بعيدا عن جرائمها السياسية والإرهابية بحق الوطن، يعتبر نشر الإلحاد من أخطر جرائم جماعة الإخوان الإرهابية بحق الشباب، في مخطط بدأه رأس الشيطان حسن البنا، وكاد أن يكتمل في ٢٠١٢ بوصول الجاسوس محمد مرسي إلى سدة الحكم، قبل أن يسقطه الشعب في الثلاثين من يونيو، فكيف بدأ هذا المخطط وماذا كان الهدف منه، وكيف أصبح الشباب ضحايا الفكر الإخواني طوال تسعين عاما؟
عندما نزل الإسلام في بيئة العرب، لم يصطدم بالهوية الثقافية للمجتمع حينئذ، بل عمل على احترام جميع العادات الاجتماعية للعرب، من تكريم المرأة وإعلاء شأنها، والحفاظ على الهوية العربية، التي شرفها القرآن باعتمادها لغته دون سائر اللغات، ولم ينكر على أهل البادية إلا أمورا بسيطة لم تكن صنيعة العقل الجمعي للمجتمع بقدر ما كانت تجرى في دائرة ضيقة جدا، ربما لا تتفق مع المجتمع بأسره، بعكس ما فعل الإخوان، الذين كان أول ما فعلوه هو تذويب الهوية المصرية وتشويهها، رغم أن المصريين هم أول شعوب الأرض التي عرفت الوحدانية، ربما حتى قبل نزول الرسالات السماوية، ولما لا وهم أول من اتبعوا نبي الله يوسف عليه السلام، تعرفوا توحيد الآلهة قبل اي أمة أو حضارة أخرى.
كانت الهوية المصرية المستمدة من سماحة الدين وليس الغلو والتشدد، هي حائط الصد أمام مذهب الإخوان الجديد، الذي بدأوا في تصديره للمجتمع كبديل لدين المصريين السمح السهل القائم على الحب وليس الكراهية، الذي قوامه الوحدة وليس الفرقة، الذي لا يصطدم بهوية المجتمع الثقافية طالما لم تكن بعيدة عن جوهر الدين.
وقد ظل الإخوان طوال تاريخهم الأسود يحاولون هدم هذه الهوية وتشويهها دون جدوى، بفضل تماسك النسيج الوطني المصري، حتى نجحوا في حقبة التسعينيات في غزو الشارع المصري، مدعومين من الخارج، إلى أن وقع العديد من الشباب في فخهم، منخدعين بشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لتبدأ الهوية المصرية في التأثر للمرة الأولى في تاريخ المصريين، منذ الفتح الإسلامي، ليعرف المجتمع مفردات كانت غريبة عليه، من "هذا حلال وهذا حرام" بما "تصف ألسنتهم الكذب" كما قال القرآن، لتكون النتيجة هي أن كل شيء صار حراما، فما كان المجتمع يعتبره حسنا صار بدعة، وما كان مباحا صار حراما، وفي أفضل الأحوال مكروها، لتضيق دائرة المباحات في المجتمع مقابل اتساع دائرة المحرمات التي شملت كل شيء من فن وجمال وعلم وثقافة وتاريخ وحضارة، فماذا كانت النتيجة؟
بالطبع لا أقول أن المجتمع سقط بأكمله في هذه الدائرة البغيضة، التي لم يوصي بها نبي أو رسول، ولكن مع غياب النخب الوسطية الممثلة في الأزهر الشريف، سواء بتراجعها ذاتيا أو تحت تأثير التشويه من نخب الإخوان، بدأ الشباب في اعتناق الفكر الإخواني، ومن رحم الجامعة عاد الشباب لقراهم ومنازلهم بالحرام والمكروه، وبلفظ آخر عادوا بالنص على حساب الفهم المستمد من أهل العلم، فكانت النتيجة أن المجتمع كله، حتى من لم ينضم إلى دائرة الإخوان، أصبح يرى نفسه عاصيا وفي النار لا محالة، وتدريجيا تفشى مرض اللامبالاة بالنسبة للدين بين الشباب، ولسان حالهم يقول إذا كان كل شئ حرام ونحن لا محالة في النار، كما أوهمهم زبانية الإخوان، فما الداعي للقرب من الله، الذي صدره الإخوان للمجتمع باعتباره -تعالى- رب النار وليس الجنة، رب العذاب وليس الرحمة، ولذلك نفر معظم الشباب من الدين، حتى القيم الوسطية التي تربوا عليها لم يعودوا مؤمنين بها البتة، بعد أن تشوهت عقولهم بسموم سيد قطب وتلامذته من شيوخ الإخوان.
ولم يكن انفضاض الناس عن الدين خيارا محضا، وإنما بسبب من شدد عليهم دينهم، وهو أمر أقر به القرآن وأعلم به نبيه الكريم إذ قال "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" وهو ما حدث فعلا من انفضاض الناس عن روح وسماحة الدين بعد أن شوهه الإخوان وجعلوه حملا ثقيلا تنوء له الجبال، وما هكذا أراده الله الذي بعث نبيه "رحمة للعالمين" وليس معذبا لهم مشددا عليهم.
وطوال عشرون عاما، ظل هؤلاء الشباب مخدوعين في النخب الإخوانية، باعتبارها الوصي على الدين، دون الأزهر والأوقاف، حتى وإن لم ينضموا لدعوة الإخوان، إلا أن العاطفة الدينية للمصريين تهوى دائما كل من يتحدث في الدين، حتى لو كان الحديث منفرا وليس مقربا، ففي النهاية العقيدة داخل قلوب المصريين كانت مطلقة وتواقة لكل من يتحدث بالدين، حتى جاءت الصدمة؟
كانت صدمة المجتمع الحقيقية بعد وصول الإخوان للحكم، فأهل الدين وحماته الذين انتظرهم المجتمع ليصلحوا ما أفسده الآخرين، ومنحهم أصواته في الانتخابات، أصبحوا هم الفاسدون، واختفى الحرام الذي كانوا يخوفون المجتمع به، فالفن الذي كان حراما أصبح حلالا مع استقبال المعزول محمد مرسي الفنانين والفنانات، والخمر والنوادي الليلية لم تعد حراما بعد أن فرضوا عليها ضرائب إضافية، والكذب السياسي والنفاق المجتمعي أصبح شيمة الإخوان، أصبحوا يتنفسون كذبا وكل ما أوصوا به يوما تركوه إلى غيره، وهنا كانت الصدمة أو الهزة النفسية للشباب.. حقا كبيرة.
لم يكن الشباب الذين ألحدوا جناة، ولكن في حقيقة الأمر كانوا ضحايا ومجنيا عليهم، وأصبح الأمر كما لو كان أحدهم تلقى صدمة عصبية سجنته داخل شخصيته فلم يعد يتحدث أو يتفاعل مع من حوله، هذا ما حدث مع هؤلاء الشباب، نعم كانت الصدمة قوية لدرجة اتجاههم للإلحاد بعد سقوط رموزهم الدينية، التي لم يروا غيرها، فاتجهوا للإلحاد، لتكون سنة محمد مرسي في الحكم هي سنة الإلحاد، الذي لم يعرفه الرأي العام إلا في هذه السنة الكبيسة.
نعم ساهم الإخوان في تنامي ظاهرة الإلحاد بأكثر ما حلم به أعداء هذا الدين، لكن هل انتهى الأمر عند هذا الحد؟
يطيب لي في هذا المقام الاستدلال بما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي في تعليقه على ظاهرة الإلحاد عندما قال أن الشباب الذي يدعي الإلحاد ليسوا ملحدين في حقيقة الأمر وسيعودون قريبا، وهو تصريح يكشف عن فهم سيادة الرئيس للصدمة التي تلقاها هؤلاء الشباب، وطالما كان الأمر مجرد صدمة وليس فكرا،فحتما سيعودون للدين النقي السمح أو الحنيفية السهلة، التي جاء بها النبي محمد، نعم سيعودون بلا شك بعد أن طهر المجتمع نفسه من رؤوس الفتنة، وسقطوا كأوراق الشجر، بعودة الهوية المصرية التي كاد المجتمع أن يفقدها في سنة الإخوان، قبل أن يستردها الشعب في ٣٠يونيو مدعوما بجيش مصر الأبي وقائده الرئيس الوطني وليس العميل أو الجاسوس مرسي. نعم سيعود هؤلاء الشباب مع كل انجاز يجرى على أرض الواقع، مع استرداد الجمعيات الأهلية والمنظمات الثقافية من قادة التكفير، فمصر باقية وهويتنا باقية رغم كيد الإخوان.