أغلبنا يسكن في مناطق تبعد بمسافات قد تكون قصيرة أو بعيدة عن مكان عمله، في النهاية نجد أن على الأقل ساعتين في عمرنا من كل يوم تضيع بلا فائدة في الذهاب والإياب من العمل.
لكنني بدأت بأن أشعر بغير ذلك في الفترة الأخيرة، ففي يوم روتيني من أيام ذهابي إلى العمل، وخلال رحلتي إلى العمل في أحد المواصلات التي وقفت كثيرا حتى فزت من بين الجمع الكبير المنتظر في أن أحصل على مكان لي، وقد وجدت رجل يبدو عليه في أواخر الخمسينات من عمره، وتظهر على ملامح وجه أسرار تعب كبير يخفيه وراء وجهه الشاحب، ويديه تبدو عليها أثار عمل شاق جعلها مثل الحجارة، أعتقد أن هذه الأيدي "كفان يحبهما الله ورسوله".
وخلال الرحلة، بدأ الركاب كالعادة في الحديث حول زحمة الشوارع، ثم فترات مشادات حول الأجرة، ثم حديث حول مشاق الحياة، خلال ذلك الحديث كنت أنتظر هذا الرجل لأستمع إلى قصصه الحزينة التي كنت أظنه يخفيها، ولكن عندما تحدث هذا الرجل أعطاني دفعة إلى الأمام بأن أبدأ يومي بطاقة إيجابية أكثر من أي يوم مضى في العمل، فلكم يلعن أو يسب كعادة الجميع في الحياة، ولكنه تكلم بحكمة افتقدها الكثيرين، وقال "لازم نصبر عشان نستاهل الخير اللي ربنا هيرزقنا بيه".
غيرت هذه الجملة نظرتي إلى الوقت الذي أقضيه في الذهاب وإياب من العمل، أهمها أنها كانت فرصة جيدة لأن ألتقي بهذا الرجل الذي أعطاني درسا حيا في الصبر والرضا، درسا في التوقف عن التذمر والسير في الجد والحياة، جعلني أقول المواصلات علمتني.