فاطمة عقل .. المرأة المنياوية التي هزمت الاحتياج بالعمل
السبت 18/أغسطس/2018 - 03:01 ص
شيماء اليوسف
طباعة
من يرصد تاريخ الشعوب وحضاراتهم متأملا، يجد أن المرأة كانت تعاني احتقارا وانحطاطا، حاولت بكل السبل أن تنال كيانها، وتنتزع حريتها بيدها ممن كبلوها، وزعموا بأنهم يحافظون على حقوقها وهم كاذبون ومخادعون،و قد بلغ حد الاحتقار للمرأة عند بعض الشعوب إلى حرقها فور وفاة زوجها ودفن جثتها معه لإيمانهم بأنه لا حق لها في الحياة بعد رحيله.
تطل علينا فاطمة عقل، من أقصى الجنوب الغربي لمحافظة المنيا، بمركز دير مواس ابنة قرية زعبرة، تلك المرأة المكافحة، التي لبست ثياب صعيد مصر بثقافته الصلبة المعقدة وأفكاره التراثية التي لا تتأثر بعوامل التكنولوجيا، حيث نجحت في القيام بدور الأب والأم في غياب زوجها، لتقدم لنا نموذجًا شامخًا للمرأة الصعيدية ذات الخمسين عام، فنبدو أمام أنفسنا عاجزين أمام صبرها وقوة عزمها.
تزوجت عقل، وكان عمرها 12 عام، تركها زوجها بطفلين أكبرهما يبلغ من العمر عامين في رحلة عمل أخذته للعراق كحال جميع العمالة المصرية آنذاك، انقطعت عنهما كل سبل الاتصال، حاولت الوصول إليه بكافة الطرق الممكنة لكن محاولاتها عادت بالفشل خاصة بعدما أخبروها أنه من المحتمل أن يكون " مات " في الحرب.
تأكدت عقل أن الله اختارها لمهمة صعبة، فبدأت تشق الطرق وتعد الحصى بحثًا عن لقمة العيش الممزوج بعرق الجبين، لتنفق على طفليها بعيدًا عن سؤال الناس ؛ امتهنت جميع الحرف، يكلل همتها الشرف المصحوب بالأمل، وبعد عشرة أعوام من سعيها الشاق، تمكنت من شراء مكينة حياكة، فعلمت نفسها بنفسها وبدأت تحيك ثياب جيرانها، حيث كان طفليها قد التحقا بالمعهد الأزهري الابتدائي بقرية " نزلة البدرمان " فكانت تأخذ طفليها إلى المعهد، ثم تذهب إلى الحقل، وتغدو عائدة إلى المنزل المكون من طابق واحد وغرفة واحدة مبنية بالطوب اللبن الذي لازلت تسكن فيه حتى الآن، فتبيت على ميكنتها متكئة حتى شقشقة الفجر.
اشتدت عليها قلة الحيلة في تدبير شئونها، فذهبت إلى مكتب الشئون الاجتماعية وطلبت مساعدة مالية، فهي لا تملك وظيفة ولا تعلمت في مدارس وليست من ملاك الأرض الزراعية فلا سند ولا مصدر دخل دائم... وافقت محكمة الأسرة على مساعدتها واتفقت معها على إعطائها (60) ج شهريًا لمدة عام.
بعد (15) عام نصحها أحد المسئولين أن تطلب الطلاق من المحكمة لأنها الطريقة الوحيدة التي ستحصل من خلالها على راتب حكومي شهري لن ينقطع، وعندما سمعت هذه النصيحة، تذكرت زوجها فبكت يراودها إحساس عودته المنتظرة المفقودة، وكان الرجال يطرقون لخاطرها طبول الليل آملين في موافقتها على الزواج من أحدهم فأبت لأجل طفليها.
مضت سنوات قليلة وقد وصل ولديها إلى مرحلة الثانوية، والسنوات تعدو خلف بعضها، حتى التحق الاثنان بالجامعة، فدخلا كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بمحافظة أسيوط، وكان أكثر ما يؤلمها أن يأتي العيد بلا أبيهما فيصبح العيد بلا عيد حتى يطل المشهد السعيد العصيب وتزوج ابنيها وفي حفل زفافهما، شعرت بحاجتها لوجود هذا الغائب " الميت الحي ".
ظلت على حالها تعمل وتكد وتناضل صعوبات الحياة وبعد (25) عام، وصل " تلغراف" لفاطمة قد أرسل لها من العراق حاملًا رسالة من زوجها المفقود ليخبرها أنه لازال على قيد الحياة لم تشعر بالمفاجأة لأنها كانت على يقين بعودته، ثم ذهبت بأحفادها وأولادها لتنتظر جد الصغار وأب الكبار من داخل حجرة المطار وها هو الآن قد عاد إلى بيته مجددًا وكان قد ترك أبنائه أطفالًا فيعود ليحمل على كتفيه أطفالهما.
تطل علينا فاطمة عقل، من أقصى الجنوب الغربي لمحافظة المنيا، بمركز دير مواس ابنة قرية زعبرة، تلك المرأة المكافحة، التي لبست ثياب صعيد مصر بثقافته الصلبة المعقدة وأفكاره التراثية التي لا تتأثر بعوامل التكنولوجيا، حيث نجحت في القيام بدور الأب والأم في غياب زوجها، لتقدم لنا نموذجًا شامخًا للمرأة الصعيدية ذات الخمسين عام، فنبدو أمام أنفسنا عاجزين أمام صبرها وقوة عزمها.
تزوجت عقل، وكان عمرها 12 عام، تركها زوجها بطفلين أكبرهما يبلغ من العمر عامين في رحلة عمل أخذته للعراق كحال جميع العمالة المصرية آنذاك، انقطعت عنهما كل سبل الاتصال، حاولت الوصول إليه بكافة الطرق الممكنة لكن محاولاتها عادت بالفشل خاصة بعدما أخبروها أنه من المحتمل أن يكون " مات " في الحرب.
تأكدت عقل أن الله اختارها لمهمة صعبة، فبدأت تشق الطرق وتعد الحصى بحثًا عن لقمة العيش الممزوج بعرق الجبين، لتنفق على طفليها بعيدًا عن سؤال الناس ؛ امتهنت جميع الحرف، يكلل همتها الشرف المصحوب بالأمل، وبعد عشرة أعوام من سعيها الشاق، تمكنت من شراء مكينة حياكة، فعلمت نفسها بنفسها وبدأت تحيك ثياب جيرانها، حيث كان طفليها قد التحقا بالمعهد الأزهري الابتدائي بقرية " نزلة البدرمان " فكانت تأخذ طفليها إلى المعهد، ثم تذهب إلى الحقل، وتغدو عائدة إلى المنزل المكون من طابق واحد وغرفة واحدة مبنية بالطوب اللبن الذي لازلت تسكن فيه حتى الآن، فتبيت على ميكنتها متكئة حتى شقشقة الفجر.
اشتدت عليها قلة الحيلة في تدبير شئونها، فذهبت إلى مكتب الشئون الاجتماعية وطلبت مساعدة مالية، فهي لا تملك وظيفة ولا تعلمت في مدارس وليست من ملاك الأرض الزراعية فلا سند ولا مصدر دخل دائم... وافقت محكمة الأسرة على مساعدتها واتفقت معها على إعطائها (60) ج شهريًا لمدة عام.
بعد (15) عام نصحها أحد المسئولين أن تطلب الطلاق من المحكمة لأنها الطريقة الوحيدة التي ستحصل من خلالها على راتب حكومي شهري لن ينقطع، وعندما سمعت هذه النصيحة، تذكرت زوجها فبكت يراودها إحساس عودته المنتظرة المفقودة، وكان الرجال يطرقون لخاطرها طبول الليل آملين في موافقتها على الزواج من أحدهم فأبت لأجل طفليها.
مضت سنوات قليلة وقد وصل ولديها إلى مرحلة الثانوية، والسنوات تعدو خلف بعضها، حتى التحق الاثنان بالجامعة، فدخلا كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بمحافظة أسيوط، وكان أكثر ما يؤلمها أن يأتي العيد بلا أبيهما فيصبح العيد بلا عيد حتى يطل المشهد السعيد العصيب وتزوج ابنيها وفي حفل زفافهما، شعرت بحاجتها لوجود هذا الغائب " الميت الحي ".
ظلت على حالها تعمل وتكد وتناضل صعوبات الحياة وبعد (25) عام، وصل " تلغراف" لفاطمة قد أرسل لها من العراق حاملًا رسالة من زوجها المفقود ليخبرها أنه لازال على قيد الحياة لم تشعر بالمفاجأة لأنها كانت على يقين بعودته، ثم ذهبت بأحفادها وأولادها لتنتظر جد الصغار وأب الكبار من داخل حجرة المطار وها هو الآن قد عاد إلى بيته مجددًا وكان قد ترك أبنائه أطفالًا فيعود ليحمل على كتفيه أطفالهما.