قارئي العزيز:
أتدري ما الغربة؟
أهي وجود الإنسان بعيدًا عن وطنه وأهله وذكريات حياته أم وجود الإنسان داخل وطنه وأهله يعيش كأنه مسافر بسفينة بلا ربان ودون أن يصل؟
وقفت متسائلةً أيهما أشد ألمًا غربة الجسد عن الوطن أم غربة النفس عن أهدافها أو عن رسالةٍ يؤمن بها أو حلمٍ يسعى لتحقيقه أم عن أهلٍ يبعدون كل البعد عنك في الفكر وانعدام الحوار ؟
تركت أفكاري تجول في أعماق نفسي لتجيبني فوجدت أننا قد نلتقي بأشخاص ونحاورهم ونعيش معهم ولكننا لا نشعر معهم إلا بالتواصل الجسدى فقط ديناميكية تعامل تخلو من الشعور والود والراحة فلا وجود لأمان بينهم! إنها غربة شديدة.
فأرواحنا لا تتآلف معهم وعقولنا لا تتقبلهم ولكن ها هي الأقدار قد جمعت بيننا وبينهم سواءً في العمل أو في الحياة بأسرها
والأكثر شدة من ذلك هو الإحساس بغربة القيم والمبادئ، بغربة الضمير والأخلاق. تحس وكأنك فى غير موطنك فليس الغريب غريب الدار قارئي العزيز
غربة النفس هي أقسي ألم يمكن أن يشعر به الإنسان
فعندما تجلس بين أهلك صامتًا شاردًا لا تجد ما يقال لتشاركهم حوارًا ومشاعر يصبح بيتك مكانًا خاويًا يحتوي جسدك فقط فاعلم أنك تعاني من غربة نفسك ومع مرور الوقت تتحول وحشا يلتهم كل ما بداخلك من حبٍ وألفةٍ ومودةٍ ويلهمك بدلًا من ذلك الحزن واليأس فتصبح طوال الوقت مكتئبًا وضعيفًا وهشًّا. كم هو شعورٌ قاسٍ ومؤلمٌ بأن تجد روحك مغلفةً بجدار حديدي يصعب عليها الخروج ويصعب على الآخرين الوصول إليه
كثيرة هي تلك المرات التي شعرت فيها بغربة الروح برغم زحام الحياة والتواجد بين الناس ولكن عزائي الوحيد أنها تجبر قلمي على البوح وهو ما يريحني.