"بلفور".. وعد من لايملك لمن لايستحق.. واجهه السلطان عبد الحميد منذ 100 عام وأبناء فلسطين يقاومونه الآن
السبت 28/أكتوبر/2017 - 05:44 م
عواطف الوصيف
طباعة
يظن البعض أن أزمة فلسطين، بدأت منذ عام 1948، حينما فوجئ الفلسطينيون، بقوات الإحتلال الإسرائيلي، وهم يقتحمون منازلهم، يهدمونها ويبيحون لأنفسهم، حق انتهاك حرمة الأرض والعرض، لكن من يريد أن يعرف حقيقة هذه المأساة عليه، أن يعود لأصولها وأن يدرس سببها، حيث كانت منذ 1917،؟، إنه وعد بلفور.
استمرار المقاومة الفلسطينية:
ربما قد انطوى على وعد بلفور مائة عام، لكن لم تنطوي المقاومة الفلسطينية، فهي مستمرة حتى هذه اللحظة، وسبقهم في ذلك السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، فوفقا للتاريخ أعرب السلطان عبد الحميد، عن إعتراضه على هذا الوعد، ووقف ضده قبل تحرك اليهود إلى أرض فلسطين، وهو ما أجمع عليه كافة المؤرخين والسياسيين الفلسطينيين، علاوة على ما أكده أحد المسؤولين الإعلاميين في حركة حماس والمعروف ب" رأفت مرّة".
شهامة سلطان عثماني:
في محاولة لتوضيح موقف، السلطان العثماني، عبد الحميد، من القضية الفلسطينية، سنستعيد أهم ما سبق أن رواه رأفت مرة، أحد ممثلي حركة حماس، والتي تؤكد أنه هذا السلطان العثماني، كان رافضا مبدأ الدولة اليهودية تماما، فقد قال مرة، إن العرب أجمعوا على أنّ الوحيد الذي وقف ضد المشروع الصهيوني الاستيطاني هو السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
وعلى الرغم من المغريات المادية الكبيرة والحوافز التي عرضت عليه، فإن عبد الحميد رفض بيع فلسطين أو السماح بهجرة اليهود إليها، مقابل سداد ديون الدولة العثمانية بشكل كامل، وفق مرّة.
من لا يملك لمن لا يستحق:
ليس هذا مجرد تكرار لشعار يستخدم منذ فترة طويلة، لكنه حقيقي، جدا فقد قرر وزير الخارجية البريطاني أرثر جيمس بلفور، حينها وتحديدا عام 1917، قرار، بتشكيل وطن قومي لليهود، على الرغم من أن بلاده لم تكن أكثر من مجرد دولة محتلة لفلسطين، فقد كان لا يملك حق إتخاذ أي قرارات، ومع ذلك وهب فلسطين وكأنها هدية لمن لا يستحق، حفنة من اليهود.
السبب وراء وعد بلفور:
الأسباب التي يوردها بعض المؤرخين لتفسير إصدار بريطانيا لوعد بلفور، فهناك نظرية مفادها أن بلفور قد صدر في موقفه هذا عن إحساس عميق بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لليهود، ولذلك، فإنه كان يرى أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التاريخية، ولكن من الثابت تاريخياً أن بلفور كان معادياً لليهود، وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة البريطانية بين عامي 1903 و1905 هاجم اليهود المهاجرين إلى إنجلترا لرفضهم الاندماج مع السكان واستصدار تشريعات تحد من الهجرة اليهودية لخشيته من الشر الأكيد الذي قد يلحق ببلاده.
ضحايا إرهاب الإحتلال الإسرائيلي:
100 عام وفلسطين تنزف، قرن من الزمان، وأبناء أولى القبلتين وثالث الحرمين يشهدون أهوالا، من قتل وذبح وانتهاك للأعراض من ممثلي قوى احتلالية غاشمة، ومن الصعب أن رصد عدد ضحايا هذا الوعد من أبناء فلسطين طيلة المائة العام، لكن إذا وقفنا عند الإحصائيات التي أجريت قريبا، سنعرف أن عدد الشهداء من الفلسطينيين وقبل 2015 فقط يصل حوالي إلى 12.4 مليون نسمة، كما تم تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم للدول المجاورة، بعدما سيطر الإسرائيليون بعد النكبة على 774 قرية ومدينة، علاوة على تدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، فضلا عن ارتكاب أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، ما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة فقط، بحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني، لننتبه أن هذه التقديرات لإحصائيات أجريت قبل عامين فقط، فماذا سنرصد إذا في حال عمل دراسة لكل ما شهدته فلسطين منذ 100 عام.
بريطانيا راعية للإرهاب:
تعد بريطانيا راعية أولى للإرهاب والعنف، وليس هذا تجنيا، أو تعصبا عربيا لأنها الدولة التي خرج من جعبتها وعد بلفور المناصف لليهود، لكن لأنها لا تريد أن تعترف بخطئها بل ولا تزال تصر على ممارسة عملياتها الاستفزازية، والدليل على ذلك ما قالته رئيسة الوزراء البريطانية، "تيريزا ماي"، فبدلا من أن تنتهز أن هذه هي الذكرى المئوية لوعد بلفور، وتقدم اعتذار عن ما أصدرته بلادها من قرارات سببت معاناة للشعب الفلسطيني، وأكدت دعم بلادها المطلق لفكرة الاحتلال والتمييز العنصري ومحو الهوية العربية، وتتباهى فى دعمها للمحتل وتفخر بمساندته على اغتصاب أرض وتهجير شعب، وتعطيه الضوء الأخضر فى ارتكاب المجازر وسفك الدماء وانتهاك المقدسات، وبعد ذلك تنادى بالسلام، فانطبق عليها المثل العربي القديم "إن لم تستح فافعل ما شئت".
الخلاصة:
وعد بلفور كان منذ مائة عام، لم يكن مجرد قرار، تم اتخاذه في لحظة مفاوضات دبلوماسية، فقد كن الغرض منه طمس الهوية العربية ومحو تاريخ فلسطين، ولا شك أن ما تشهده الآن أولى القبلتين وثالث الحرمين من عمليات إجرامية على يد قوى الإحتلال، مرفوض إنسانيا قبل أن يكون سياسيا، لكن ما لن تتمكن إسرائيل من فهمه، هو أن المقاومة لن تموت وستظل صامدة، حتى تشهد فلسطين فجرا جديدا، هي تنعم باستقلالها بعد أن تكون قد تخلصت من كل أشكال السطو الغاشم.