محمد نجيب.. حكاية رئيس غفله التاريخ
الثلاثاء 20/فبراير/2018 - 06:14 م
سارة منصور
طباعة
عُرف مناضلًا وثائرًا وصاحب الصوت الجهور بكلمة الحق، فهو وجه الثورة الأول، وأول رئيس لجمهورية أسقطت الملكية من على كرسي العرش الممتد، بداية من محمد علي حتى الملك فاروق الأول، وكانت عبارته الخالدة "بريطانيا تحتل مصر وليست حاكمة لها"، مما سبب كرهه من الإنجليز.
ولعل المذكور هو أكثر من تعرض للظلم السياسي من قبل الثورة المصرية، فكان قائدها اسمًا ورئيسها شكلاً، ومحطة إلى تدشين الجمهورية، كما شهدت الأحداث التي ألقت بها تحت الإقامة الجبرية لمدة 27 عامًا فيما بعد.
وعلى الرغم من حالة الجدل التي أثارها محمد نجيب تاريخيًّا، من حيث تحليل البعض لاستقالته بدور محدود ومخطط له مسبقًا واتهام البعض الآخر لقيادات الثورة بظلمه، فإن محمد نجيب من أعلام التاريخ الذي لا ينكر فضلهم أبدًا.
قيادة الضباط الأحرار
كان تشكيل تنظيم الضباط الأحرار خطوة مهمة في تاريخ الجيش ومن ثم الثورة، فمنذ بداية تشكيل التنظيم، ووقتها قررت الرتب الأكبر بالتنظيم الاستعانة بشخصية تحمل رتبة كبيرة وذات سمعة طيبة لتعطيهم ثقلًا داخل الجيش ولإقناع الشعب فيما بعد بجدية التنظيم، ومن ثم استقر الأمر على تولية اللواء محمد نجيب قيادة التنظيم وساعد اسم نجيب في استقطاب الكثيرين في الجيش إلى تنظيم الضباط الأحرار؛ نظرًا للاحترام الذي كان يحظى به وسط مرؤوسيه.
عامل لإنجاح الثورة فقط
وتشير كتب التاريخ إلى أن اسم محمد نجيب ومكانته الرفيعة داخل الجيش، كانت عاملاً في إنجاح ثورة الضباط الأحرار، فهو الذي سرّب إليهم خبر اكتشاف تنظيمهم وحثّهم على الإسراع بتنفيذ الخطة التي شارك في وضعها، من دون تحديد موعدها، إلا أن شهادات بعض أعضاء تنظيم الضباط الأحرار تتفق على أن نجيب لم يكن يعرف تاريخ الثورة حتى قبل اندلاعها بثلاثة أو أربعة أيام.
وتشير بعض الشهادات التاريخية إلى أنه عقب تحديد ساعة الصفر في فجر يوم 23 يوليو والانطلاق، كان نجيب في منزله، وكانت المرة الأولى التي يبلغه فيها عبد الناصر بقيام تنظيم الضباط الأحرار بالسيطرة على البلاد.
نجيب رئيسًا
وعقب نجاح الثورة شكل محمد نجيب مجلس الوزراء، وكان عبد الناصر وزير الداخلية في تشكيلته الحكومية، ثم صار رئيسًا للجمهورية في 18 يونيو 1953، بعد قرار إلغاء الملكية وقيام الجمهورية.
بداية الخلاف مع تنظيم الأحرار
جاء أول الخلافات بين محمد نجيب وتنظيم الضباط الأحرار في انفراد محمد نجيب وحده بزمام السلطة، وعدم اتباع مبدأ المشورة، كما اتفق من قبل، ولكن الرئيس رفض هذا الأمر، وطالب بممارسة سلطاته كاملة، فكانت بداية الخلاف مع مجلس قيادة الثورة.
ويحكي محمد نجيب في كتابه "كنت رئيسًا لمصر" أن نفوذه بدأ في التزايد في مصر والسودان في ذلك الوقت، مما أدخل الشك بينه وأعضاء مجلس قيادة الثورة، ولاحظ أنهم بدأوا يعقدون اجتماعاتهم دون دعوته، وإذا حضر عن طريق الصدفة أي اجتماع توقفوا عن الحديث وغيّروا الموضوع، حتى وصل الأمر إلى عقدهم اجتماعات خارج مقر المجلس.
أبرز محطات الخلاف
كانت أبرز خلافات محمد نجيب مع قادة الثورة في ذلك الوقت، تتمثل في تدخل مجلس قيادة الثورة في شتى أمور الحكم، التى تمثلت في عدد من القرارات التي صدرت رغمًا عن إرادته، وأبرزها ترقية عبد الحكيم عامر من رتبة صاغ (رائد) إلى لواء وتعيينه قائدًا للجيش، بما يتعارض مع أعراف المؤسسة العسكرية، كما عارض نجيب عدم حل جماعة الإخوان المسلمين ضمن قرار حل الأحزاب السياسية، وتأتي أبرز الخلافات في إعادة الجيش إلى الثكنات وتحويل الحكم إلى حكم مدني.
الاستقالة
ومع ازدياد حدة الخلافات بين نجيب ومجلس الثورة، قدم استقالته في فبراير 1954، حيث كانت الاستقالة من جميع المناصب التي يتولاها، وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس قيادة الثورة ورئاسة الوزراء. وبعد موافقة مجلس الثورة على استقالة نجيب، اندلعت تظاهرات شعبية في مصر والسودان طالبت بعودته، ليعود مرة أخرى مع صلاحيات أكثر، وأصبح أقوى مما كان في البداية.
نجيب واغتيال عبد الناصر
جاءت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954 لتشعل الخلاف بين عبد الناصر ومحمد نجيب، حينما أُطلقت عليه ثماني رصاصات دون أن تصيبه، تم على إثرها اتهام أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة اغتيال عبد الناصر، وحُكم بالإعدام على سبعة منهم، كما وجهت أصابع الاتهام لنجيب بالتخابر مع جماعة الإخوان المسلمين، وفي 14 نوفمبر 1954، أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا بإعفائه من رئاسة الجمهورية، وتحديد إقامته بفيلا المرج خارج القاهرة، وحرمانه من حقوقه السياسية مدة عشر سنوات.
الإقامة الجبرية
ومن وقتها تم وضع محمد نجيب قيد الإقامة الجبرية حتى عام 1971، ولم يتم وضع اسمه في كتب التاريخ المدرسية، إلا في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي أسكنه في منزل تابع لرئاسة الجمهورية، ووضع اسمه في متحف مجلس قيادة الثورة، إلى أن وافته المنية في 28 أغسطس 1984، وودعته مصر في جنازة عسكرية كما يليق بأول رئيس لجمهورية مصر العربية.