حالة من الغضب تجتاح فلاحي محافظة البحيرة، فقد إستنفذ هؤلاء الفلاحين كل الوسائل المتاحة أمامهم، لحل أزمة باتت تهدد حياتهم إثر ضرب العطش لأراضيهم بمدن ومراكز المحافظة، وقدم فلاحو البحيرة الشكاوى للمسئولين بالمحافظة ولم يتركوا مسئولًا إلا وطرقوا بابه، وسط تجاهل لشكواهم، التي ظهرت بوضوح منذ بدء التجهيز لزراعة محصول " الأرز- الذرة" وباتت تلك الأزمة تهدد ببوار مئات الأفدنة، فعطش الأرض أصعب مما يمكنهم تحمله، فبات مصدر رزقهم الوحيدًا في مهب الريح.

وتبقى أيقونة المخرج الراحل يوسف شاهين الكبرى والعلامة المسجلة في تاريخ السينما المصرية هي فيلم "الأرض"، عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي، الذي استعرض حياة الفلاحيــن بكامل تفاصيلها الدقيقة بصورة لم يسبق تقديمها من قبل، فشخصية محمد أبو سويلم هي صورة من كل فلاح مصري يعشق طين هذه الأرض، ويتحدى الدولة التي تخفض نوبة المياه من عشرة أيام إلى خمسة أيام، ويراها غير كافية لري عطش الأرض، يتحدى محمود بيه الإقطاعي الذي يرغب في تبوير الأرض لإنشاء سكة زراعية تلتهم أرض محمد أبو سويلم ومعه فلاحون آخرون، فيقف في وجه السلطة التي ترى الفلاح هامشيًا ومخلوقًا لإرضاء نزوات الكبار.

وكما قدم حسين كمال مشهد الأرض العطشانة في "شيء من الخوف"، قدم يوسف شاهين أروع مشاهد السينما على الإطلاق حين تقتحم السلطة أرض أبو سويلم في أثناء جني القطن ويُربط من أقدامه في الخيل لتجره لكنه يتشبث بالأرض وتسيل عليها دماؤه وينشب فيها أظافره علها تنقذه، فتلك الأرض هي حاضره ومستقبله وحياته.

وتناولت السينما المصرية الفلاح بتنميط وسطحية، وظل الفلاح المصري مجرد شخصية هامشية في السينما من خلال بعض الأدوار المساعدة داخل أحد القصور الموجودة في الريف، والتي تدور فيها بعض أحداث تلك الأفلام، أو مجاميع تظهر في الخلفية دون أن يكون لها أي دور في مجريات الأحداث، إلى أن جاء فيلم "زينب"، عن رواية محمد حسين هيكل، الذي يستعرض حياة فلاحة بسيطة وقعت في قصة حب، وأرغمتها التقاليد على الزواج من رجل آخر، والفيلم لا يتعرض لحياة الفلاحين بصورة عميقة، ولكن صانعيه أرادوا اختيار أجواء رومانتيكية تدور فيها قصة حب شبيهة بالروايات الفرنسية، فوقع الاختيار على الريف المصري، لكن ما يُحسب له أنه استعرض بعض العادات الريفية.

ربما تلك المشاهد التى جسدتها السينما المصرية وغيرها، تجسد صورة الفلاح بين طين الأرض يحيا ويموت في اليوم الواحد ألف مرة، تنمو أحلامه على شواشي الزروع ناثرةً في داخله الأمل، تنزلق حبات العرق على جبينه تحت وهج شمس لا ترحم، لكنه يتشبث بالأرض مهما كانت التحديات، ينتظر أن يمد إليه أحد يد العون، ولكنه يظل دومًا على الهامش، لا يلقى إلا الوعود، وتبقى مشكلاته إلى الأبد مهما علت صرخاته بلا حل.

الصور العديدة التى نقلها الفن السابع عن الفلاح باتت تظهر من جديد، ليظهر اهتمامه وتشبثه بالأرض، فمزارعو قرى محافظة البحيرة، طالبوا بتطهير الترع، التي يعتمدون عليها فى رى أراضيهم، من ورد النيل والطمي، خاصة ترعة "أبو دياب" بايتاى البارود، حيث أنها تمتلئ بالطمي، وترتد المياه الراكدة فى الترع إلى الأرض، مما يتسبب فى موت المزروعات.

وأوضح الأهالي لـ"المواطن" أن العام الماضي شهد نقصًا كبيرًا في كميات المياه، أدى ذلك إلى جفاف مساحات من الأرض الزراعية وبوارها من المحصول بعد أن قاموا بزراعة المحاصيل.

وأشار أهالى قرية عرقوب التابعة لمركز أبو المطامير بالبحيرة إلى إستمرار مأساتهم مع المياه، التى تهدد ببوار ٨٠٠ فدان عقب إغلاق المغذي الحربى بالنوبارية الذى تم افتتاحة عام ٢٠١٤.

وقال حمدى أحمد، أحد الفلاحين في مدينة إيتاى البارود: "بيوتنا اتخربت ودرجة الحرارة مستمرة فى الارتفاع، ونطالب المسئولين بالالتفات إلى هذه المشكلة قبل أن تتسبب في فساد المحصول فى المواسم المقبلة".

وقال عادل عبدة، مزارع :"نحن نعاني من غش التجار للبذور والمبيدات الزراعية"، مشيرًا إلى نقص الأسمدة في الجمعيات الزراعية وعدم ثبات التجار على سعر المبيدات، وقلة الرقابة على الجمعيات والتجار.

بدورها أكدت المهندسة نادية عبدة، محافظ البحيرة، على أنها قامت فى الفترة الآخيرة بمخاطبة وزارة الري لسرعة حل آزمة مياه الري بالمحافظة، وتشديد الرقابة على الأسواق بشن حملات مكثفة لضبط الأسعار، موضحة على العمل على  حل مشاكل مزارعي محافظة البحيرة وتوفير متطلباتهم.

وأعلن المهندس سمير الحلاج، وكيل وزارة الزراعة بمحافظة البحيرة، فى بداية شهر أغسطس عن الانتهاء من إضافة 227 ألف فلاح لمشروع "الكارت الذكي"، بعد استيفاء ومراجعة الاستمارات الخاصة بهم من خلال وزارة الإنتاج الحربي.

وأضاف، "الحلاج" أنه تم تسليم 281 ألف استمارة للحائزين، من حوالى 3 أشهر، كمرحلة أولى من واقع سجلات الجمعيات، وقال إنه تم إضافة 227 ألف حائز منهم للمشروع، ومن المقرر أن يتم تسليمهم الكارت خلال احتفالات عيد الفلاح، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي".

وأوضح أن عدد الحائزين بالمحافظة يبلغ 385 ألفا و808 حائزين بإجمالى مساحة 647 ألفا و615 فدانا بنطاق 402 جمعية زراعية في مراكز المحافظة.

وأكد أنه جار استيفاء بيانات باقي الحائزين، وإضافتهم لمشروع كارت الفلاح، الذي يسهم فى حصول المزارع على مستحقاته من أسمدة وقروض، من خلال بنك التنمية، بالإضافة لنقل الحيازة والعديد من الخدمات الأخرى التى سيتم إضافتها عقب تفعيل الكارت.