"بيوت آيلة للسقوط.. قرية عائمة على مياه الصرف الصحى.. لا يخلو منزل إلا وبه مريض أورام وفشل كلوى ونزلات معوية" تلك كانت رسائل الاستغاثة التي أطلقها مواطني وأهالى منطقة عزبة العسيلى العشوائية التى سقطت من حسابات جميع المسئولين ففيها مياه الشرب لم تكن يوماً نظيفة كما أنها منبع للتلوث لاختلاطها بمياه الصرف الصحى بذلك تكون مصدرا لانتشار مرض الملاريا وتمركز الحشرات والزواحف مما جعلها أيضا منطقة لاحتواء جبال القمامة داخل الأروقة والشوارع الضيقة.
انتقلت "المواطن" لعزبة العسيلى بمنطقة بولاق الدكرور لننقل بالصور آراء الاهالى ما يمرون به من معاناة لا يتحملها بشر كل يوم

تاريخ القرية

عزبة العسيلي تتبع قـرية برك الخيام بمركز كرداسة - محافظة الـجــيزة – مساحتها حوالى 10000 متر وعدد سكانها حوالى 40000 نسمة ويرجع أسم هذه القرية لرجل يدعى العسيلى الموظف الذى كان يتعامل مباشرة مع الفلاحين نيابة عن مالك العزبة المهدى باشا ومن بعده الورثة إبنتيه روحية وفوقية .
وكان الفلاحون يحبونه وينتظرون مروره عليهم وهو يركب الحنطور الخاص به ويوزع عليهم الهدايا والأموال فى المناسبات لذلك مع مرور الوقت نسوا أسماء ملاك العزبة وأطلقوا عليها إسمه.
ومع الاسف فجميع الخدمات معدومة بها وأسقطتها الحكومة من حساباتها وأعتبروها منطقة عشوائية ولم يفكر أى مسئول فى زيارتها أوالمرور بشوارعها الضيقة خوفاً من السقوط فى مياه الصرف الصحى التى أغرقتها طوال العام وقتلت الكثير من أطفالها وللرائحة الكريهة المنبعثة منها.

الغرق فى مياه الصرف الصحي

في البداية تقول زينب على، بائعة خضروات، أن العزبة بأكملها عائمة فوق الصرف الصحى والبيوت آيلة للسقوط رغم أنه من المفروض ان الحكومة قامت بتطوير مشروع الرشاح الوحيد بالقرية منذ عام 2006 وانتهت منه فى عام 2008 ولكنه لم يبدء العمل به حتى الآن لأسباب لا نعلمها وبعد الثورة تركت شركة النصر للمقاولات ومالكها حسن علام المسئولة عن المشروع اللودر فى مكانه بعد تلفه ولم تكمل مهمتها رغم حصولها على كافة مستحقاتها المالية.
وأضافت: أصبح الرشاح ممتلئ على آخره طوال الوقت ولا تأتى عربة نزح مياه الصرف الصحى إلا كل أسبوعين كى تحصد من كل صاحب شقة أو محل 40 إلى 70 جنيه فقط وتركت الشوارع الضيقة غارقة فى مياهها بل وأقتحمت منازلنا واغرقت الاثاث والسجاد وأتلفته .
وتابعت: اضطررنا بالجهود الذاتية لردم مياه الصرف الصحى وعلى نفقتنا الخاصة حتى نستطيع المرور لمنازلنا وكأنه علينا أن نصل إليها بمراكب وخاصة فى فصل الشتاء حيث يبلغ عمقها 50 سم وتسببت فى تآكل الحوائط والجدران.
وليس هذا فقط فقد وقع عشرات الأطفال غرقى فى مياه الصرف الصحى ولقوا مصرعهم لذلك لا نتركهم بمفردهم مطلقاً
وألقي جمال ابو الفتوح، تاجر، بأصابع الإتهام علي المسئولين في الإهمال وعدم المراقبة الأمنية فالرشاح الوحيد بالقرية أصبح بعض الأهالى من خارج القرية يلقون به كل شىء ليخفون به جرائمهم فقد عثرنا من قبل على أشلاء عشرات الجثث الأدمية وما زالت مقيدة ضد مجهول وبالإمس انبعثت رائحة كريهة جداً من الرشاح وفوجئنا بأن الاهالى ألقوا به جاموستين بعد اصابتهما بالحمى القلاعية وعلينا أن ننتظر من يخرجهما بعد أن زاد منسوب مياه الصرف الصحى بالعزبة.

مياه شرب ملوثة بالصرف الصحى

فيما قال محمد رمضان، عامل، إن الحكومة تعلم جيداً اننا نشرب مياه ملوثة بمياه الصرف الصحى بعد أن قام مسئولين بوزارة الصحة بتحليلها وأكدوا أنها لا تصلح مطلقاً للشرب ونسبة مياه الصرف الصحى 95 % ومع ذلك أكدوا لنا أنهم لا يملكون أن يفعلوا شىء بعد أن أسقطتنا الحكومة من حسابتها واعدتنا منطقة عشوائية لا تستحق الإهتمام أو حتى الشعور بمعاناة سكانها.
وتشير أم احمد في أسى واضح لقد أكلت مياه الشرب معدتنا واصابتنا بأمراض خطيرة ونزلات معوية واصيبت ابنتى بمرض ورم فى النخاع الشوكى منذ اربع سنوات وتعالج بالكيماوى ولا أمل فى شفائها لانها لازلت تشرب مياه الصرف الصحى وليست مياه شرب نظيفة.
وزوجى أرزقى لا يملك أن يحصل لنا على حجرة صغيرة ايجار جديد ولا نملك سوى البقاء فى هذا المكان المشئوم حتى تتذكرنا الحكومة وتلبى استغاثاتنا.
وقالت هند عيد، ربة منزل، إن ماسورة مياه الشرب الرئيسية فى العزبة متأكلة وبها وصلة بمر بالرشاح مكسورة لم يتم إصلاحها منذ اربع سنوات وعندما يرتفع منسوب مياه الصرف الصحى بالرشاح تصل لماسورة مياه الشرب وتتسرب بداخلها فتصل لنا المياه ملوثة ونضطر للخضوع لتجار مياه الشرب الذين يبيعون لنا جركن المياه الصغير بجنيه ونصف وزوجى أرزقى على باب الله يكاد يجد ثمن الطعام لنا فهل نطالبه بميزانية اخرى لمياه شرب نظيفة؟

صعق الكهرباء وانقطاعها

وتضيف وداد السيد، ربة منزل قائلة "أما الكهرباء فهى أزمة لا تنتهى بالنسبة لنا لأنها حصدت أرواح الكثير منا وصعقتهم وقبل أن أتحدث عن ازمة الكهرباء فعليناً اولا أن نوضح طريقة توصيل الكهرباء بالقرية فهى هوائية وليست أرضية ما عدا شارع واحد فقط فى عزبة العسيلى هو شارع يسرى حسن ولأسباب لا نعلمها نحن يعد هو الشارع المؤمن من الموت صعقاً بالكهرباء فضلا عن ارتفاع أسعار الفواتير.
بالإضافة الى ان مياه الصرف الصحى تحيط بجميع أعمدة الكهرباء وتشكل خطورة شديدة على كل من يقترب منها واكتفت الحكومة بأن ترفعها فوق حجارة طولها 50 سم ومع ذلك تصل لها مياه الصرف الصحى .
أما عن كابلات الكهرباء فهى أيضاً رديئة وتحترق كل شهر مرتين على الأقل وبالتالى فلا يمكننا ان نستعمل الأجهزة الكهربائية نهائياً لأنها تحترق بمجرد البدء فى استخدامها
ومعظم المنازل بلا عدادات كهرباء ومباحث الكهرباء تفرض علينا غرامات لا تقل عن 500 جنيه كل 3 شهور.

خدمات معدومة

يقول سعيد محمود، 75 عام، أنا هنا منذ بداية الثمانينات والخدمات معدومة هنا فى عزبة العسيلى فلا يوجد سوى فرن واحد لا يعمل سوى ساعة واحدة ويقوم بتهريب الدقيق المدعم ولا يبيع لنا سوى العيش الذي لا يصلح إلا علف للحيوانات والدواجن فنضطر لشراء رغيف العيش من خارج العزبة وسعره لا يقل عن 25 قرش.
ولا يوجد وحدة صحية بالعزبة وإذا مرضنا نضطر للذهاب الى أقرب وحدة صحية لنا والتى تبعد ألاف الامتار عنا وقد نموت فى الطريق قبل أن يتم اسعافنا من حادث أو مرض مفاجئ، وكذلك لا يوجد مدرسة واحدة بالعزبة سواء ابتدائى أو اعدادى أو ثانوى ونضطر للذهاب كل يوم مع ابنائنا حتى نصل بهم لمدارس تبعد عنا ألاف الأمتار أيضاً .
ولا يوجد لدينا صناديق جمع قمامة ونضطر لجمعها بأنفسنا ووضعها بجوار الرشاح ربما تأتى سيارات جمع القمامة وتبعدها عنا لكنها تتركها لأسابيع وأصبحت كالجبال ومصدر لمرض الملاريا الذى انتشر بين الأهالى واكتفت الحكومة بإعطائنا علاج للمرض دون أن تبحث لنا عن طرق للوقاية منه .
أما المواصلات والطرق فهى كارثة حقيقية فجميع الطرق مردومة بالقمامة والأتربة حتى تغطى مياه الصرف الصحى وغير صالحة للمرور وحتى نصل الى هنا نحتاج لخمس مواصلات على الاقل بعد أن رفضت الحكومة السماح للأتوبيسات والمينى باص المرور الى هنا بعد الثورة ونضطر للخضوع لطمع سائقى التاكسى والتوك توك الذين يغالون فى سعر الأجرة .
أما المسجد الوحيد فى العزبة فهو مسجد الدكتور سعيد صواب وهو دكتور كفيف يعشق اعمال الخير وقد بنى هذا المسجد على أفضل طراز لكن مع الأسف لم يدخله مصلى واحد منذ الانتهاء منه فى عام 2009 لإحاطة مياه الصرف الصحى له من كل جانب .

الانفلات الأمني

قال مؤمن خليفة محمد، سباك، إنه منذ أحداث الثورة ونحن نعانى من الانفلات الأمنى بشتى أنواعه وان كان العرب بالمنطقة يحاولون حل أزمتنا بالطرق الودية دون اللجوء لقسم كرداسة التابعين له.
لكن مع الاسف بسبب الحالة الإقتصادية التى نمر بها سعى بعد الاهالى للثراء السريع وأصبحوا تجار مخدرات ويمارسون أعمالهم الإجرامية فى النهار ولا يستطيع أحد الإقتراب منهم أو الاعتراض عليهم لأنهم يحملون الأسلحة البيضاء والنارية طوال الوقت.
وقد أنهى الأهالى لقاؤنا معهم بهذه الكلمات البسيطة المعبرة عن معاناتهم قائلين: احذروا الثورة القادمة فلن تكون ثورة جياع بل ستكون ثورة مرضى ومعدمين".