"لهذه الأسباب" مصر تتفوق على تركيا في المسلسلات الوطنية الموجهة
الجمعة 01/يونيو/2018 - 12:03 ص
وسيم عفيفي
طباعة
جاءت الأسباب الاقتصادية والسياسية لتجعل تلفزيونات كل الدول العربية تعرض المسلسلات التركية على شاشتها مدبلجة باللهجة السورية، ولاقت المسلسلات الرومانسية التركية صدىً واسعاً في أرجاء الوطن العربي، لدرجة أن هذا التأثير وصل يوماً ما إلى حدوث مشكلات أسرية بسبب "نور ومهند"، ولم يكن يدري أحد من العام 2003 م إلى الآن أن هناك لعبة أخرى للمشاهد العربي ستكشفها السنوات اللاحقة.
هل يحق لـ "الدولة" أن تدعم الفن
وتحركه ؟!
السينما - صورة تعبيرية
في المجمل .. فإن فكرة "النفاق الفني" لنظام الحكم أثبتت فشلها، فلا يتم تحريك الفن بالأمر، غير أن إرسال رسائل من خلال العمل الفني المعين له مبلغ الأثر على الدولة نفسها.
يثبت الواقع شيئاً فشئياً أن منطق قيام الدولة بدعم عمل فني لصالح غرض سياسي أو وطني، هو شيء يحدث في كل دول العالم وليس مصر وحدها، والنماذج على ذلك متعددة وكثيرة.
يثبت الواقع شيئاً فشئياً أن منطق قيام الدولة بدعم عمل فني لصالح غرض سياسي أو وطني، هو شيء يحدث في كل دول العالم وليس مصر وحدها، والنماذج على ذلك متعددة وكثيرة.
أحمدي نجاد يشير إلى كومبارس مسلسل المختار
الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد كان من أوائل الداعمين لمسلسل "مختار نامة" والذي يستعرض شخصية "المختار الثقفي" الأب الروحي لـ "الشيعة"، لدرجة أن الدولة الإيرانية أسست مدينة كاملة للمسلسل وكان الهدف هو ضرب العنصر السني من جهة، وإظهار قوة الفُرْس من جهة أخرى.
أردوغان مع أبطال مسلسل أرطغرل
الأمر نفسه كرره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي أعلن دعمه الكامل لمسلسل "قيامة أرطغرل"، ذلك المسلسل الذي بث سموماً تاريخية لغرض سياسي، فأظهر العرب بمظهر التتار الخائنين، بينما جعل من العرق التركي عنصراً منقذاً للإسلام والمسلمين.
أفيشات مسلسلات مصرية
على مستوى الوطن العربي، نجحت مصر ـ وفق الامكانيات ـ، في تصدير صورة مغايرة فهي لم تتسيد شيئاً في الأعمال الوطنية، ولم يكن لها غرض، وكان حُسْن النية المصرية سبباً في إفشال 80 % من الأعمال التي قدمتها، حتى تحول الفشل إلى ضياع خلال سنوات الربيع العربي، حتى ظهر نوع جديد من الدراما الموجهة في مصر بدايةً من 2014 م، غير أن الغزو الفكري كان من تركيا أكثر من مصر حيث أن الأخيرة لم يظهر منها أي عنجهية، لكن بالمعايير الفنية والواقعية تفوق الموسم الدرامي المصري لهذا العام على المسلسلات التركية الموجهة في رسالتها السياسية والوطنية.
البداية من "وادي الذئاب"
أفيش الحلقة الأولى من مسلسل وادي الذئاب
حين وقعت أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 م، تغير مستقبل نجم المسلسلات التركية محمد نجاتي شاشماز حيث كان مسافراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية لافتتاح شركة سياحة خاصة به، وجرى تعطل في الرحلات جراء هجوم بن لادن على البرجين فبقي في تركيا حتى اقترح عليه شقيقه المؤلف والمخرج "راجي شاشماز" أن يقوم ببطولة مسلسل أكشن حمل اسم "وادي الذئاب" وبدأ عرضه عام 2003 م ، وصار العمل هو أطول مسلسل في تاريخ الدراما التركية حيث سيبدأ تصوير الجزء الـ 11 أواخر العام الجاري، وبات نجاتي شاشماز النجم التركي الأول شهرةً في استنابول وحتى الوطن العربي باسم الشخصية التي يمثلها وهي شخصية "مراد علمدار".
نجاتي شاشماز
على مدار أول 4 أجزاء كان مسلسل "وادي الذئاب" يحمل طابع المافيا، وبالتزامن مع ذلك بدأ نجم رجب طيب أردوغان يلوح في سماء السياسة التركية، فبدأت صبغة التوجيه تبدأ، فتحول مسلسل "وادي الذئاب" إلى عمل وطني بامتياز حيث تكلم عن كل شئون تركيا السياسية من حيث الجيش والدولة والأمن والاستخبارات، وشيئاً فشيئاً تحولت تركيا من خلال المسلسل إلى دولة تنقذ العالم من شر الماسونية.
ففي مشهدٍ مبالغ فيه ظهر مراد علمدار بشخصية "البطل الهيرو" وهو ينقذ فندق الحجاج في المملكة العربية السعودية من خطر رجل داعش "ساغير".
انتهى ساغير حين حرقه مراد علمدار على طريقة قيام داعش بحرق الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" في رسالة إلى الشعب الأردني تقول "تركيا تنصفك أفضل من إعلام دولتك".
وفي مشهدٍ "أهبل" ظهر مراد علمدار في مصر وهو ينقذ العالم من خطر الماسونية التي لها مركز الكتروني في مصر، فتوجه إلى الهرم وقتل الماسونيين هناك، وأظهر المشهد كل جموع المصريين على أنهم بدو، رغم أن سكان مصر ليسوا بدواً.
رويداً رويداً تدخل نجاتي شاشماز "مراد علمدار" في شئون دول عربية بتوجيه من الدولة التركية، ورغم أن بشار الأسد كان من أوائل المتحمسين لعرض وادي الذئاب، لكنه سرعان ما قرر منع عرضه بسبب هجوم المسلسل عليه، ورويداً رويداً بات مراد علمدار أو نجاتي شاشماز شخصية سياسية تقتحم كل شئون العالم العربي من خلال مسلسله وحتى حياته.
آخر ظهور سياسي كان من نجاتي شاشماز بطلبٍ من أردوغان، أن يبث بطل وادي الذئاب فيديو يدعو المصريين إلى الخروج في ثورة ضد الجيش المصري عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم يوم 3 يوليو سنة 2013 م.
نجاتي شاشماز - أردوغان
لاحقاً صار مسلسل "وادي الذئاب" هو الناطق باسم الدولة التركية، وسرعان ما ألقي القبض على بطله بتهمة "التآمر على أردوغان" في تمثيلية الانقلاب عليه، حتى خرج مراد علمدار وأكد أن فيلمه "وادي الذئاب ـ الانقلاب" سيبدأ قبل المسلسل وسيتم تغيير اسم الفيلم ليكون "وادي الذئاب ـ الوطن".
أردوغان يغير الدراما لصالح السياسة
حرس أردوغان بالزي العثماني
انسحاب المخرج والكاتب والمنتج راجي شاشماز من "وادي الذئاب"، أثر كثيراً في شكل نمط المسلسلات التركية، كون أن راجي ليس مثل شقيقه نجاتي بطل المسلسل، حيث يرى أن الدراما يجب أن تدعم الدولة لكن دون توجيهٍ من الدولة.
نجاتي شاشماز - راجي شاشماز
عقب انسحاب راجي شاشماز وانفصاله عن أخيه نجاتي شاشماز بدأ يغير نظرة الدراما التركية للدولة وأظهر ذلك مسلسله "قطاع الطرق لن يحكموا العالم" والذي تحاشى الاقتراب من دعم أردوغان إلى دعم "الدولة التركية"، وأظهر أن الثأر يمكن أن يأتي به رجل مافيا مثل "خضر شاكر بيلي"، وليس أخذ الحق حكراً على يد "رجل الدولة".
أحدث مسلسل قطاع الطرق لن يحكموا العالم تغييراً في شكل الأيدولوجية التركية بالدراما، فصارت تجربة المسلسلات الأكشن أفضل من المسلسلات الرومانسية، حيث أنها تحقق أعلى نسبة مشاهدات في القنوات التركية.
أفيش الحلقة الأولى من مسلسل قطاع الطرق لن يحكموا العالم
عقب مسلسل قطاع الطرق لن يحكموا العالم تغيرت الأيدولوجية الفكرية في المسلسلات التركية، فتجد كلمة "الوطن" أو "الدولة" في كافة المسلسلات، وأظهرت المسلسلات "الضابط التركي" في شخصية الهيرو دون نقاط ضعف في تدريبه، مثل مسلسل "وادي الذئاب"، ومسلسل "العهد"، كما أظهرت كل ما هو غير تركي في شكل الضعيف المحتاج للمنقذ ولا منقذ سوى تركيا.
أفيش مسلسل أرطغرل
على مستوى مسلسل قيامة أرطغرل، فقد تحايل أردوغان على التاريخ من أجل تركيا فأغفل دور العرب في الجهاد بل وتحامل عليهم، بينما تحيز للعنصر التركي، رغم أن التاريخ يؤكد خيانة الأتراك لكثير من المسلمين في تلك الفترة.
مصر كانت فين وبقيت فين ؟
مدينة الانتاج الإعلامي - مبنى ماسبيرو
من العام 2011 حتى العام 2017 م، كانت الأعمال الدرامية تجامل أحداث 25 يناير، في مسلسل "أهل كايرو" و "آدم" على سبيل المثال، غير أن مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، يعتبر هو المسلسل الأفضل من حيث الدراما الموجهة ورسالة الدولة المصرية للدول العربية، بشكل منطقي ومقبول وليس فيه مبالغة.
مع موسم رمضان 2018 م، فيه تغيرت العقلية التي كانت تتحكم في توجيه الدراما التي تتناول شخصية ضابط الأمن ورسالة الأمن، وكان سر التفوق المصري في الدراما الوطنية، أنها أظهرت كافة أنماط شخصية ضابط الأمن والتي كانت في السابق محظورة، فتجد أن مسلسل كلبش2 يتكلم عن المؤسسة الأمنية وشخصياتها فتجد ضابط عصبي مثل "سليم الأنصاري"، وقائد هادئ مثل "صلاح الطوخي"، ومسؤل خائن مثل "يوسف العدوي" الذي يتعاون مع الإرهاب ضد الدولة نفسها.
كان محظوراً على الدراما المصرية إظهار شخصية ضابط المخابرات على الشكل الشخصي، لكن مع مسلسل الزيبق 2017 م ظهر شريف منير ليتكلم عن شخصية ضابط المخابرات من الناحية الأسرية، بينما في المسلسلات التركية ليس من حق أحد الكلام عن مسؤل المخابرات بشكل إنساني وإنما إظهاره في ميكس بين "جيمس بوند ورامبو".
كان ممنوعاً في الدراما المصرية الوطنية إظهار معدات الجيش أو الشرطة، لكن الرسالة الضمنية التي تكشف الطرق التسليحية والالكترونية أدت إلى تصديق المشاهد للعمل وإيمانه به، فبدلاً من السير وراء شخصية "أدهم صبري"، صار "سليم الأنصاري" باشا مصر هو الأفضل من شخصية "زين القناوي"، لأن زين القناوي في نسر الصعيد يتعامل بالنفاق، بينما كلبش يتكلم بشكلٍ منطقي، حتى في إظهار نقاط الضعف فلا توجد قيود رقابية حول مشاهد سهولة سقوط أفراد الأمن في الاشتباكات، وهذا أمر لا يظهره المسلسل التركي.
ما الذي ينقص الأعمال الوطنية الموجهة في مصر
العلم المصري
يقول المصريون في أمثالهم "الزن ع الودان أَمَّر من السحر"، وبالتالي فإن فكرة الموسم الدرامي يجب أن يُلْغَى، فلا يفضل أن تعرض قضية لمدة شهر فمن المؤكد أن يتم نسيانها، وبالتالي فهناك طريقة يتم بها ضمان عدم نسيان القضية وهو أن تستمر الدراما طوال العام مع دعم لوجسيتي من الدولة، ولا تنحصر الأعمال الدرامية في شهر رمضان فحسب.
إن كانت الدولة المصرية نجحت على مستوى الداخل في إيصال الرسائل الوطنية حتى استقطبت جمهور الوطن العربي للمشاهدة، فيجب أن تكون المرحلة المقبلة هي ترجمة تلك الأعمال عبر يوتيوب ونوافذ عرض المسلسلات لأكثر من لغة.
إن كانت الدولة المصرية نجحت على مستوى الداخل في إيصال الرسائل الوطنية حتى استقطبت جمهور الوطن العربي للمشاهدة، فيجب أن تكون المرحلة المقبلة هي ترجمة تلك الأعمال عبر يوتيوب ونوافذ عرض المسلسلات لأكثر من لغة.