عندما نلقي نظره علي الماضي سنجد أن تاريخ الحضارات العريقه يبدأ منذ معرفة أمم هذه الحضارات الكتابه وتدوين الاحداث التاريخية وقد اختلفت طرق التدوين التاريخيه فعلي سييل المعرفه كان التدوين في بداية الامر علي هيئة رسومات، وكان أشهرها في الحضارة الفرعونية وهو ما يعرف بالكتابه الهيروغليفيه فكان المصريون القدماء يدونون أي شئ يلاحظونه، أو يكتشفونه مثل التحنيط والحروب وطرقهم الطبية في العلاج وشعائرهم الدينية، أو حتى ما يحدث في حياتهم الاجتماعيه ومع تطور الأمر، وظهور الحروف الابجدية أخذ التدوين مجرى آخر فقد أصبح التأريخ يعتمد على السمع ثم الكتابة.
وفي أواخر القرن الـ 19 وبداية القرن الـعشرين، اتجه المؤرخون إلي اتباع المنهج العلمي في تدوين الأحداث التاريخية فقد أعتمدوا على تحليل الأحداث التي سمعوا عنها ولم يشاهدوها ومقارنتها بالظروف والاسباب التي أحاطت بها وأدت إلى حدوثها والاستقصاء للوصول إلى أكثر نتيجة منطقية ترضي العقول، ومن هنا كانت هذه أول خطوة لإعتبار التاريخ علمًا من العلوم.
فالتاريخ وسيله لمعرفة كافة الأحداث التي وقعت منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا فعلى سبيل المثال... لا يمكنك أن تقرأ مقالة تاريخية عن حضارة بعينها دون أن تصبح مُلمًا بطبيعتها الجغرافية والاقتصادية والادبية والعسكرية، فعندما أكتب اليوم مقالي المتواضع عن طبيعة بلاد اليونان سنجد أن الموضوع لا إراديًا يجذبني ككاتبة وأنت كقاريء للإتجاه إلى المجالات الحضارية المختلفه لبلاد الإغريق العريقة
الطبيعة الجغرافية:-
إذا نظرنا إلى بلاد اليونان كطبيعة وظروف جغرافية سنجد أنها تقع بين بحرين بحر إيجه والذي يفصلها من الشرق عن أسيا الصغرى وبحر الإدرياتيك وأيونا اللذان يفصلانها من الغرب عن إيطاليا وصقلية، وكمساحة تبلغ اليونان حوالي 131.000 كم² من الاراضي الوعرة فالمناطق الجبيلة تمثل فيها حوالي 60% من جملة مساحتها الكلية، وإذا نظرنا بدقة إلى موقع بلاد اليونان سنجد أنها تمثل الجزء الجنوبي من شبه جزيرة البلقان، والتي تنقسم جغرافيًا إلي ثلاثة أقاليم كبري، المنطقة الشمالية وتشمل إقليم مقدونيا وثساليا والليريا وايبيرس، والمنطقة الوسطى وتشمل إقليم أخارنيا وإيتوليا ولوكريس وإقليم فوكيس الذي أشتهر بمدينة دلفي المقدسة التي كانت مهدًا لتنبؤات الإله أبوللو، كما إعتقد اليونانيون القدامى أنها مركز الأرض، أما المنطقة الجنوبية سنجد أنها تتكون من شبه جزيرة البلوبونيبسوس والتي تسمى حاليًا بشبه جزيرة المورة وتتصل بالمنطقتين الشمالية والوسطى عن طريق برزخ كورنثة.
كما تتكون المنطقه الجنوبية من آقليم أخايا وإقليم أليس الذي أشتهر بمدينة أولمبيا مهد الألعاب الاولمبية وفي الوسط سنجد إقليم أكارديا المنعزل مما أثر على حياة سكانه وجعلهم يقبلون على الزراعة بدلًا من الصيد، وعند ألقاء نظرة آخرى بتمعن على طبيعة بلاد اليونان سنجد أن الجبال والبحر يؤثرون في طبيعتها الجغرافية بشكل كبير، فالجبال المتناثرة في اليونان قسمتها بشكل طبيعي إلى وحدات جغرافية صغيرة يصعب الاتصال بينهم، والبحر من جهه اخري قسمها إلى العديد من الجزر وأشباه الجزر وذلك أدى إلى تفاوت واضح في الظروف الاقتصادية لكل أقليم من زراعة أو صيد أو رعي أو الاتجاه ناحية البحر مما قوي نزعة الاتفصال الاقتصادي ثم السياسي ونتيجة لتلك الظروف قُسمت بلاد اليونان آلي وحدات سياسيه صغيره عرفت بإسم "البوليس" أي دولة المدينه أي المدينه التي تتخذ شكل ومقومات الدوله وذلك حتي يستطيع الحكام السيطره علي كل تلك الاقاليم المتناثره حتي لا يكون لأي اقلم من الاقاليم اليوناينه القدره علي الانفصال سياسيًا واقتصاديًا.
وعند النظر إلي الظروف الاقتصاديه لبلاد اليونان سنجد أنها تنحدر تدريجيًا وتتمثل في 4 نقاط هامه: الزراعه، الصناعه، التجاره والنقطه الاخيره هي النقود،و سأبدأ بالزاعه لانها تحتل المركز الاول من اقتصاد اليونان.
الظروف الاقتصادية"الزراعة":-
فعندما ننظر إلى مقومات الزراعة بشكل عام سنجد أن المناطق الصالحة للزراعه تنحصر في السهول الجبلية والتي تتميز بإتساعها ومثال على ذلك إسبرطة وثساليا والجزء الأوسط من سهل أركاديا أو سهول تنحدر ناحية البحر مثل أرجوس وأثينا وإليوسيس، ومنذ أن ترك اليونانيون حياة الرعي والترحال وعاشوا على ما تنتجه أراضيهم من القمح والشعير والزيتون والكروم، فقد كان القمح والشعير هو الطعام اليوناني الأساسي فالقمح كان يعجن بالماء ويخبز، والشعير يعجن بالماء ويقدم كحلوى دون خبيز، وبعد ذلك يشربون النبيذ المستخرج من الكروم وقلما كانو يأكلون اللحوم إلا في الأعياد والأضاحي، ولكن على الرغم من إتساع الأراضي الزراعية اليونانية إلا أن انتاجها كان ضعيف بسبب فقر خصوبة التربة ولذلك أتجهوا إلى التجارة الخارجية.
الظروف الاقتصادية "الصناعة":-
احتلت المركز الثاني في اقتصاد اليونان بعد الزراعة مباشرة فاليونان بطبيعتها غنية بالموارد التي تساعد على قيام حرفة الصناعة، مثل الرخام للبناء بأنواعه والطمي لصناعة الأواني الخزفية والفضة والنحاس للصناعات المعدنية فقد أشتهرت أثينا بالفخار وعرفت كورنثة وخالكيس بالمشغولات المعدنية وميلتيوس بالمشغولات الصوفية أما ميجارا فتميزت بصناعتها للعباءات.
وكانت هذه الصناعات تتم في حوانيت صغيرة والتي كانت تضم عددًا من الصناع المهرة ولكن مع مرور الوقت وتطور المجتمع والنظام المعيشي وتعقده وازدياد الطلب على هذه المصنوعات، فذلك الذي أدى إلى تحول هذه الحوانيت الصغيرة إلى مصانع كبيرة تضم عددًا كبير من الصناع شيئًا فشيئا، وبعد أن كانت تنتج بالطلب الشخصي أصبحت تنتج بطلب السوق ثم، أصبحت تنتج للتصدير والتجارة الخارجية مثلها مثل الزراعة.
الظروف الإقتصادية "التجارة الخارجية":-
والتجاره الخارجيه في بلاد اليونان كانت تقوم علي ثلاثة مراحل، نبدأ بمرحلة وجود الفائض الذي سيُتاجر به ثم ننتقل إلي مرحلة الطرق البريه والبحريه التي سينتقل عن طريقها هذا الفائض إلى حيث يُستهلك وللمرحلة الثالثة والاخيرة هي وجود وسيلة للتعامل مع هذا الفائض سواء كان نقدًا أو مقايضة.
وقد اذدهرت وتقدمت التجارة الخارجية اليونانية بشكل كبير حتى أن السياسي العسكري الأثيني "بركليس" قال يومًا، "إن كل منتجات العالم تجد طريقها إلى "أثينا " فقد كامت أثينا تصدر ما تنتجه من خمور، وزيوت، وفضة، ورخام وتحف فنية وخزف وتستورد الحبوب والسمك والجلود من منطقة البحر الأسود، والصوف والبردي من مصر والحديد والنحاس من أيوريا والكتان والأصباغ من فينيقية والأقمشة المطرزة من بلاد الشرق الأدنى.
ومن المشكلات التي واجهت اليونان أثناء التجارة هي الطرق البريه نظرًا لطبيعة اليونان الجبليه الوعره فأصبح النقل التجاري البحري اقل تكلفه من البري علي الرغم من ضيق حجم السفن وبطئها وتعرضها لخطر القرصنة.
الظروف الإقتصادية " النقد والعملة":-
من المشكلات الأساسية التي واجهت التجارة الخارجية اليونانية هي إحتياجهم لوجود ميثاق للتعامل التجاري يثق به كل الأطراف، لأن كل مدينة كان لها نظامها الخاص فيما يتعلق بالمقاييس والموازيين والعملة إلا أن أثينا استطاعت أن تجعل عملتها تكسب ثقة كل بلاد اليونان حتى أصبحت العملة الأثينية ذات البومة هي السائدة في التجارة اليونانية وذلك لحرص أثينا الشديد على عدم تخفيض نسبة الذهب في عملتها.
فقد كانت قيمة النقود في اليونان تعتمد بشكل أساسي على نسبة الذهب فيها فكانت العملات اليونانية عامة عبارة عن، خليط من الذهب، والفضة تتراوح نسبته بين 13.5:1 و12:1 و10:1، فقد كانت كل عملة تحمل نسب مختلفة من الذهب والفضة، وذلك يعتمد على بلد إصدارها.
وأول من صك النقود واستعملها في الحياة اليومية كوسيلة معترف بها هم ملوك ليديا في القرن السابع ق.م، ومن ثم استعملتها أيجينا، فقبل ظهور التعامل النقدي في المجتمع اليوناني كان التعامل الأساسي يقوم على المقايضة فكانت الضرائب تدفع من المحاصيل، والأجور مما يعادلها من الطعام ولكن مع النمو المجتمعي اليوناني المستمر وتضخم حجم المعاملات أدى ذلك إلى شعور الناس بالحاجة إلي مقياس عام معترف به في معاملاتهم لأن عملية المقايضه مرهقة وغير دقيقة أحيانًا وهذه كانت البدايه لتشكيل الذهب والفضه وصك النقود.