يعرّف خبراء الإعلام وأساتذته الإعلام الحربي بأنه: جمع وتحلیل ومعالجة البيانات، والمعلومات، والصور، والحقائق، والرسائل، والتعليمات من كافة المصادر عن أنشطة القوات المسلحة، والتأكد من مصداقیتها وصياغتها بأسلوب یتقبله المجتمع ونشرها محليا وخارجيا، باستخدام كافة وسائل الإعلام، وذلك بهدف تزويد الشعب والقوات المسلحة بالمعلومات الصحيحة.
ومن هذا التعريف يتضح لنا مدى أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام العسكري في حياة المواطن والأمن القومي، فالمعلومة التي يتم نشرها في الإعلام بمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، إنما هي تكاد تكون أخطر من الأسلحة، فالكلمة في تأثيرها أقوى من طلقة الرصاص، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح انتشار الكلمة سريعا وعلى مدى أوسع. ويأتي هنا دور الإعلام العسكري للمحافظة على التوازن بين مصدر المعلومة ومتلقيها.
إنها حرب الإعلام الجديدة التي يتشابه فيها كثيراً الإعلامي مع الجندي، فكلاهما في استعداد دائم لخوض المعركة: الأول متسلحا بقلمه والثاني متسلحا ببندقيته، وكلاهما يضع الوطن نصب عينيه ولا يغفل عنه أبداً، عين على عدوه والأخرى على وطنه، وإخلاص الاثنين لوطنهما لا يقدر بثمن، فالكلمة توضح وتساند وترفع المعنويات، وهي بذلك تكون العون والسند، وبدونها يكون السلاح ضعيفاً وغير فاعل حتى لو كان قويا وحديثا.
إن غالبية المهتمين بالتاريخ العسكري لا يزالون حتى هذه اللحظات يتابعون وبإهتمام تلك الأفلام الوثائقية للحرب العالمية الثانية التي أصبحت شاهداً على التراث العسكري الإنساني وعلى الاستخدام الأمثل للإعلام العسكري في أفضل صوره، حيث تميزت آلة إعلام المؤسسة العسكرية الألمانية بأنها أفضل من استخدم الإعلام العسكري في خطابه الإعلامي والدعائي في الحرب العالمية الثانية إلى درجة التصاق الدعاية العسكرية لتلك الآلة الرهيبة بالإعلام العسكري الموجه الذي كان يدير اتجاهاته وزير الدعاية الألماني "جوبلز"..
قبل وجود وسائل الإعلام الحديثة مثل التلفزيون والإذاعة كانت الجيوش والقوات المسلحة تعتمد على ما ينشر في وسائل الصحافة البدائية المقروءة المتوافرة حينها إما لنقل المعلومات العسكرية عن المعارك والحروب القائمة في ذلك الوقت وخاصة على مسرح العمليات الأوروبي الذي كان يعج بها في ظل الصراع بين تلك الدول رغم محدودية أعداد القراء وصعوبة وسائل النقل حتى تم اختراع "التلغراف" الذي كان أحد أهم مصادر نقل المعلومات العسكرية حينها ليستخدم بكثافة كإحدى وسائل الإعلام العسكري.
والآن وفي ظل التطور الهائل في كل وسائل الاتصال والتواصل، لابد أن نعي تماما أن الإعلام الحربي واحدا من ركائز الأمن القومي، وعلى كل من يعمل بالحقل الإعلامي أن يعى أهمية نقل المعلومات العسكرية دون تحريف، فشطب أو إضافة حرف لخبر يخص العمليات العسكرية قد يؤدي إلى كارثة.
وقد تنبهت القيادات العسكرية المصرية لأهمية الإعلام الحربي، وبدا هذا الاهتمام واضحا بظهور منصب "المتحدث العسكري"، فظهور هذا المنصب حد من افتراءات الإعلام الغربي، وبعض وسائل الإعلام المحلية والإقليمية، فبيانات المتحدث العسكري ونشرها علنا عبر صفحته على موقع "فيس بوك"، قطع الطريق على كل من يشكك أو يعمل على دس معلومات مغلوطة.
ولابد ألا نغفل دور إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، والتي تتحمل عبء لا يستهان به، فمن خلال الشئون المعنوية استطاعت وسائل الإعلام كافة أن تكوّن لديها إعلاما حربيا متميزا، وذلك بالتنسيق بين وسائل الإعلام المختلفة وبين الشئون المعنوية التي تساهم بشكل كبير في خروج الإعلام الحربي المصري بشكل مشرف.
وعلى كل من يعمل في الإعلام العسكري أن يعرف غايات الإعلام العسكري، وهى كالآتى:
غرس مبادئ العقيدة العسكرية وتأكيد قيم التضحية والبذل والعطاء في سبيل العقيدة والوطن، والتهيئة النفسية والمعنوية لتعمل على تكوين الكيان العسكري للدولة.
غرس روح الانتماء لهذا الوطن والحفاظ عليه، وفرض إرادة الشعب على من سواه، وتأكيد الولاء لله والوطن.
التصدي إعلامياً لأية هجمة إعلامية لحرب نفسية قد يكون من شأنها التأثير على الروح المعنوية وأداء القوات المسلحة والمواطنين بشكل عام.
التعريف بالموقف السياسي للدولة وتطوراته من خلال شرح أبعاد الرأي العام الداخلي والخارجي وموقف القوى المختلفة سواء المؤيدة والمساندة لموقف الدولة أو المتحالفة والمؤيدة لأعدائها.
التوعية الوطنية من حيث إبراز التاريخ العسكري للوطن وتاريخ معارك الجهاد الليبي لتأكيد مفاهيم الحرية والهوية والانتماء للوطن وواجب الدفاع عنه.
التنسيق والإسهام مع أجهزة الإعلام الوطنية في تنشيط دور الجيش وتفعيله لخلق جيش ذي حس وطني واعٍ ومثقف يعرف حقوقه ويؤدي واجباته، ويكون مدافعاً عن وطنه وشعبه وسانداً للشرعية ومحققاً لها، والتأكيد على تقدير واحترام أبناء الشعب لمهام قواتهم المسلحة.
تنمية إرادة القتال ورفع الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة للدفاع عن الوطن.
تغطية العمليات العسكرية في الحرب ونقل الصورة الصحيحة لتطور الصراع المسلح والأعمال القتالية عند نشوب المعارك والأزمات بحيث تتصف بالموضوعية والصراحة.
وأخيرا.. فإننا كمصريين "كلنا جيش"، شعب مصر كله مقاتلين، لكن كل يقاتل في موقعه، الجندي على الجبهة، العامل في المصنع، الفلاح في الحقل، الطبيب في مستشفاه، الصحفي في جريدته، الإعلامي في محطته الإذاعية أو التلفزيونية، المعلم في مدرسته، الشيخ فوق منبره، والقسيس في كنيسته، كلهم محاربون أشداء، كلهم يقفون حائط صد أمام أي عدو مهما كان... فأهل مصر في رباط إلى يوم الدين.
سهى علي رجب