يا بني اركب معنا
لطالما استوقفني هذا النداء من نبي الله نوح عليه السلام لابنه.. ذلك النداء الذى غلب عليه شعور الأبوة وهو يناجيه يا بني، أي شعور وأي الم كان يعتصر قلب نبي الله نوح وهو ينادي ابنه!!
إنه الأب، مصدر الأمان والعطف، منذ أيام وجهت سؤالا إلى اصدقائي على مواقع التواصل الاجتماعي، متى تشعر بأن ظهرك قد كسر؟؟
وكانت الاجابات كلها بلا استثناء، "حين أفقد أبي"
لطالما كان الأب هو صمام الأمان لأى أسرة.. يعمل ويكد من أجل أبنائه، وكى لا يشعر أحدهم بالنقص او الاحتياج.
قابلت، ذات مرة، رجلا بلغ من العمر أرزله، ولا يزال يسافر للعمل بالخارج فانتابني الفضول لأسأله، لماذا يصر على الغربة والعمل بالخارج..ألم يكتفي حتى الآن؟
نظر الي مبتسما وكأنه كان ينتظر السؤال ليجيبني، لدي الكثير من الأموال وقد اشتريت لكل من ابنائي شقة مستقلة بمكان راق وكل منهم يمتلك سيارة خاصة واتموا دراستهم جميعا وحصلوا على مؤهلات عليا لكنني ما زلت اشعر بالتقصير نحوهم.. أود أن أؤمن لكل منهم مستقبله وان أودع لكل منهم مبلغا كافيا لتأمين مستقبله إذا دارت عليه الدنيا بعد رحيلي..
لم اتمالك نفسي لمقاطعته، يا سيدي لقد فعلت كل ما يجب عليك فعله نحوهم، ماذا يريدون غير ذلك!
ابتسم الرجل، لو كنت أبًا لوعيت ما أقول.. فقد عانيت الأمرين من أجلهم وسأظل ابذل ما في وسعى حتي آخر نفس في صدري كي احميهم من تقلبات الزمن وصروف الليالي، لقد ذقت الفقر يوما ولا اريد ان تدور على ابنائي الدوائر ويتجرعوه مثلي.
هكذا الأب.. في كل منزل ستجده هناك، وتد يتشبث به الجميع خوفا من الضياع، لن يحنو عليك سواه ولن تحتمي بأحد غيره، حين شرعت في كتابة هذا المقال تذكرت جملة سريعة قالها لي احد البائعين يوما، لكنها لا تزال تتردد في اذني، حين سألته "لماذا ملابس الاطفال غالية ومبالغ فيها ولا تتهاونون في سعرها؟.. اجابني بابتسامة العالم ببواطن الأمور، البائع يعرف جيدا أنه مهما كانت حالتك المادية لن تبخل على ابنك وربما تبخل على نفسك، اما ابنك فلن تنهره ولن يطاوعك قلبك على رفض طلب له اذا تعلق قلبه بلعبة او قطعة ملابس وربما تقترض لتشتري لابنك وتؤثره على نفسك"
أما الام فلا يسعنا ألف مقال كي نعطيها حقها، وقد سبقنا آخرون على مر العصور بقول ما يليق بأمهاتنا، فكلمات اللغة قد لا تسعفنا فى منحهن حقوقهن علينا، فإذا كان الأب صمام الامان والوتد، فالأم دائما مصدر الحب والحنان، وهي من تسترت على جرائمنا الطفولية وكتمت أسرارنا، هي من باتت ليلها راكعة ساجدة الى ربها تسأله النجاح والتوفيق والسداد وسعة الرزق، هى سهامنا التي نضرب بها اعناق اعدائنا في الليل دون ان ندري، هي منبع العطاء دون مقابل، من بمقدورها ان تكون أبا وأما حين تفقد شريكها وتتكفل بأبنائها، وهناك في كل شارع وكل قرية، نموذج لامرأة تقوم بهذا الدور، تعمل وتكد وتكافح، بل وتقاتل من اجل ابنائها ولا تكل ولا تمل ابدا ولا يهزمها عمرا ولا دهرا ..
الام هى منبع السعادة ومصدر النور والباعثة للحياة، فثانية واحدة بين ذراعيها، كفيلة بأن تنسيك هموم الدنيا وأوجاعها..
فرفقا بآبائنا ولا اأسى ابدا ما فعله الرجل الصالح الذى كان يعود أمه كل يوم وذات يوما مرض بالحمى فلم يقوى على زيارتها فقررت امه زيارته وعند اقترابها من المنزل أخبره احدهم بقدومها فانتفض من فراشه وعدل ملابسه ووقف ليقبل يدها وطمأنها بأنه بخير، وحين غادرت أمه المكان سقط من مكانه على الفور.
وحين سأله صاحبه لما لم تخبرها بمرضك الذي منعك عن زيارتها، ليجيبه بأنها تتأذى إذا أصابنا مكروه فلم احب أن أشعرها بمرضى.
وقبل ان اختم كلامى، كان لابد ان اذكركم بوصية رب العالمين بالبر بآبائنا حتى وان كانوا على غير ديننا، ولنا فى انبياء الله أسوه فها هو ابراهيم عليه السلام يتحدث الى ابيه الذى رفض اتباعه ويقول له "يا أبت".
وها هو المولى عز وجل يأمرنا "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا" ..
ولا يجب ان ننسى كلام النبي صل الله عليه وسلم "خاب وخسر..خاب وخسر من أدرك أبويه أحدهما أو كلاهما ولم يدخلاه الجنة"
فرفقا بآبائنا.. احفظوا لهم جميلهم صاحبوهم، قبلوهم ابتسموا في وجههم.. عانقوهم..