حكاية حجر رشيد الذى ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة
الأربعاء 31/أكتوبر/2018 - 09:01 م
محمد وجيه
طباعة
تعد مدينة رشيد، بمحافظة البحيرة، عاصمة الكنوز المعمارية الإسلامية، وثاني مدينة بعد القاهرة وتضم بين جنباتها كنوز الآثار الإسلامية ويوجد بالمدينة حجر رشيد ذلك الحجر الذي ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة والذي لولاه لظلت الحضارة المصرية غامضة لا ندري عن أمرها شيئًا؛ لأننا لا نستطيع أن نقرأ الكتابات التي دونها المصريون القدماء على آثارهم.
حجر رشيد
حجر رشيد هو نصب من حجر الجرانودايورايت مع مرسوم صدر في ممفيس، مصر، في 196 قبل الميلاد نيابة عن الملك بطليموس الخامس. يظهر المرسوم في ثلاثة نصوص: النص العلوي هو اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية المصرية، والجزء الأوسط نص الديموطيقية، والجزء الأدنى اليونانية القديمة. لأنه يقدم أساسا نفس النص في جميع النصوص الثلاثة (مع بعض الاختلافات الطفيفة بينهم)، الحجر يعطى مفتاح الفهم الحديث الهيروغليفية المصرية
العثور على حجر رشيد
عُثر علي حجر رشيد فى شهر أغسطس عام 1799م، عثر عليه أحد الضباط الفرنسيين التابعين للحملة الفرنسية أسمه بوشارد وهو يحفر أحد الخنادق فى قلعة رشيد التى تبعد عن الإسكندرية 70 كم شرق وهو حجر من البازلت الأسود أرتفاعه ١١٣سم وسمكه ٢٧،٥سم عرضه ٧٥،٥سم مهشم من الجوانب والجزء العلوى وتم نقلها للمجمع العلمي المصري الذي كان نابليون قد أنشأه ويتكون من مجموعة من كبار العلماء الفرنسيين الذي جاءوا مع الحملة.
حجر رشيد مكون من 3 لغات
حجر رشيد مكتوب بثلاث لغات كان الحجر عبارة عن منشور ملكي كتبه بطليموس الخامس في عهد البطالمة، وهي اللغة اليونانية القديمة واللغة الهيروغليفية واللغة الديموطيقية، وهي اللغة الشعبية التي يتكلم بها عامة شعب مصر، في الوقت الذي كانت فيه اللغة الهيروغليفية يتكلم بها كبار الكهنة والطبقة الحاكمة.
نقشت على واجهة حجر رشيد سطور كثيرة، بقي منها 14 سطرا كتبت بالخط الهيروغليفي في أعلاه، و32 سطرا كتبت بالخط الديموطقية في وسطه، و 54 سطرا كتبت باللغة اليونانية في أسفله.
فك رموز حجر رشيد
وحاول قراءة هذه الخطوط عدد من الباحثين، منذ عام 1802م، كان أكثرهم توفيقا وحظا واستمرارا هو جان فرنسوا شامبليون وانتهت دراساتهم المتفرقة عام 1821 م إلى أن نقوش الحجر تضمنت قرارا أصدره المصريون المجتمعون في منف في عام 196ق. م، وشكروا فيه الملك البطلمي " بطليموس الخامس " على إعفاء معابدهم من تكاليف فرضها أسلافه عليها.
ومن التحليل نرى أن الكاتب المصري كاتب الحجر تعمد أن يجعل كتابته الهيروغليفية المقدسة كتابة المصريين في أعلى الحجر، وسجل كتابته الديموطقية الشعبية في وسطه، وجعل الكتابة الإغريقية لغة البطالمه فى الأسفل وذلك مما قد يعني أن عجز المصريين المادي إزاء حكامهم البطالمة الأجانب لم يمنعهم من أن يتلمسوا كل سبيل يعبر عن قوميتهم الدفينة وينتقم لكرامتهم المغلوبة على أمرها وذلك على الرغم من أن الحجر قد أقيم في منطقة غلب عليها النفوذ الإغريقي سواء أكان ذلك في رشيد نفسها أم كان قد نقل إليها من منطقة سايس.
كذلك نجد في ثناء الكهنة المصريين على الملك الأجنبي لم يمنعهم من أن يلمزوه في سياق النص بعبارات ضمنية، كانت منها عبارة تقول: " إن الملك ثبت للمعابد ومصر تقاليدها وفقا للقانون "، وكأنهم بعبارتهم هذه التي ضمنوها عامدين في سياق شكر الملك لم يروا فيما أثابهم به هذا البطلمي غير تسليم بما يأمر به التقليد أو العرف الواجب والقانون.
وأثناء خروج الفرنسيين من مصر، أصر قائد الأسطول الإنجليزي نلسون أن يسلم الفرنسيين كل ما في حوزتهم من اكتشافات أثرية عثروا عليها في مصر إلي الإنجليز ومنها حجر رشيد وتم لهم ذلك بالفعل، وأخذ الإنجليز حجر رشيد ووضعوه في المتحف البريطاني عام 1802م، والذي مازال قابعًا فيه حتي الآن.
محافظة البحيرة تنظم جولة لحفيد شامبليون
وكانت محافظة البحيرة نظمت جولة للسيد هيرفيه شامبليون، حفيد العالم الفرنسى شامبليون، وزوجته، الذي فك رموز حجر رشيد، في مدينة رشيد، زار خلالها عدد من المعالم التاريخية في المدينة، وحرص خلالها الضيف على حمل الكاميرا الخاصة به والتقاط بعض اللقطات للأماكن التراثية.
بدأت الجولة التي شاركت فيها المهندسة نادية عبده، محافظ البحيرة، والدكتور عبيد صالح، رئيس جامعة دمنهور، من قلعة قايتباي، في قرية برج رشيد، والتي اكتشف فيها الجندي الفرنسي بوشار حجر رشيد، وتقع على النيل قرب منطقة اللسان حيث التقاء النيل بالبحر المتوسط، وأبدت المهندسة نادية عبده، محافظ البحيرة، استيائها من سوء حالة نسخة حجر رشيد، وطالبت بالاهتمام بها ووضع سور حولها.
وزار "هيرفيه" وزوجته منزل عرب كلي الأثري، والذي يستخدم حاليًا كمتحف للمدينة، وأبدى إعجابه بتمثال جده العالم شامبليون الموجود في المتحف، كما أبدى إعجابه بنسخة نموذج حجر رشيد ونماذج الأسلحة والعملات القديمة الموجودة في المتحف، ووقف طويلًا أمام لوحة زيتية تمثل معركة رشيد التي انتصر فيها أهالي رشيد على الحملة الإنجليزية، وهي المعركة التي كانت سببًا في جلاء الإنجليز عن مصر.
وانتقل "هيرفيه" إلى الحديقة المتحفية المواجهة للمتحف، وهناك شاهدًا عرضًا فنيًا باللغة الفرنسية على مسرح الحديقة المتحفية، لتلاميذ مدرسة رشيد الخاصة للغات، ثم قدم التلاميذ عرض مسرحي يحكى قصة حجر رشيد وزبيدة البواب التي تزوجها القائد الفرنسي الثالث للحملة الفرنسية، والذي أطلق على نفسه بعد إسلامه اسم عبدالله جاك مينو، وتزوج زبيدة، ويحكى العرض مشهد مينو والجندي الفرنسي بوشار الذي اكتشف الحجر، وشامبليون الذي فك رموزه.
وأبدى "هيرفيه" إعجابه بالزيارة، وعبر عن سعادته بزيارة الأماكن الأثرية في المدينة وخصوصًا قلعة قايتباي، والتي كانت سببًا في شهرة جده، عن طريق كشفه رموز اللغة الهيروغليفية القديمة، مطالبًا بوضع المدينة على خريطة التراث العالمي لليونسكو لتكون متحفًا مفتوحًا للإنسانية.