"التكية" تأصيل لعبق الماضي وذكريات الحاضر
الأحد 13/مايو/2018 - 11:18 م
هاجر الصباغ
طباعة
في الصحن تلك القاعة الداخلية تدور الروحانيات والرقص والصلاة الصوفية، يستيقظون في آن واحد تستيقظ غرف المريدين وتضج بها الحياة، لتعلن مولد يوم جديد للدراويش، لتجول مسامعهم إلي دروسهم عبر تلك الأسقف والقباب.
حين أنشأها العثمانيون كانت فقط للفقراء ورعاية من لا عائل لهم، والعجزة وكبار السن المنقطعين، والأرامل وعابري السبيل ومن كانوا يقصدون بيت الله الحرام.
ولكن من أدراهم بأن التكية ستصبح لاحقا للدراويش يسبحون فيها بنور الله، يقضون فيها جل أوقاتهم في العبادة وفي الذكر الذي كان كثيرا ما يصاحَب بالرقص الدائري الصوفي والموسيقى.
فبعيدا عن عالمنا اعتادوا هم التحليق بحركات دائرية منظمة، ونغمات مصاحبة لتلك الحركات بكلمة مدد،تلك الكلمة التي تصعد بقلوبهم إلى أعلى الدرجات الروحانية، في اجتماعاتهم "بتكية الدراويش"، المكان الذي احتضن قديمًا كل من انفصل عشقًا فى القرب من المولى، وكل من انتمى لعالم الدروشة بكل طرقه المختلفة.
"أيها البشر الأتقياء التائهون في هذا العالم.. لم هذا التيه من أجل معشوق واحد.. ما تبحثون عنه فى هذا العالم.. ابحثوا فى دخائلكم فما أنتم سوى ذلك المعشوق" بكلمات مولانا الرومي تحتضن حديقة التكية الأحباب وتستقبلهم.
كيف بدأت وانتهت التكية وكيف تقسم من الداخل سؤال يزاولك كلما دخلت إلى التكية ذلك المكان الذي تنفصل فيه روحك عن جسدك لتهيم بعالم أخر.
تضمنت التكية قاعة داخلية واسعة، واختلف معمارها باختلاف توظيفها الفكري، ولكن تبدأ بقاعة داخلية واسعة تستقبل المريدين والضيوف تعبق الرائحة بالبخور والمسك والعنبر.
أما عن السمعخانة، هي قاعة تستخدم للذكر، والصلاة والرقص الصوفي الدائري، وفي بعض أنواع التكايا مثل تكية المولوية. كما تضم غرفا للمريدين، وهي الغرف التي ينام بها الدراويش، وغالبا للتعبد والوحدة والتأمل، وغرفة استقبال، وهي الغرف المخصصة لاستقبال العامة من القادمين.
أما النساء فلها قسم خاص بها، والذي يكون مخصص لعائلات الدراويش، وقاعة الطعام، حيث تتضمن المطبخ، وغالبا ما يتم تناول الطعام جماعيا، وتقام أكثر التكايا على المعابر وطرق تردد المارة، ولها مدخلان تمر منهما القوافل، وقد أضيف إلى بعضها في كل تكية موضع لماء الشرب يسمى "سقّا خانة".
وفي العصور المتأخرة "في العراق" صارت تبنى إلى جانب التكايا أماكن باسم "الحسينية" و"الزينبية"، أو أن التكية تبدل اسمها إلى "الحسينية".
في القرن الرابع عشر نشأت أول تكية بالمملكة السلطانية وقام بتشييدها الأمير شمس الدين سنقر وكانت تسع نحو 52 شخصا، منهم الإمام والمؤذن والقارئ، وتستخدم في حلقات الذكر والدعاء والصلاة وقراءة القرآن.
وتعد التكية واحدة من الآثار القليلة في العالم، التي مازالت تحتفظ بطابعها كاملا، سواء الطابع الروحاني أو مزيج متميز من الفن المعماري فهي تعتبر مزيج فني رائع متكامل.
وذاع صيت التكايا بداية من العصر العثماني، كان من أشهرها "تكية الدراويش" الأثرية، التي تم ترميمها أخيرا لتصبح جاهزة للافتتاح، وتقرر تحويلها إلى مركز للاحتفالات الدينية والموسيقية، بعدما كانت أول مسرح تاريخي يستخدم قديما في الاحتفالات بالمناسبات الدينية.
اختفى الدراويش بعد أزمات عديدة كان بعضها سياسيًا فى سبعينيات القرن الماضى، ورفض وجودهم المجتمع وانقلب عليهم الجميع كما انقلبوا على غيرهم ممن كانوا يومًا جزءًا من نسيج المجتمع المصرى، كفرهم البعض وبغضهم البعض الآخر، وأصبحت "التكية" محتضنة الذكريات عامًا تلو الآخر، حتى تحولت بما تحويه إلى خرابة لا تعرف سوى القطط المشردة جمهورًا لجلسات خفتت أصواتها للأبد.