هنا التقيا بالمصادفة في يوم بدون ترتيب لقاء مسبق..فبدأ احدهما بالتساؤل (احنا اتقابلنا قبل كدا) ولم يندهش الآخر فباغته بالجواب (حاسس كدا).
وهناك أعد أحدهم لقاءا ليجمع بين اثنين أو أكثر، فكانوا على علم بتفاصيل شتى تساعدهم سريعا للخروج من أزمة الجهل بالشخص، إلى محاولة الدمج بين الصمت والكلام...وبعد لقاء وتحية تعارف يندهش الجميع (بنتكلم كأننا نعرف بعض من زمان).
فما بين هنا وهناك، تنحصر آلاف القصص والحكايات ويبق التساؤل الأعظم (احنا فعلا اتقابلنا قبل كدا).
فيلقيها البعض كمصطلح مثير للدهشة، وآخرون كمصطلح دارج في مثل تلك المواقف، وتوقفت قلة قليلة لتبحث وتسعى خلف سر التساؤل المبهم، والذي ألقى لا للإتيان بالجواب، ولكن لمجرد أن يلقى في مجلس أثار الجميع ثم.......انقضى.
في حين أنه من الممكن الحصول على الجواب الصارخ بمجرد ترسيب عدة معلومات مكتسبة أو مقروءة، بالإضافة إلى فكر نشط يعمل على الدراسة والتحليل.
فكيف غاب عنا ما نقله احمد عن عمرو بن العاص عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- (ان أرواح المؤمنين لتلتقيان على مسيرة يوم وليلة وما رأى واحد منهما صاحبه)، وقال أيضا (الأرواح جنود مجندة ما تعرف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف) ،، دليل صارخ على ان الأرواح تلتقي وتتقابل وتتحاور وتنعم بالألفة والتفاعل في عالم غيبي، فما أن يكتب لها الله اللقاء فى أرض الواقع فتمس الأفئدة بأنامل روحانية تكن بمثابة رسالة من الله وربما تكن روحا لا يمكن أن تتركها وتغيب عنها.
ولا يمكن خلال سرد الحديث عن التقاء الرواح وأسرار اللقاء، أن نتغافل عن قول مؤسس الصوفية جلال الدين الرومي، حينما قام بالإفصاح عن كلمات تطايرت من الفرح بها قلوب العشاق، حين قال ( ان العاشقين لا يلتقيان وفق صدفة زمنية معينة، لأن أرواحهما قد التقت فى الأفق منذ زمن بعيد )، فهنا أفصح الرومي عن سر توافق روحين على أرض الواقع، غمرا لقاءاتهما بمقولات كثيرة (حاسس انى اعرفك قبل كدا _اتقابلنا قبل كدا _الشعور دا شبهنا قوى_حبيتك من قبل ما اشوفك ) بل رآه قبل أن يلقاه ولكنه يجهل.
فعالم الأفق، عالم التقاء الأرواح..عالم واسع وغامض ومثير، يحوى أسرار الخلائق مما يدل على الجانب الآخر على أن النفس والروح كيان قائم بذاته خارج الجسد، فحين يغمرنا النوم تكن الميتة الصغرى وتلتقي الأرواح بالموتى وهنا يقول جل شأنه (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى)، فليس بعد كلامه عز وجل شيء.
الآية الكريمة توضح أن أرواح الأحياء والموتى تلتقي، ويحدث الوفاق والتعارف وإذا أراد الله أن يقبض روحا أمسكها، وإذا أراد لأخرى أجل أرسلها لتعود إلى أرض الواقع تتخبط فيمن التقت بهم في الأفق.
فلسفة الكلمات متعة، وكل مصطلح لم يولد من فراغ، وكل حرف يلقى حتى يلتقط جواب لا أن يهوى في قاع مزدحم بالتعبيرات... وكفى.