبعض المشاريع الجديدة من دفع اي ايجارات للمباني لمدد تصل الى ثلاثة اعوام كما هو الحال لمشروع جديد يستخدم التقنيات الذكية لاصلاح السيارات في مدينة الأحلام بهانجتشو بل ان بعض هذه المشاريع تحصل في مستهل عملها على دعم نقدي من السلطات المحلية للمدينة وبتنسيق كامل مع الحكومة المركزية في بكين.
وهذا الدعم يساعد المشاريع الجديدة في مرحلة البدايات سواء على مستوى تدبير رواتب العاملين بتلك المشاريع او شراء معدات جديدة ومتطورة وهو يدخل ضمن الاستراتيجية الصينية لضمان النمو المستدام وتحقيق رخاء اقتصادي طويل الأمد.
بالتأكيد كل ذلك يمنح المستثمرين شعورا بأنهم يحظون"بالدعم الدافيء للسلطات الصينية" فيما يشعرون بمزيد من الطمأنينة وهم يرون الشباب الصيني يتوجه بحماس واخلاص للعمل في المناطق الصناعية الجديدة وفي الأفق يرتسم الحلم الكبير الذي يتجاوز بكثير مجرد أن تكون الصين "مصنع الطابق الأرضي للعالم قاطبة".
انما الحلم الصيني-كما يقول مايكل شومان في النيويورك تايمز-يضع نصب عينه الجيل القادم من الصينيين فيما تأمل القيادة الصينية في ان يعمل هذا الجيل الذي يمثل المستقبل في ظروف افضل وبمعطيات افضل سواء من حيث الأجور والرواتب او اماكن وبيئة العمل وان يتمتع بالقدرات اللازمة "لابداع الأفكار وابتكار التقنيات" لتنعم الصين "بعوامل تغذية نموها المستقبلي".
ولئن حق للقيادة الصينية ان تفخر برقم تحقق في العام الماضي وهو تأسيس 12 الف شركة ومصنع جديد كل يوم على مدى ايام السنة في الصين فان لهذه القيادة ان تفخر ايضا "بروح المبادرة" التي باتت سمة للصينيين في حياتهم اليومية المعاصرة فيما تحولت هذه الدولة الكبيرة حقا الى "ورشة عمل لا تنام".
ويلح مايكل شومان في صحيفة "نيويورك تايمز" على اهمية "دعم الدولة الصينية للمشاريع الرأسمالية" وعدم الاكتفاء بالمال الخاص او جهود القطاع الخاص والعمل الدؤوب من جانب السلطات لتأسيس المزيد من "صناديق الاستثمار" وتقديم مختلف ألوان الدعم للمستثمرين والمضي قدما في انشاء "حاضنات التقنية".
ويعود شومان الى المدينة الحلم ومضيفة قمة العشرين "هانجتشو" التي تحتضن عملاق التجارة الالكترونية في العالم او الشركة العملاقة باسمها الشرقي الموحي "علي بابا" والمهم في هذا السياق ان هذا الكيان التجاري الالكتروني العملاق يقدم فرصا تدريبية للشباب الطامح لاقامة مشاريع او الانضمام لصفوف المستثمرين وتشجيعهم على "خلق فرص عمل بأنفسهم لأنفسهم".
ومن هنا باتت "هانجتشو" في قلب الحلم الصيني لاعتلاء عرش الاقتصاد العالمي وعلامة للمستقبل الذي يسعى الصينيون لتجسيده في كل انحاء بلادهم والتفوق على الولايات المتحدة قائدة الاقتصاد الرأسمالي الغربي.
ويرصد مايكل شومان في هذا السياق حقيقة تتمثل في سعي الصينيين لبناء المزيد والعديد من مصانع الحديد والصلب بحيث ينتجون عشرة امثال ما ينتجه الأمريكيون في بلادهم من الحديد والصلب مشيرا الى ان المسؤولين الصينيين لا يغفلون عن مشاكل الواقع واشكاليات الاقتصاد ومثبطات النمو سواء في بلادهم او على مستوى العالم ومن ثم فهم يشجعون الآن على سبيل المثال "التحول لمحركات جديدة للنمو" مثل الخدمات والتكنولوجيا الفائقة التطور.
واذا كانت هذه الرؤية لمايكل شومان هي رؤية غربية لمنظر وخبير اقتصادي يبدو معنيا بفكرة "الابتكار الاقتصادي" والتأكيد على اهمية الابداع والسياسات غير التقليدية لدفع معدلات النمو للأمام ، فان لنا في مصر والعالم العربي وعالم الجنوب النامي ككل ان نسعى لصياغة رؤية لهذه الثقافة الاقتصادية الجديدة وفكرة الابتكار الاقتصادي كما تتجلى ضمن المعجزة الاقتصادية الصينية وان نستلهم منها كل ما يمكن ان يفيد في دفع عجلة التنمية.
واذ يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في "قمة العشرين" تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج الذي تتولى بلاده حاليا رئاسة هذه المجموعة العالمية ، فان هذه الدعوة تؤكد على مدى قوة العلاقات المصرية-الصينية كما انها تعبر عن اهمية دور مصر وثقلها على الصعيدين الاقليمي والدولي.
ولا ريب ان القضايا المطروحة في هذه القمة العالمية مثل السعي للتنمية المستدامة ومواجهة الركود الاقتصادي على مستوى العالم والتغيرات المناخية هي قضايا تهم المصريين والعرب ككل كما ان استضافة الصين لتلك القمة مسألة لا يمكن التقليل من دلالتها الرمزية فيما يتعلق بالصعود الاقتصادي الصيني المتواصل نحو القمة.
ويبدو ان الوقت قد حان لجهد ثقافي ومعرفي مصري لدراسة كل تفاصيل وملامح وقسمات وخبايا الثقافة الاقتصادية الصينية على ان يكون هذا الجهد المطلوب بالحاح ضمن التفاعل العميق بين الثقافتين المصرية والصينية وجدل الأفكار والثقافات نحو عالم افضل .
فمصر لها ان تتفاعل مع "رياح الشرق الجديد" وان تولى الاهتمام الكافى بالمشروع النهضوى الصينى وتستفيد منه فيما كانت الاستجابة الصينية لتحديات عصر ما بعد انتهاء الحرب الباردة في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي انظار الكثير من المثقفين المصريين والعرب وخاصة مسألة "المرونة الفائقة في التعامل مع المتغيرات" التي انقذت الصين من مآلات الانهيار ومصير الاتحاد السوفييتي الذي امسى في ذمة التاريخ.
وفى سياق اهتمامه غير العادى بمشروع النهضة الصينى- كان المفكر المصري الراحل انور عبد الملك قد لاحظ بحق ان النخب الثقافية الصينية تنأى بنفسها عن المعارك الوهمية حول قضايا لا يعتد بها فى تغيير الواقع بقدر ماتنزع نحو الأفكار المحركة والمغيرة لهذا الواقع معتبرا ان "من واجب العرب وصالحهم التعلم من الصين نموذج التفوق فى التعلم من الواقع وتغييره".
وشأنها شأن الصين فان مصر يهمها رفع معدلات الحداثة مع دعم سيادة الدولة الوطنية ومكافحة الارهاب والتطرف فيما يمكن للدولتين التعاون الوثيق في افريقيا بما يخدم مصالح كل الأطراف وعلى قاعدة ثقافية عامة تجلت في مقولة الرئيس الصيني شي جين بينج: " الحلم لن يتحول الى واقع الا بالعمل".
وواقع الحال ان الثقافة الاقتصادية الصينية تعكس الثقافة السائدة الآن في الصين وهي ثقافة العمل المثابر والجهد الدؤوب و"الواقعية البراجماتية" مع ادراك لأهمية العدالة الاجتماعية للحفاظ على استقرار المجتمع فيما تستدعي اللحظة الراهنة والحافلة بالتحديات العقل الثقافى المصرى للتحليق فى افاق جديدة والتفاعل والاستفادة من دروس التجربة الصينية و"ثقافة هانجتشو الاقتصادية" التي تشكل "لغة الصعود للقمة" .
وهكذا، فان زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للصين هي زيارة مهمة للغاية لأن" الصين القوة السياسية والاقتصادية الكبرى تستحق انفتاحا حقيقيا من جانب مصر على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية" كما ان للبلدين مصلحة مشتركة فى التعاون بينهما.
ها هو المعنى يتجلى وسط حشود الكلمات والصور :معا كمصريين وصينيين نشغل وجه الزمان ومعا نسعى لعالم افضل ونستصلح الربيع الأفضل ونكتب لغة الصعود لتحقيق الأحلام النبيلة..معا نواجه رعد المتاهات وصنوف المؤامرات ونعبر المسافة ما بين الواقع والحلم بكل امتدادات التقدم وألوان الازدهار ووعود الرخاء.