" بيكيا.. روبابيكيا"، يعلو صوت البائع في الشارع، في الصباح الباكر، تزامنا مع سطوع الشمس، وتجلي النهار، لتُفتح النوافذ والشرفات، هاتفين له بالانتظار، فهو الذي سيخلصهم من " الكراكيب" التي لم يعودوا في حاجة إليها، وحقيقة الأمر، فإن الكلمة نفسها رغم أنها غير عربية، ومحرفة عن الإيطالية، والتي تعني " أشياء وملابس قديمة أو مستعملة" إلا أن الشارع المصري يدركها تماما، ويتداولها كما لو كانت عربية أصيلة ممتدة الأواصر، لكن مع تقدم العصر، وغزو التطنولوجيا وتقنياتها متعددة الأبعاد، وتفشي ما يُسمي بـ " ظاهرة السوشيال ميديا والتسويق الإلكتروني" كان لهذه الحرفة البسيطة، حظا من التكنولوجيا، وتمكن الشباب المصري من إدخال الجانب الإبداعي إلى هذه الحرفة، لتصبح مشروعا إقتصاديا من الدرجة الأولى عند كثير من الشباب في مواجهة البطالة، وحسن تسيير الحياة العملية، وتخطي عقدة الانتظار لوظيفة الأحلام، بل استغلال كل ماهو متاح، حتى يتحقق الهدف الأساسي، ومن هنا، وانطلاقا من التطوير، فقد عمد كثير من الشباب إلى مشروع " البيكيا" أو تجميع الخردوات والأشياء المستعملة، ومقايضتها بسلع عملية، أو إعادة تدوير القديم منها، وهو ما يمكن تسميته " عملوا من الفسيخ شربات"، وفي هذا الصدد، ترصد " بوابة المواطن" أبرز الخطوات التي انطلق منها الشباب المصري في مشروعات الروبابيكيا لتحسين الدخل، ونستعرضها في النقاط التالية:

 بيكيا أون لاين..أول منصة لمبادلة المخلفات غير العضوية
وهي فكرة تعتمد على تبادل المخلفات القديمة، والأشياء المستعملة، عبر الإنترنت، والتي قام بتصميمها وتنفيذها، أحد الشباب الطموحين، والتي تتضمن، جمع كل المستهلكات مثل الأوراق والبلاستيك، وزيت الطعام المستخدم، بدلا من إلقائها في القمامة دون الاستفادة بهاـ بل مجرد عبء يسبب تلوث للبيئة، حيث يتم استبدال المخلفات هذه، مقابل سلع أخرى وخدمات تقدمها الصفحات المختصة بهذه المشاريع على الفيسبوك، عبر اعتماد بيانات المستخدم، وتحديد الكمية التي يريدون تبديلها من " بيكيا"، وهي الفكرة التي لاقت قبولا ورواجا هائلا فور انطلاقها، نظرا للعبء الذي تسببه الخردوات والمستهلكات لدى مالكيها، والرغبة في استبدالها بما يفيد، وانطلاقا من فكرة بيكيا، تعددت الصفحات المماثلة التي تعمل على المقايضة عبر الإنترنت، والتي تحقق أرباحا وفيرة بسبب الفكرة المبدعة.

المصانع وإعادة الاستخدام
لا يتوقف الأمر على المقايضة، لكن تنتقل المخلقات للمرحلة الثانية، والتي يتم إنجاز أغلبها عن طريق شبكات الإنترنت، ويتم الاحتفاظ بها في المخازن لحين الترويج لها، لتستقبلها المصانع، لإعادة استخادمها مرة أخرى، وإدخالها في صناعات جديدة، بحيث تخرج كل الطراف مستفيدة، فأصحاب المنازل يتخلصون من المخلفات المزعجة مقابل مكسب سلعي يفيدهم، والمصانع تعيد التدوير وتنتج منتجات جديدة بتكلفة أقل، والشباب يجد فرصة عمل غير تقليدية تدر عليه دخلا مناسبا، والبيئة تتخلص من التلوث المحتمل وقوعه بسبب الكم الهائل من المستهلكات والمخلفات التي كان من المقرر إلقائها في القمامة.

الصحة النفسية والإقتصادية
ومن وجهة نظر الطب النفسي والوقائي، فإن التخلص من المخلفات أو المستهلكات، يعطي تأثيرا إيجابيا على المناخ البيئى والإجتماعى، وتأثيرا أعلى على سيكولوجية الإنسان والصحة النفسية، وأن يكون المناخ العام خاليا من التوترات التي قد تسببها تواجد المخلفات بشكل غير منظم، وحالة الفوضى التي تطغى في حال تكدسها، كما أن التخلص منها بهذه الطريقة الميسرة وبمقابل جذاب، يؤدي إلى توفير عملة وفيرة للمتعاملين مع الخدمة، والقائمين عليها.

وبهذا يمكن القول بأنه لا يوجد ما يسمى بالبطالة أو التعطل، طالما توفر التفكير غير التقليدي، والسعي نحو الرزق، وتكبد العناء للوصول إلى حلول إبداعية، بدلا من الفكير في المشكلات ومحاورها، تاركين خطط التنفيذ، وبهذا فأنه يمكننا القول أنه لا عوائق مالية ولا غيرها يمكن أن توقف مجرى حياة الشباب، طالما يتسلحون بالأمل والإبداع.