منذ يومين، حلت الذكرى الـ60 لاحتفالات عيد النصر في بورسعيد المصرية، الذي أحيته مكتبة الاسكندرية وحدها، ولم تهتم به كثير من أجهزة الإعلام المصرية والعربية والدولية، على الرغم من أن هذا اليوم يجسد تاريخاً هاماً في الذاكرة المصرية
تاريخاً تلاحمت فيه جموع الشعب، وشكلت من نفسها جبهات شعبية، عوضت انشغال جزء من الجيش المصري في سيناء، الذي تآمرت ضده بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. واحتفلت مكتبة الإسكندرية، بالاشتراك مع مكتبة مصر العامة، بمناسبة 60 عاما على عيد النصر ببورسعيد، الحدث الذي انتصر فيه شعب مصر بفضل مقاومة وبسالة أهالي بورسعيد، الذين صمدوا أمام العدوان الثلاثي في 1956م.
ستون عاماً مرت على هذه الحرب، التي على الرغم من أنها شهدت تحالفاً دولياً على مصر، التي كانت دولة ضعيفة وجمهورية وليدة وقتها، ولكنها سجلت بطولات تاريخية، سيظل الشعب المصري يتحاكى بها طوال سنوات وعقود وقرون، وسيظل أهالي بورسعيد بشكل خاص ينقلونها ويتناقلونها كذكريات خاصة بهم يحفظها أبناؤهم عن آبائهم، ويتوارثونها أباً عن جد. ولكن دعونا نتحدث عن الحرب من منظور آخر، خارجي، بعيداً عن أرض المعركة وبطولاتها، حيث في يوم 24 أكتوبر، وفي الخفاء، وقعت "معاهدة سيفر" للحرب ضد مصر، في إحدى ضواحي باريس، حيث مضى المتآمرون يضعون اللمسات الأخيرة في الخطة "موسكتير"، قبل أن يوقعوا المعاهدة وتحمل ذات الاسم. ونصت المعاهدة على أن تقوم القوات الإسرائيلية بخلق حالة صراع مسلح علي مشارف قناة السويس، لتستغلها بريطانيا وفرنسا كذريعة للتدخل العسكري ضد مصر، وتوفر القوات الجوية الفرنسية الحماية الجوية لإسرائيل، كما توفر القوات البحرية الفرنسية الحماية البحرية للمياه الإقليمية الإسرائيلية.
واتفق المجتمعون على أن تصدر بريطانيا وفرنسا إنذارا مشتركا لكل من مصر وإسرائيل لوقف أعمال القتال والابتعاد عن القناة، مع قبول مصر احتلال منطقة القناة احتلالا مؤقتا، بواسطة القوات الأنجلو فرنسية لحماية الملاحة البحرية فيها.
ولإتمام المؤامرة، تدمر القوات الجوية البريطانية المطارات والطائرات والأهداف العسكرية المصرية، وتحقق السيطرة الجوية في سماء مصر، بينما تدافع فرنسا عن موقف إسرائيل في الأمم المتحدة، بدعم من بريطانيا، التي ستبذل جهودا سرية، لمساندة إسرائيل دون أن تكشف عن ذلك، حتى لا يضار مركزها في الوطن العربي. الهدف كان إسقاط مصر، والعودة من جديد إلى قيادة جزء هام من الوطن العربي، من خلال التحكم في قلبه مباشرة، وبدء عملية التفتيت، التي كانت ضمن مخطط تدمير وتمزيق الكيان العربي، وزرع أجساد غريبة فيه، بخلاف زرع مجموعة من العناصر الطائفية…كلها كانت مخططات تقضي بالزرع ثم الانسحاب، ومن ثم سيدمرون أنفسهم.
هل ترى الآن أي تشابه بين العدوان الثلاثي على مصر، والعدوان الغربي، والعربي للأسف، على سوريا واليمن وليبيا والعراق؟ ألا ترى أن هناك تشابه في الظروف والمعطيات؟ هل تستوعب هذا الكم من محاولات التفتيت والتمزيق؟ كم دولة الآن تشترك في قتل اليمن؟ تحالف دولي غربي وتحالف عربي تقوده دول خليجية، لا ترى هدفاً لها إلا الطائفة الأخرى، التي تخالفها العقيدة، وفي الوقت نفسه لا يشغلها إلا أن تنفي طائفية هذه الحرب… نفس السيناريو يتكرر في سوريا، قوات أجنبية تعادي بعضها البعض ولكنها تتفق على ضرورة زرع الأجساد المتطرفة والغريبة في الجسد السوري، ليتفتت من تلقاء نفسه، ولكن الفارق هنا أن الصمود السوري عطل مخطط التمزيق، فعادوا بجنودهم إلى حيث يمكنهم أن يطلقوا الرصاص مباشرة، وليس عبر وسيط. الجيش المصري والشعب المصري هنا يتشابهان تماماً مع الجيش العربي السوري ومؤيديه ممن يريدون حرية الوطن والمواطن، ويبحثون عن الكرامة الإنسانية، وبورسعيد هنا تتشابه مع حلب الشهباء، التي يريدونها نقطة انطلاق ليس أكثر، وتكون مركزاً لتحركاتهم، وتحركات الإرهاب الذي يدعمونه، ولكن المختلف هنا أن الموقف لا تقوده بريطانيا وفرنسا، بل تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة المصلحة الأولى في ألا تعود سوريا إلى أهلها.
قد نتحدث كثيراً عن التشابه في الظروف، ولكن المؤكد أن الصمود المصري في معركة بورسعيد منذ 60 عاما في 1956، تجلى من جديد في صمود الجيش العربي السوري ضد الإرهاب في 2016، كما أن مؤازرة الشعب المصري لجيشه في بورسعيد تكرر في حلب، والأهم من ذلك، أن روسيا التي وقفت بجوار مصر عبدالناصر ضد العدوان عليها في 1956، تقف الآن ضد العدوان على سوريا بشار في 2016.
والمؤكد أيضا، أننا سنجلس ذات يوم، ويجلس أبناؤنا، متربعون حولنا نحكي لهم عن بطولات أهالي بورسعيد وجيش مصر، وبطولات أهالي حلب وجيش سوريا، في قهر كل من حاولوا تفتيت بلادنا.