بوابة المواطن تقدم "كواليس بنات وسط البلد".. "الجزء الأول"
الأحد 07/يناير/2018 - 01:12 ص
رانيا منسي
طباعة
لملمت حقيبتها المبعثرة بعد دقات الساعة الواحدة صباحًا، تسللت إلى أول سيارة تقل خفافيش الليل إلى تلك النداهة، كما يطلق عليها جيرانها من أمهات الشباب الباحثين عن فرصة حياة، بعد الخروج من بوابة المدينة تنفست الصعداء، أغمضت عينيها وراجعت مشاهد من الأبيض والأسود لليلة التي لم تمر بعد.
رأت نفسها تتثاءب باكرًا على غير عادتها، أمام والدها الملتحي الذي كان يقرأ جزءًا كاملا بعد صلاة العشاء، وأمها التي ارتدت خمارها ممسكة بالمصحف وتتابع ما يقرأه الأب، فنظر لها الأب شذرًا، فتدّعي التماسك عن التثاؤب.
بمجرد أن انتهي الأب من تلاوته ذهبَت سريعًا إلى غرفتها، خلعت حجابها، أظلمت غرفتها وتركتهم يظنون أنها غارقة في نومٍ عميق، ترقبت حتى أن ساد السكون المنزل، أخرجت ما خبئته عن والدتها من جهاز عرسها المخزّن، دسته في حقيبة سوداء تستطيع حملها بجسد نحل وبره الضرب والعقاب الدائم من أبويها، حتى بعدما أنهت دراستها بكلية العلوم منذ خمسة أعوام مضت.
ارتدت بنطلونها الجينز وتي، شيرت أحمر وكفّنت نفسها بإسدال أسود، وقفت أمام المرآة متأملة ملامحها، أخرجت قلم الكحل ورسمت عينيها بكحل زاد من عينيها اتساعًا، لونت شفاهها بالأحمر الخفيف، ابتسمت في خبث لمن تراها في المرآة وارتدت نقاب أسود يخفي بشرتها القمحية.
قطع مشاهد ذكرياتها بصوت أحد الراكبين:
- "الأجرة يا حاجة".
زفرت بملل وأخرجت من حقيبة يدها ما طلبه السائق دون جدال، وعادت لذكرياتها المتداخلة عن جارات أمها وحديثهن عن أبنائهن.
صوت أم حسين يتردد في صوتها:
- "المترو خطف الواد مني قالولي أنه داخ على رصيف المدعوء ده فوق ومات.. قلتله كتير انت ضعفان وصحتك في النازل".
وتكمل الأم الصراخ على فقدان وحيدها، ذلك الصراخ المفزع، الذي أشبه بصراخها عندما كانت تتلقى الصفعات.
كانت هـ. أ. راغبة في أن تخرج لمجال العمل بالمدينة المركزية، ولكن دائما ما كان يُقابَل طلبها بمشاجرة من طرف واحد وهو أبوها الذي يبدأ صفعاته وركلاته وسلسال لا ينتهي من أسوأ الشتائم التي لا تحتملها الأذن، واتهامها بالانحلال فكيف لشيخ قدير يسمح لابنته الخروج عن داره دون زوجها بل والسفر لبلدة أخرى وحدها.
هربت من كل هذا البؤس المتراكم بقلب الأمهات، فتفتح بوابة الذكريات لخطاباتٍ أرسلها لها حبيبها، ذلك الشاب الأسمر زميلها بالجامعة والذي لا يعيش بنفس المحافظة، وذلك بعدما انتهت دراستهما وذهب كغيره إلى القاهرة تلك المدينة الواسعة حيث اشتغل بإحدى المصانع الكبرى كيميائي، واستطاع أن يجد إحدى الفرص في سوق العمل بعد رحلة شاقة دامت لسنتين.
غاصت في نوم خاطف حتى وصلت العربة إلى موقف عبود.
يتبع..