عالم موسوعي ليس له مثيل في البشرية، نال لقب المعجزة العربية وكان بعلمه وفكره دبلوماسيا عبقريا لجأ إليه الملوك والأمراء في حل النزاعات، ومن المثير انه جاء ورحل في رمضان.

ولد ابن خلدون في تونس عام 1332 1 رمضان 732هـ بنهج تربة الباي رقم 34، واسمه الحقيقي عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ابو زيد، يرجع أصله إلى حضرموت وهو مؤرخ من شمال افريقيا، حفظ القرآن الكريم في طفولته وعاش ريعان شبابه في تونس وتخرج من جامعة الزيتونة.

تمكن ابن خلدون من الدراسة على يد أفضل المدرسين في المغرب الكبير، وتلقى علم التربية الاسلامية الكلاسيكية واللسانيات العربية وأساس فهم القرآن والحديث والشريعة والفقه في علم التاريخ.

اعتزل ابن خلدون الحياة عقب وفاة والديه والكثير من أساتذته وشيوخه، بسبب انتشار وباء الطاعون حينذاك، والذي انتشر في جميع أنحاء البلاد عام 1323، وتفرغ 4 سنوات في البحث والدراسة في العلوم الإنسانية معتزلا الناس ليسطر بقلمه كتاب مقدمة بن خلدون الذي وضع بناءًا عليه أسس علم الاجتماع الحديث معتمدا في ذلك على الاستنتاج والتحليل في قصص التاريخ وحياة الإنسان وقيل عن هذا الكتاب بأنه من أهم المؤلفات التي انجزها الفكر الإنساني كما وصفه البعض بالمعجزة العربية.

توجه ابن خلدون إلى مدينة بسكرة، حيث تزوج هناك ثم رحل إلى مدينة فاس عام 1356، ليعمل بالكتابة مؤرخا للأحداث التي تقع بها وفي عام 1363، ذهب إلى غرناطة وهناك شرع في تأليف كتاب العبر واكمل كتابته في تونس.

بعد ذلك جاء إلى مصر وعاش فيها بقية حياته وتولى فيها القضاء المالكي، وذلك لأنه كان متميزا في الفقه فهو من سليل المدرسة الزيتونية العريقة، حيث تتلمذ على يد الفقيه الزيتوني الإمام بن عرفة.

ومن المثير للجدل أن ابن خلدون من أوائل الدبلوماسيين حيث انه كان دبلوماسيا حكيمًا وعرف ببراعته في حل النزاعات والخصومات بين الناس وزعماء الدول لذلك عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيرا له الى امير قشتالة لكي يعقد صلح بينهما.

يذكر أن أهل دمشق استعانوا بأبن خلدون لطلب الأمن والأمان من الحاكم المغولي القاسي تيمور لنك، ونجح بالفعل في التعامل معه بذكائه وشجاعته ولباقته العالية ويرجع نجاحه في ذلك إلى فلسفته العالية وقدرته على استعراض الآراء ونقدها ودقته في الملاحظة والتفكير.

وتوصل بن خلدون إلى نظريات باهرة في علم الاجتماع حيث وضع قوانين العمران ونظرية العصبية وبناء الدولة وأطوار أعمارها وسقوطها، كما تعتبر مؤلفاته حاليا من أهم المصادر للفكر العالمي، والتي من أبرزها كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، وكتاب لباب المحصل في أصول الدين وكتاب شفاء السائل لتهذيب المسائل كما يعتبر كتابه المذهل "مقدمة بن خلدون" هو الأسطورة الجهنمية التي شكلت ملامح الحياة الاجتماعية الحديثة ولقبوه علماء الغرب بالمعجزة العربية.

رحل ابن خلدون عن عالمنا هذا في يوم الجمعة 28 رمضان 808هـ الموافق 16 مارس من عام 1406م عن عمر يناهز 74 عاما، حيث توفي في مصر ودفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال القاهرة ولكن قبره غير معروف حتى الآن وفي النهاية بن خلدون يبقى شخصية عربية عظيمة أثارت إعجاب الناس والعلماء في جميع أرجاء المعمورة، رحم الله بن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث.