"منذ عصر الفراعنة" العطارين والطب الشعبي حكاية لها جذور تاريخية
الثلاثاء 28/أغسطس/2018 - 02:01 ص
إسلام مصطفى
طباعة
الطب الشعبي لم يكن وليد اللحظة، بل له جذور وأصول تاريخية كبيرة، لاسيما عند المصريين القُدماء الذين عُرفوا بأنهم أساطين الطب، وهم من قال عنهم بلونيوس "إنهم مُبتدعوا فن الشفاء ومكتشفوا خواص العقاقير"، فضلًا عن تخصيص إله للطب وهو "أمحوتب"، تلك المعلومات استحضرتها إلى أذهاننا الأجواء التي رصدها " بوابة المواطن" بشارع العطارين في شارع الأزهر، حيث حركة البيع النشيطة التي تُخبر الجميع أن الطب الشعبي ما زال حيًا.
محلات العطارة
بمجرد دخولك إلى الدُكان العتيق في ثنايا شارع العطارين بالأزهر، والذي في الغالب يكون موروثًا على مدار أجيالًا عديدة وسنوات مديدة، لم تُغير من نشاطه ولا من عبق الروائح المُنبعثة منه، فهنا تجد أجولة متوسطة الارتفاع، كل منها يُخبأ بداخله نوع مُعين من الأعشاب التي تطيب النفس عند استنشاق روائحها، نعمة من الله كما يرى الرجل الذي يُعد بمثابة رئيس مملكة العطارة.
مزروع بكل جوال من الأجولة الطيبة الرائحة، ورقة مدون عليها الصنف والسعر، فهذا كركديه أسواني وتلك فلفل أسود، وذاك كمون بلدي وغيرهم من الأعشاب العطرة، والمُعالجة في الوقت ذاته، لاسيما وأن الملك التي يتربع على عرش تلك المملكة يعرف خبايا وأسرار كل عُشب على حدا، والخلطات السحرية التي لا يملكها إلا هو، فكل ملك بمملكة العطارين لديه من أسرار المهنة ما يكفي أن يجعل له مُريدين وزبائن تثق به وبوصفاته السحرية.
مزروع بكل جوال من الأجولة الطيبة الرائحة، ورقة مدون عليها الصنف والسعر، فهذا كركديه أسواني وتلك فلفل أسود، وذاك كمون بلدي وغيرهم من الأعشاب العطرة، والمُعالجة في الوقت ذاته، لاسيما وأن الملك التي يتربع على عرش تلك المملكة يعرف خبايا وأسرار كل عُشب على حدا، والخلطات السحرية التي لا يملكها إلا هو، فكل ملك بمملكة العطارين لديه من أسرار المهنة ما يكفي أن يجعل له مُريدين وزبائن تثق به وبوصفاته السحرية.
محلات العطارة
لم تكن تلك الأسرار التي بجُعبة العطار نبت شيطاني، بل هي مولودة ثقافات مصرية قديمة قِدم المصريين القُدماء، الذين استخدموا النبيذ والعطور في التحنيط، بل وأنهم أول من استخدم القمح لمعرفة نوع الجنين، فلن يكون هناك غرابة على الإطلاق على العلاجات الشافية التي يُقدمها هؤلاء العطارين.
بينما يقف العطار داخل مملكته ووسط الأجولة المُعبئة بالأعشاب العطرة، ترمق عيناك خلفه جزء من لوحة فنية رائعة أينعم لم يدخل في تلوينها ألوان المياه أو الألوان الزيتية، ولم يكن القماش المكون الرئيسي في تلك اللوحة، كما المُعتاد في اللوحات الفنية؛ إلا أن تلك اللوحة التي تمتد على جدران العطارة بأكملها ليس خلفه فقط، تلك اللوحة الفنية تجد ألوانها الزاهية مُتمثلة في ألوان الزيوت العطرة ألوانًا طبيعية تبعث في الروح حالة من البهجة الحقيقية، هذا بجانب روائحها العطرة التي تفوح في كل أركان المكان العتيق.
وفي تلك المملكة العطرة تجد الملك والمُترددين عليها جميعهم يؤمن فقط بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا"، فالزبون يعلم جيدًا أن الخلطة العُشبية لن تُجدي نفعًا في حالة اعتماده عليها في المُطلق، دو التوكل على الله أن الشفاء رزق من عنده، وبدون سر التوكل لن يفلح على الإطلاق سر العطار، وأما ملك المملكة العطرة، تجده يعلم جيدًا أن توكله على الله لن يخذله أبدًا، هذا التوكل الذي جعله ملكًا حقيقيًا في العِطارة التي ورثها عن الأجداد.
محلات العطارة
وبما أن المصري القديم ترك ما يشهد على تمكنه وخبرته بمجال الأدوية، بتدوينه ذلك على جُدران المعابد والمقابر بل وأوراق البردي، التي كان أشهرها "ايبرس" و"كاهون"، وهاتان البرديتان دونتا وثقتا وجود النباتات الطبية والعطرية، منها ما زُرع بمصر ومنها ما تم استيراده من الجزيرة العربية والصومال والحبشة، بل ووثقت أيضًا تلك البرديات استخدام المصري القديم للأنيسون، والبصل والثوم وبذر الكتان والزعفران والشمر والخُشخاش وقشر الرمان؛ والذي ما زال يُستخدم إلى الآن، وغير ذلك من النباتات والأعشاب.
فإن الطب الشعبي أو الطب العُشبي أو البديل، قل ما شئت من أسماء هو مصري أصيل، شربه هؤلاء العطارين المصريين من جدود الجدود، ومازال حيًا يشهد عليه شارع العطارين، وروايات المُتعافين بوصفاته السحرية.