جميعنا يبحثون عنها ،وهى سر الوجود ،هى غاية أى انسان ،رغم كونها صعبة الوصف ؛لأنها ليست شئ مادى أو ملموس .. ودائماً أصغب الأهداف هى الأهداف المعنوية ؛حيث أنها بدون قواعد ومنطقيتها غير محدودة .. هى حلم فى بدايته ثم يتحول إلى واقع عند البعض ووهم عند الآخر ، ومن ثم إلى حلم مرة آخرى
طيلة حياتنا نبحث عنها فهى هدف كل منا وهى " السعـادة "
قد نجدها فى كل من ( راحة البال – الفرح – النجاح – الحب ) برغم انهم سعادة وقتيه !!
راحة البال: يتمناها العاجزون هروباً من قلقهم
- فالمهدد بالإفلاس عاجز وقلق ،والسعادة تعنى له راحة البال كى يمر بأذمته المادية بأقل خسائر.
- كذلك الطالب الغير مجتهد عاجز وقلق ،والسعادة تعنى له راحة البال كى يمر بالامتحان دون رسوب وليس الحصول على أعلى الدرجات.
• فى النهاية متمنون "راحة البال" يحصلون على سعادة وقتيه تنتهى بإنتهاء الأزمة والهروب من قلقهم.
الفرح : هو ضد الحزن يأتى بمثابة الصدمات الكهربية لمريض فقد الوعى ،وأوشك على الموت.
- فالعروس فى زفافها تفرح ؛فها قد وجدت ضالتها ،ولكن إذا تسألت ماذا بعد؟! .. لن تجد إجابة فالصحراء جذابة بجبالها ورمالها ،لكنها شاقة جداً.
- أيضا نجد أحدهم يلقى بعض النكات ،فيعم الضحك والفرح ولكن فجأة يعم السكون
• لذا متمنون الفرح لن يصلوا إلى لسعادة وقتية حرفية.
النجاح: يرى البعض أن السعادة تكمن فى النجاح ،فى الواقع النجاح أقرب مصطلح للسعادة إذا تواصل من نجاح إلى نجاح وهذا أمراً صعب ،وبالأخص أن للنجاح أعداء.
- عندما ينجح الطالب المتفوق يكون سعيداً ،لكنه سرعان ما يكتشف أن لديه مشواراً طويلاً فى النجاح ،وهناك من نجح دراسياً وفشل حياتياً.
- أيضا من ينجح فى عمله يتأهل إلى مسئولية أكبر وتحدى أكبر ويحصد أعداء أكثر ،فيصبح نجاحه بداية لمواجهة العواصف.
• لذا فمتنون النجاح يحصلون على سعادة وقتيه ،وعندما يواجهون الفشل بعد نجاحهم يصابون بالإحبـاط.
الحب: ليس فقط سعادة وقتية بل أنه وهم السعادة ،الحب يتطلب أن تهتم ،وتطيع وتستمر بالعطاء ،سيكون الأمر جيد إن كانت الأفعال متبادلة ،لكن الجميع مختلف فى الصفات ،وفى التفكير ،وفى الطباع.
إن كان الحب يعطى مشاعر إيجابية فإن الخلاف مع من نحب - مجرد الخلاف – يعطى مشاعر سلبية جداً ؛لذا فهو وهم ،لكنه بالطبع وهم لابد منه – أعنى وهم السعـادة -.
لكن ما معنى السعادة أو بالأحرى ما هى السعـادة؟!!
لو سألت إنسان لماذا تفعل هذا؟ ولأى شئ تفعل ذاك؟ لقال: أريد السعـادة!! سواء قالها بحروفها أم بمدلولها .. بمعانيها أو بحقيقتها
إن ألقينا نظرة عن أقول بعضهم عن السعادة نجد:-
• سينيكا: فيلسوف رومانى
"إذا أردت أن تسعد رجلاً فلا تعمل على زيادة ثروته .. ،لكن حاول أن تقلل من رغباته.."
• بنجامين دذرائيلى: سياسى بيرطانى
"ربما تقوم بشئ لا يجلب لك السعادة ،وليست هناك سعادة دون القيام بشئ"
• ليوتولستوى: أديب روسى
"أننا نبحث عن السعادة غالباً وهى قريبة منا ،كما نبحث فى كثير من الأحيان عن النظارة وهى فوق أعيننا"
• صمويل سمايلز: كاتب أسكتلندى
"السعادة كالشمس ،كلما تقدمنا منها ألقت بظل متاعبها خلفنا."
• ما يتردد فى ذهنى عن السعادة:
" السعادة أن يعيش الإنسان مع زوجه يحبها ،وفى بلد يحبه ،وأن يعمل ما يحبه ... ويوما ما لابد وأكون سعيداً."
ولكى نصل إلى السعادة الحقيقة فلابد أولاً أن نتخلص من العوائق التى تفصل بيننا وبينها ،وهذه العوائق هى عبارة عن كافة أشكال المعاناه ...!!
المعاناه:-
هى الشدائد التى تواجهنا ،الآلام التى نعانيها، فشل يصدمنا ،هزيمة ألحقت بنا ،أن يضيع الأمل أو نضل الطريق .. فالمعاناه تجربة شخصية يرجع مردها إما إلى سبب مادى كالألم الجسدى أو قد تكون سبب نفسى كالمشاكل الحياتية المختلفة ،كما يمكن أن تتدرج المعاناة من أمور بسيطة إلى أمور غير محتملة يرجع تقديرها حسب الشخص ..
ويذكر "نيتشة" عن المعاناه:-
• " أن نحيا هو أن نعانى .. أن نبقى على قيد الحياة هو أن نجد معنى ما فى المعاناة."
• ثم يتضح وجهة نظر "نيتشة" أكثر عن الحياة والمعاناه قائلاً:- " الحياة تعنى أن نعيش فى خطر!! صدقونى إن السر الذى يجعل الوجود ممتعاً ومثمراً هو أن تعيشوا فى خطر ! فلتبنوا مدنكم تحت بركان ! ولترسلوا سفنكم إلى بحار مجهولة ! ولتعيشوا فى حرب أندادكم ومع أنفسكم ! ولتكونوا غزاة مادمتم لا تستطيعون أن تكونوا حكاماً ومالكين .."
أمام كافة أشكال المعاناة التى نلاقيها يمكن طريقان :-
• المسكنات:
المسكنات هى الهروب من المشاكل وعدم مواجهتها ،وطرقها كثيرة:
- هناك من يستخدم أساليب المسكنات بشكلها الملموس مثل: الكحوليات والمواد المخدرة ،وهذه بالطبع هروب وليس حل
- وهناك من يستخدم المسكنات بشكلها المعنوى إما تحت أوال وحكم وقصص أو مسكنات دينية .
• الأمر الواقع:
الطريق الثانى وهو المواجهة ... أن تواجهة المعاناة ؛لأنها الحل الوحيد أما أن تكتشف الحل وأما أن تتقبل الأمر كما هو ،فأحيانا الرضا بالأمور يجعلك سعيداً أو على الأقل يخلق منك أشياء أفضل وأفكار أفضل ،فربما تجد للسعادة طريق آخر.
فيقول الفلاسفة والأدباء :
- " من يخاف المعاناة .. يعانى بالفعل مما يخافه " –ميشيل دى مونتين
- " من المعاناة بزغت أقوى الأرواح ،فأعظم الشخصيات معلمة بندبات " –جبران خليل جبران
- " إن العظماء الذين عرفناهم فى حياتنا هم أشخاص عرفوا الهزيمة ،عرفوا المعاناة ،عرفوا المصاعب ،وعرفوا الخسارة ،لكن فى نفس الوقت عرفوا الطريقة التى يتعاملون فيها مع كل ذلك " –اليزابيث كوبلر روس
أما السعادة الحقيقة : فأن تجد نفسك .. أن تعرف ذاتك ،قدراتك ،مهاراتك .. هنا انت تعرف ما تريده
وما يمكنك فعله ،فتعمل ما تحب فتنجح ، تسعد نفسك بما تستطيع فعله ،حينها تشعر بأنك رائع ومميز ،هذه الثقة تجعل منك شخصاً سعيداً .. فقط أن تجد ذاتك.
ولتحقيق السعادة هناك قواعد يجب أن تعلمها جيداً:-
• سعادتك فيما يلائمك
لو أجتمع كل ما قيل عن السعادة من آراء لكان من مجموع ذلك التعريف الصحيح الكامل للسعادة أنها فى الجاه والسلطان .. وفى الصحة والشباب .. وفى راحة الضمير .. وفى أداء الواجب .. وفى إسعاد الآخرين .. وفى الثراء العريض .. وفى المال والبنين.
ولكى نجمع الآراء المتفرقة جميعها ونضعها فى مدلول صحيح للسعادة فنقول " أن السعادة هى إدراك الملائم" .. فحين يقع الإنسان على ما يلائمه ويعيش فيه ،يكون قد ظفر بأحسن حال يمكن أن يتذوق فيها طعم السعادة
• السعـادة أمر نسبى
إن السعادة أمر نسبى .. يخضع لقدرات الفرد .. كل حسب إمكانيات تفكيره ونوازع شعوره .. ودوافع نفسه .. ولكنها مع ذلك قدر مشترك بين الناس.
• طريق السعـادة
أن السعادة غاية الجميع ،أما السبيل إليها فمختلف بإختلاف الطبائع .. حرمها الناس طويلاً فإزداد شوقهم ،وأحتشدت فى قلوبهم الكظوم والضغائن .. حتى لكان الإنسانية تتحرك اليوم فوق بركان ثائر .. ويتضح هذا من السلوكالإنسانى المختلف.
إن مجالات السلوك الإنسانى كثيرة ومتعددة ومتفاوتة من حيث درجة تركيبها وتعقيدها .. ولا شك فى أن سلوك الحيوان أقل تعقيداً من سلوك الطفل .. وسلوك الطفل أقل تعقيداً من سلوك الراشد.
وهناك نوعين من المواقف السلوكية للأطفال:- مواقف يبدو فيها الطفل فرحاً سعيداً وآخرى على العكس يكون فى حالة ألم وضجر .. والأختلاف بين الموقفين واضح جداً .. لأن الطفل بطبيعته متطرف لا يفهم الوسط ..
والعنصر المشترك فى جميع هذه الحالات هو عامل الحيوية .. فالأمور التى تساهم فى بعث الحيوية والنشاط من شأنها أن تبعث الفرح والسرور .. ،وتبدو سعادة الطفل فى أجمل صورها وأبهج مظاهرها عندما يكون نشاط الطفل حراً طليقاً ..وعندما تتاح له فرصة الإبداع والإبتكار فى ألعابه.
ومما هو جدير بالملاحظة: أن اللعب والإبداع الفنى لدى الطفل يمتزجان فى نشاط واحد .. وإن لحظة السعادة القصوى تحدث دائماً عندما يتسم النشاط بسمه الإبتكار والخلق.
ويتضح من تحليل نفسية بعض الفنانين المعاصرين: أن مضمون شعورهم أثناء فترة الإلهام الفنى شبيه بشعور الطفل من حيث البراءة والثقافة والإندفاع إلى العمل.
وما يقال عن الفنان المبدع .. يقال عن العالم الذى يكتشف حقيقة علمية جديدة .. بل يقال عن كل مرئ يتحرر فى لحظة ما من التكرار والألية ليخلق شيئاً جديداً .. أو ليبعث عاطفة جديدة .. أو يحدث أثراً جديدا ًفى أى ميدان من ميادين النشاط..
وعلى ذلك يكون طريق السعادة هو الطريق الذى يهيئ الفرص للخلق والإبتكار .. وهو الذى يحقق التحرر من الألية العمياء .. ومن التكرار الممل .. هو الذى يسمح لكل فرد من الصغار والكبار أن ينمى إمكانياته .. ويجعلها تزدهر فى جو من الاطمئنان والثقة.
لذا فأفضل طريق للسعادة هو النشاط والحيوية.
• أعرف ذاتك
نظرياً – إن لم يكن الجميع – فالسواد الأعظم متفقون على أن السعادة والطمأنينة من أعظم البركات .. أما فعلياً .. فكثيراً من يبيعها مفضلاً الثروة أو القوة أو الشهرة عليها.
وقال "باسكال" : "فلنعرف إذن حدنا وغاية جهدنا .. أجل .. أننا شئ ما فى الوجود .. ولكننا لسنا كل شئ." ولعل ضبط النفس والتسلط عليها أهم ما ينغى فى إبتغاء السعادة ..
أجل .. كل فرد مملوك ومحكوم عليه .. على حين الأفضل أن يحكم الإنسان نفسه ويملكها عن غيره .. ولكن ياللعجب أننا نتحمل من شيم الغير ما لاطاقة لنا عليه لو رأيناه من أنفسنا.
وعليك أن تصم أذنيك عن ذلك الصوت الداخلى الذى يلاحقك هاتفاً بك " أنت تافه حقير فاشل .. لا يعبأ بوجودك أحد ورفاقك أفضل منك وأوفر توفيقاً .. وهم جميعا يسخرون منك" ..،ولابد كى تسعد عليك من أن تتخلص من مخاوفك .. ويرى أحد أكبر علماء النفس أن عقدة "بوليكراتس" هى أعدى أعداء السعادة .. وقد كان "بوليكراتس" هذا حاكماً ديكتاتورياً عاش منذ ألفى عام .. وحالفه الحظ ،فوفر له كل عناصر النجاح والثروة والعز والجاه .. لكنه كان يخاف من المستقبل .. ويعتقد أن الآلهة ما أغدقت عليه كل تلك النعم الا لكى تنزعها منه فجأة لكى لتمعن فى النكاية به والسخرية منه .. وأشار عليه بعض خاصته بأن يقدم للآلهة قرباناً .. فأقام احتفالاً كبيراً لتقديم ذلك القربان .. وبدأ الأحتفال بإلقاء أثمن خاتم عنده فى عرض البحر .. ثم عاد فى موكبه البحرى إلى الشاطئ .. فما كاد يجلس لتناول الغذاء حتى وجد الخاتم الذى ألقاه فى البحر منذ ساعات قد عاد إليه فى جوف سمكة مشوية مما صيد فى ذلك اليوم .. وهنا أشتد خوفه وقلقه .. إذ أعتقد أن الآلهة لم تقبل قربانه لإعتزامها النيل منه .. ثم أستغل أعداؤه فترة يأسه وأسترساله فى الهم .. فأغاروا عليه .. وحطموا عرشه .. وخربوا إمبراطوريته.
ويقول هذا العالم النفسى: ان أُناساً كثيرون يشبهون "بوليكراتس" فقد توافرت لديهم كل ما من شأنه أن يسعدهم .. ولكنهم لم يعرفوا السعادة والراحة النفسية .. لأنهم يتوهمون أن القدر متربص بهم .. لكى يسلبهم أعز ما يملكون .. وبذلك جروا على انفسهم الألم والأرق والصداع واضطراب الهضم .. ،وغيرها من الأمراض العضوية الناجمة عن الاضطرابات النفسية .. فكانوا غير سعداء.
لو حاولت أن تتبع أثار هذا الأحساس بالخوف .. لأكتشفت غالباً إنه يرجع إلى مرحلة الطفولة حينما كان الأباء والأمهات يوحون إلى الطفل بأن كل ما يريده هو فيه خطر أو ضرر عليه .. فإذا أكثر من أكل الحلوى قليلاً "سوف تمرض" .. وإذا شرع فى عمل به شئ من المغامرة " سوف تدفع حياتك ثمناً لهذا" .. فأعرف نفسك وأعرف سبب مخاوفك .. تعش سعيداً.
• تخلص من أوجاعك
تخلص من أوجاعك التى كانت فى يوما ما سبب سعادتك ،كى تستقبل السعادة المقبلة ولا تضيعها ،فتذكر أن أسرع شئ هو الأيام السعيدة.
• سعادة الفرد والمجتمع
سعادة الفرد:
- رغيف عيش للمحروم .. وعدد كبير من الجائعين لبائع الخبز.
- صحـــة للمريـض .. وعدد كبير من المرضى للطبيب.
- نقص عدد الوفيات لوزيـر الصحـة .. وزيادة عدد الوفيات عند الحانوتى.
- عمل متواصل للعاطل .. راحة طويلة للعامل.
- إنخفاض أسعار للمستهلك .. زيادة أسعار للبائع.
أما سعادة المجتمع:
عدلة مع رحمة – حرية بغير فوضى – رخاء بلا إسراف.
وفى مجتمع سعيد يشعر الفرد بالطمأنينة والأستقرار ،كما يستطيع أن يصل إلى غايته ويحقق هدفه ألا وهو " السعـادة ".