لا شك في أن إخوة الميت أقربُ إليه من أولادهم، كما لا شك في أنهم مشمولون للقاعدة المأخوذة من قوله تعالى: {وأولوا الأرْحام بعضهم أوْلى ببعضٍ في كتابِ الله}، وهي القاعدة التي بمقتضاها يجب أن لا يرث ابنُ الأخ إلا بعد فَقْد كلِّ واحـدٍ من إخـوة الميت الذكـور والإنـاث، وإلا كان ميراثـه، حينئـذ، للموجود من إخوته ولو كان لأمه، دون الموجود من أبناء إخوته ولو كان والدهم أخاً للمتوفـى مـن أبيـه وأمـه؛ وإذن، فـإن أولاد الإخوة، بحسب تلك القاعدة يقومون مقام آبائهم وأمهاتهم من إخوة الميت وأخواته عند فقدهم في مشاركتهم للأجداد في ميراث عمهم بمقدار نصيب إخوة الميت على فرض وجودهم.
غير أن جريانها في هذه الطبقة الثانية هو أقل في دقته وصرامته من جريانها في الطبقة الأولى، وذلك لأن النسق الذي وزعت به التركة على الورثة من هذه الطبقة لا يجعل الأبعد منهم مزاحماً دائماً للأقرب، سواءً في ميراث الإخوة وأولادهم، أو في ميراث الجد الأعلى مع الجد الأدنى، كما سيأتي في ميراث الجد، ولذا فإنَّ حَجْبَ الأخ لميراث إبن الأخ إنما يتحقّق في كل موردٍ زاحم فيه ابنُ الأخ ذلك الأخَ الآخرَ في نصيبه الذي كان سيأخذه كاملاً بدون ابن أخيه، وذلك كما في المورد الذي لا يكون للميت فيه إلا إبن أخ لأبوين وأخ لأبيه، فإن تركته جميعها من حيث المبدأ سوف تكون لأخيه هذا بالقرابة، فلو فرض أننا أشركنا معه إبن أخيه هذا الذي هو من الأبوين وأقمناه مقام أبيه المتوفى، فإنه سوف يحرم الأخ من الأب من تمام التركة ويحجبه عنها جميعها، لأن المفترض أنه من الأبوين وذاك من الأب؛ وكذا لو فرض اجتماع أخ لأم مع إبن أخ لأبوين أو لأب فإنه أيضاً سوف يزاحم الأَخَ الذي هو من الأم ويَحرِمه من خمسة أسداس التركة، لأن إبن الأخ من الأبويـن، أو من الأب إذا جعلناه بمنزلة أبيه فإن حكمه عند اجتماعه مع الأخ من الأم، أنَّ للأخ من الأم السُدُس والباقي للأخ من الأبوين، فإذن: لا يمكن توريث إبن الأخ من الأبوين مثلاً مع الأخ من الأب أو الأم، لأنه يزاحم ذلك الأخ فيحرمه: إما من جميع التركة أو من قدر كبير منها؛ وبما أن الأقربين أولى بالمعروف، وبما أنَّ الأخ أقربُ من إبن أخيه فإنه أولى بميراث أخيه منه في كل مورد زاحمه ابنُ أخيه فيه.
وأما إذا أمكن اجتماع إبن الأخ مع الأخ من دون أن يزاحمه فيما هو له، فإنهما يرثان معاً، حينئذ دون أن يحجب الأخ إبن أخيه، ومثاله ما يلي:
إذا اجتمع جد لأم وأخ لأبوين وكان معهما إبن أخ لأم، فإن توريث إبن الأخ للأم في هذه الصورة مع الأخ للأبوين لا يستلزم حرمان الأخ من شيء من حصته المفروضة له، وذلك لأنه كلما اجتمع جد لأم مع أخ لأبوين أو لأب فإن نصيب الأخ هو الثلثان ونصيب الجد هو الثلث، فإذا وَرَّثنا (إبن الأخ للأم) مع هذين فإن حكمه، الذي سيأتي، هو الاشتراك مع الجد بالثلث الذي له، فيبقى نصيب الأخ للأبوين وهو الثلثان على حاله لا يزاحمه فيه إبن الأخ للأم، فيرث إبن الأخ في هذه الصورة مع الأخ رغم أنه أبعد منه، لعدم مزاحمته له.
وخلاصة ما تقدم هي: إنما يُمنع إبن الأخ من الميراث مع وجود إخوة للميت، في كل مورد زاحَمَ فيه إبنُ الأخِ الأخَ الآخر وأخذ شيئاً من نصيبه، فلا يرث إبن الأخ حينئذ إلا بعد فقد الأخ، وأما مع عدم المزاحمة بذلك المعنى المتقدم فإنهما يرثان معاً ويكون لإبن الأخ نصيبُ أبيه الذي كان سيعطى له على فرض وجوده.
هذا، وإذا لم يكن للمتوفَّى إخوة ولا أولادُ إخوة صلبيون (أي: مباشرون) فالميراث لأولاد أولاد الإخوة، وهكذا مهما نزلوا، وذلك بنفس المقياس الذي ذكرناه آنفاً في أن الأقرب يمنع من يزاحمه ممن هو أبعد منه، وإلا ورث معه، كذلك ومن جهـة أخـرى فإن أولاد المنتسب بالأبوين يمنعون أولاد المنتسب بالأب.
إذا فقدَ الميتُ الإخوةَ بالنحو الذي بيناه في المسألة السابقة قام أولادُهم مقامهم في الإرث، وفي مقاسمة الأجداد، وذلك على قاعدة: (أن كلَّ واحد من الأَولاد يرث نصيب من يتقرب به إلى الميت)، وذلك من خلال النموذج التالي:
1 ـ إذا ترك المتوفَّى أولادَ أخٍ أو أختٍ لأم، فلهم جميع التركة: سدس بالفرض والباقي بالقرابة، يتقاسمون المال بينهم بالسوية ولو اختلفوا في الذكورة والأنوثة، وإذا ترك أولاد أخ لأب أو لأبوين فلهم جميع التركة بالقرابة يتوارثون المال بالسوية مع اتحادهم في الذكورة والأنوثة وبالتفاضل مع الاختلاف.
2 ـ إذا ترك أولاد أخ وأولاد أخت لأبوين أو لأب، كان المال بين فريقي الأولاد بالتفاضل: سهمان لأولاد الأخ وسهم لأولاد الأخت، يتقاسم كل فريق منهما المال بينهم على قاعدة التفاضل مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة والتساوي مع الاتحاد فيهما، فإن اتحد أولاد هذا الفريق في الذكورة والأنوثة كان نصيبه بينهم بالتساوي، وإن اختلفوا فيهما فللذكر مثل حظ الأنثيين.
3 ـ إذا ترك أولاد أخ لأم وأولاد أخ لأب، فلأولاد الأخ للأم السدس وإن كثروا، يتقاسمونه بينهم بالتساوي ولو مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة، ولأولاد الأخ للأب الباقي وإن قلُّوا، يتقاسمونه بينهم بالتساوي مع الاتحاد في الذكورة والأنوثة، وبالتفاضل مع الاختلاف فيهما.
وهكذا ينظر في جميع صور اجتماع الإخوة وحدهم أو مع الأجداد ويُجعلُ بدلَ الإخوة أولادُهم، فيعطى في كل صورة لأولاد الإخوة ما كان يُعطى للإخوة على فرض وجودهم؛ ويُجعلُ المقياسُ في تقسيم نصيب كل فريق من الأولاد فيما بينهم نَفْسَ مقياس تقسيمه بين أصولهم، فإذا كان فريقٌ من الأولاد ينتسب إلى أخ لأم فالمال بينهم بالتساوي ولو مع اختلافهم بالذكورة والأنوثة؛ وإذا كان فريق منهم ينتسب إلى أخ لأبوين أو لأب، فالمال بينهم بالتساوي مع الاتحاد في الذكورة أو الأنوثة وبالتفاضل مع الاختلاف فيهما.
خالص تحياتى المستشار سامى مختار خبير تصفية تحركات ومواريث .