سري للغاية.. كشفت تفاصيل مأزق المخابرات الفرنسية في حادثة سفينة السلام الأخضر
وجدت السلطة الفرنسية
في تقرير "تريكو" خلاصا لها من مأزق الصحافة الفرنسية لاسيما بعد الحملة
التي شنها "اندريه فونتين" ضدها ما جعل الصحف الفرنسية تواصل تحقيقاتها في
قضية إغراق سفينة السلام الأخضر، التي تخص المخابرات الفرنسية واستطاعت أن تظهر ملامح
الصورة جيدا وأن لها فضائح سياسية أمنية مؤرخة في أجندة التاريخ الفرنسي.
اتصل "اندريه
فونتين" مدير صحيفة الموند بأحد من مستشاري ميتران وابلغه إن جريدته حصلت على
معلومات موثقة تؤكد ان رجال المخابرات هم من أغرقوا سفينة السلام الأخضر وقال فونتير
لمستشار ميتران أن الموند ستنشر النبأ في عددهم الذي يصدر بعد ظهر اليوم نفسه.
فضيحة حادثة سفينة السلام الأخضر على صفحات الموند
طلب "اندريه
فونتين" من المستشار أن يعلق على النبأ بشكل رسمي ولكن قد حان موعد طباعة الجريدة
فصدرت الموند متضمنة النبأ المثير وهو ما يخص السفينة بكل ما فيه من معلومات خطيرة
وكشفت الموند تورط مدير المخابرات الفرنسية واثنين من كبار العسكريين هما "الجنرال
جان سولنبيه" رئيس هيئة الأركان الخاصة لرئيس الدولة والجنرال "لاكاز"
رئيس القوات المسلحة.
كان أخطر ما ينطوي
عليه تصرف الموند أن "اندريه فونتين" من أخلص أصدقاء الرئيس الفرنسي وقد
عرض عليه ميتران العديد من المناصب المهمة كما كلفه بمهمات خاصة في بعض الدول، وقد
ترأس ميتران اجتماعا لمجلس الوزراء آنذاك وأشار رولان دوما وزير العلاقات الخارجية
الفرنسي موضوع السفينة الغارقة وقال ميتران في مرارة واضحة أيا كانت مصلحة الدولة فليس
هناك ما يبرر هذا العمل أريد أن أعرف ماذا حدث بالفعل.
تلقى مكتب رئيس
الوزراء معلومات جديدة تؤكد تورط المخابرات الفرنسية وعدد من كبار المسئولين في القضية
الفضيحة واستعد فابيوس لاتخاذ قرارات مهمة حتى لا تقضي الحادثة على النظام بأكمله وعندها
ناقش ميتران وفابيوس تطورات ما حدث واقتنع بضرورة أن يقدم وزير الدفاع استقالته على
أن يحثه رئيس الوزراء على ذلك التصرف برسالة خاصة.
كان أشدها أغضب
ميتران أن هيرنو أخفى الحقيقة عنه لفترة طويلة مع أنه مدان في الحالين سواء أعطى الأوامر
بتفجير القضية أو ترك أجهزة المخابرات تتصرف بالطريقة التي تحلو لها كأنها دولة أخرى
مستقلة داخل الدولة الفرنسية.
وجه ميتران رسالة
معلنة إلى فابيوس واعترف فيها للمرة الأولى بأنه لا يعرف ماذا يجري داخل جهاز المخابرات
الفرنسية والجيش وأشار إلى ما نشرته الصحف الفرنسية لاسيما صحيفة اندريه فونتين، عن عملية نسف سفينة
حركة السلام الأخضر وطلب من ميتران في رسالته إجراء تغييرات عاجلة في جهاز المخابرات
الفرنسية.
كانت السلطات النيوزيلندية
تمام الكثير من المعلومات التي تؤكد تورط المخابرات الفرنسية في العملية وفي الواقع
كان هذا الباعث الأول للتطور التراجيدي في الأحداث وأن تلك السلطات ربما تكتشف الحقيقة
أثناء محاكمة العميلين الفرنسيين اللذين اعتقلتهما وكان رأي وزير الداخلية "جوكس"
أنه من الأفضل أن تغسل فرنسا غسيلها القذر بيديها.
قدم "هيرنو"
استقالته ولكنه حرص حتى اللحظة الأخيرة على تبرئة ساحته من تهمة التورط في عملية تفجير
سفينة السلام الأخضر وقال في رسالة إلى "فابيوس" إن بعض المسئولين في وزارته
أخفوا عنه حقيقة ما حدث وأنه لا يمكن أن يوافق على ذلك ومن ناحيته بعث ميتران رسالة
إلى صديقه "هيرنو" أعرب فيها عن أسفه لاستقالته التي طلبها ميتران وأثنى
على كفاءته أثناء ممارسة عمله كوزير دفاع منذ مايو ١٩٨١م.
قال "فابيوس"
مدير المخابرات الفرنسية للأميرال "لاكوست" لإصراره على عدم إعلان أسماء
الأشخاص الذين قاموا بتفجير السفينة بدعوى أن طبيعة منصبه كرئيس للمخابرات تستلزم ذلك،
أما المشهد الأخير من المسرحية كان بطله رئيس الوزراء فابيوس ظهر على شاشة التليفزيون
للفرنسي بشكل مفاجئ وأعلن للمرة الأولى في بيان قصير أن عملاء المخابرات الفرنسية هم
الذين أقدموا على نسف سفينة حركة السلام الأخضر وأنهم تلقوا أوامر القيام بما فعلوه
كما أخفوا الحقيقة عن برنار تريكو الذي تولى التحقيق في القضية.
أسدل الستار على
أخطر القضايا في مدى خمسة وأربعين عاما من عمر فرنسا ومع تعدد الأبطال الذين شاركوا
في أداء أدوار المسرحية فإن البطل الرئيسي في ذلك كله هو الصحافة الفرنسية التي فجرت
القضية وأصرت على كشف ملابساتها بل ورفضت كل محاولات التمويه والإخفاء التي بذلها المسئولون
في الحكومة الفرنسية حتى أضطر رئيس الجمهورية إلى الأمر لأن تعلن الحقيقة كاملة وتتم
استقالات وتعيينات جديدة تبعا لما تسفر عنه الحقائق الجديدة.
أخيرا فقد رفضت
الصحافة الحقيقة الرسمية وأصرت على القيام بواجبها رسميا لإظهار الحقيقة الفعلية ونشر
الوقائع كما حدثت وأنه إذا كان رئيس الدولة صديقا لكبار العاملين في مجال الصحافة فإن
مصلحة الدولة وسمعتها أقوى من كل الصداقات ونذكر على سبيل المثال صداقة ميتران لمدير
الموند اندريه فونتين.