على مدى 3 أيام من الأسبوع الماضي، تصدر الحديث عن قوة ومتانة العلاقات المصرية – السعودية، اخبار الساحة العربية، في وقت أثبت البلدان أن قوة التحالف بينهما سيعود بالنفع علي القضايا العربية ومستقبل المنطقة. ومناسبة هذا الحديث هو زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان للقاهرة التي جسدت بقوة علامة فارقة فى مسيرة العلاقات الثنائية بين القاهرة والرياض. وإذا كانت القمة العربية علي الأبواب، وإذا كان المندوبون العرب بالجامعة العربية قد بدأوا وضع ملامح تلك القمة التي تستضيفها السعودية، فزيارة بن سلمان تزامنت مع توقيت دقيق تشهد فيه منطقتنا العربية والخليجية مخاطر عديدة، الأمر الذي يستوجب من جناحا الأمة العربية – مصر والسعودية - ضرورة ملاحقة تطورات الأزمات العربية وتكثيف التشاور والتنسيق بين البلدين، باعتبارهما ركيزة التعاون والعمل المشترك لكل من العالمين العربى والإسلامي.
لقد اكتسبت زيارة بن سلمان للقاهرة أهمية خاصة في ظل كونها الأولي للقائد السعودي في ظل منصبه الأخير كولي للعهد، وتنبع تلك الأهمية فى تعزيز التحالف الوثيق البلدين وتقاربهما الملحوظ منذ فترة طويلة، خاصة فترة ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي قادها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وجه القوي الظلامية. ولن أشير الي العلاقات التاريخية بين مصر والسعودية كما يتحدث كثيرون، حتي وإن كان التاريخ مهما جدا في تجسيد مدي التعاون أو التحالف بين بلدين رئيسيين في منطقة واحدة، وعوضا عن ذلك سأشير الي حجم التعاون الحديث بين قيادتين جديدتين حتي وإن الرئيس السيسي كاد ينهي ولايته الأولي. وخير شاهد أو دليل علي مستوي تنامي العلاقات المصرية والسعودية مؤخرا ما تشهد تلك العلاقات الثنائية من نمو علي كافة المستويات، فالتنسيق السياسى والتعاون الاقتصادي لا تخطأه العين، ناهيك عن تدفق الاستثمارات السعودية، وانسياب حركة التجارة والعمالة بين البلدين، ومع قرب اقامة جسر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والذى سيربط بين مصر والسعودية ليكون خير شاهد علي متانة العلاقات وعمق الروابط ما بين الشعبين.
وكما ذكرت آنفا، فأهمية التعاون المصرى - السعودى، أمر في غاية الأهمية في عالمنا العربي اليوم، فالتحالف بينهما كفيل بملء فراغ القيادة فى المنطقة فى وقت انتهى فيه زمن قيام دولة واحدة بهذا الدور. وقد نشير تحديدا الي منطقة البحر الأحمر وما تتطلبه من تعاون كثيف بين القاهرة والرياض من جهة وكافة الدول المطلة عليه من جهة أخري، مع إدراكنا التام بأن البحر الأحمر أصبح في وقتنا الراهن ساحة للحرب وليس التعاون وهو ما يجب ان يكون، فالعديد من الدول الكبرى والإقليمية تسعي لبسط نفوذها وتعزيز وجودها العسكرى سواء في البحر نفسه أو المنطقة المحيطة به.. وهو ما يمثل آثارا سلبية على الأمن القومى المصرى والسعودي معا. فعلي المستوي المصري، يمثل البحر الأحمر البوابة الجنوبية لقناة السويس، وبالتالي من يتحكم فيها سيتحكم بدوره على حركة الملاحة بالقناة وعلى الأمن المصرى بشكل عام. كما البحر الأحمر أيضا نفس الأهمية الإستراتيجية للسعودية، في ظل اعتماد "رؤية المستقبل 2030 " علي سواحله التي تضم العديد من المشروعات الضخمة ، ومنها مشروعات مشتركة مع مصر وهو ما تم عليه خلال لقاءات الرئيس السيسي والأمير بن سلمان.
ولا يخفي علي أحد مدي اهتمام الرياض بتلك الرؤية وتحويلها الي واقع في أقرب وقت، وهي الرؤية التي تعتمد على تنويع المصادر الاقتصادية وليس النفط فقط، بما يحقق توازنا ماليا بالمملكة، والعمل عيل تشجيع الاستثمارات الأجنبية. وأِشير هنا الي مبعث اهتمامي بضرورة التعاون بين مصر والسعودية بشأن أمن البحر الأحمر، فقد اجتمعا وزيرا خارجية البلدين سامح شكري وعادل الجبير قبل شهرين تقريبا علي هامش لقاء اللجنة العربية المعنية بالقدس فى عمان، وقد أعلنا الاتفاق في بيان مشترك أن أمن البحر الأحمر يعد امتدادا للأمن القومى العربى. أما عن الواقع، فقد بحثت عن امكانية تحقيق هذا التعاون وانجاز خطوات أكبر للأمام، وقرأت مقترحا عن طرح مبادرة مشتركة (مصرية- سعودية) يكون عنوانها "بحر أحمر مزدهرا"، ونعلم أن الأزدهار يأتي في ظل الاستقرار، علي أن تضم المبادرة كل الدول المطلة على ساحله بالإضافة للدول المجاورة التى تعتمد عليه بشكل كبير مثل دول القرن الأفريقى وشرق أفريقيا، وكذلك الدول الكبرى التى يمر جانب كبير من تجارتها عبره، والتى أنشأ بعضها بالفعل قواعد عسكرية فى المنطقة.
وقبل كشف تفاصيل المقترح، نؤكد أن منطقة البحر الأحمر تمثل عمقا استراتيجيا لمصر والسعودية ولها تأثيرا مهما علي أمنهما القومي والأمن القومي العربي عموما، في وقت لا تخطئ فيه عين المؤشرات الكثيرة على تزايد التنافس الدولى والوجود العسكرى بالبحر الأحمر وامتداده بالقرن الأفريقى وشرق أفريقيا. والمسألة لا تتعلق فقط بتهديد حرية الملاحة، ولكن هناك أيضا تهديد للمشاريع الاقتصادية والتنموية التى أعلنت مصر والسعودية إنشاءها بمنطقة البحر الأحمر سواء بشكل منفرد، أو فى إطار التعاون المشترك بينهما، وهو ما سنفسره لاحقا.
ويعتمد الاقتراح على ثلاثة أركان رئيسية، الأول تعلن الدول المطقة علي البحر الالتزام بحرية الملاحة فيه والمضايق المؤدية إليه، استنادا لقواعد القانون الدولى وقانون البحار، واحترام الحقوق الاقتصادية فى ثرواته استنادا للقواعد الدولية. ويعتمد الشق الثانى على تشجيع التعاون الاقتصادى بين الدول المطلة علي البحر وخاصة فى مجال البنية التحية مثل الطرق والموانئ والتى قد تساهم فى ازدياد حركة التجارة عبره، وتشجيع التواصل والتفاعل بين شعوب المنطقة. ويتعلق الركن الأخير بالتعاون الأمنى والعسكرى بين دوله، وتحديدا علي مستوي مكافحة الإرهاب والقرصنة، وتحسين قدرات الأمن البحرى، وتنفيذ مناورات مشتركة فيما بينها.
ووفقا لما نشر خلال الزيارة، فإن السعودية تعتزم إنشاء سبع نقاط جذب بحرية سياحية في البحر الأحمر، في إطار المدينة العملاقة والمنطقة التجارية المعروف باسم مشروع "نيوم" الضخم ، ما بين مدن ومشاريع سياحية. وتعمل أيضا على إنشاء 50 منتجعا على البحر الأحمر و4 مدن صغيرة في مشروع البحر الذي أعلنت عنه الرياض مؤخرا. كما ستقوم بتطوير المناطق بين "نيوم" ومشروع البحر الأحمر، بالإضافة الي 3 وجهات سياحية أخرى بين جزر وشواطئ، و أكثر من 15 واجهة بحرية ومئات المنتجعات. ويتضمن الجانب المصرى فى مشروع "نيوم" مركزا تجاريا عملاقا، فضلا عن مارينا كبرى لخدمة سياحة اليخوت والتى تستهدف فى الأساس سياحة الأثرياء، ومن شأن نجاح تنفيذ المشروع تحقيق إيرادات كبيرة من العملات الصعبة. علما بأن مصر تعهدت بتخصيص ١٠٠٠ كيلومتر مربع من الأراضى فى جنوب سيناء لتكون ضمن المشروع الذي كان "بن سلمان" قد أعلن اقامته من قبل على مساحة تزيد على ٢٦ ألف كيلومتر، خلال مؤتمر دولى للاستثمار فى الرياض، وتوقع مسؤولون أن يبلغ إجمالى الاستثمارات العامة والخاصة فى المنطقة ٥٠٠ مليار دولار. ومن شأن تعاون مصر والسعودية والأردن في المشروع السعودي الواعد أن يسفر عن نقلة نوعية فى التعاون بين الدول الثلاث، والمساهمة فى تحويل هذه المنطقة إلى ساحة للاستقرار والتنمية بدلا من الصراع والفوضى.
وهنا لا يسعني سوي التأكيد علي أن التعاون المصري – السعودي يجسد الشراكة التي ترسم مستقبل المنطقة بأسرها، في ظل اهتمام الدبلوماستين المصرية والسعودية بصنع قرارات تعكس مصالح كافة دول المنطقة، فمثل هذا التعاون من شانه تأسيس شراكات اقتصادية وأمنية على أعلى مستوى لما فيه مصلحة الشعوب.
احمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني
[email protected]