العلم ..ومصر..وأم كلثوم..ونجيب محفوظ
أربع ملامح بارزة تركت تأثيرها علي شخصية العالم المصري الراحل الحائز علي جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1996،الدكتور أحمد زويل،الذي وافته المنيّة مساء أمس عن عمر يناهز السبعين عاما ً،بعد صراع مع مرض سرطان الحبل الشوكي.
أعجب زويل ببساطة شخصية نجيب محفوظ رغم حصوله علي نوبل كأعلي تكريم لروائي مصري وصل إلي مصاف العالمية فتأثرت بها شخصية زويل ولغته –خاصة المكتوبة التي عرفناها في مقالاته وكتبه..كما كانت ام كلثوم حاضرة معه بشكل دائم منذ تحصليه الدراسي الأول حتي كتابة أبحاثه العلمية واجراء تجاربه،فهو بحسب ما ذكره في أكثر من حوار "مبعرفش أذاكر أو اشتغل الا علي صوت أم كلثوم" و"أدندن معاها" .
ربما لم يأتِ اعجابه بأم كلثوم ونجيب محفوظ صدفة؛فهما من أفضل من عبرا عن الروح المصرية..التي كانت هي الغاية التي يسعي إليها زويل،فالروح المصرية الأصيلة لعب فيها الفن والعلم دوراً أساسيا ً كونت ذلك الإنسان المبدع القديم الذي أقام حضارة لا يزال يندهش منها العلم الحديث ..ولهذا كان المثل الحاضر دائماً في أحاديث زويل هو الدور العلمي الكبير الذي لعبته مدينة الإسكندرية القديمة ومكتبتها كمنارة عالمية .
كانت هذه الفكرة ملحة عند زويل وتظهر أثناء تكريم جامعة كالتك الامريكية له في مارس 2016 حيث استعرض في كلمته أهمية الإسكندرية في الحضارة العالمية وكذلك تأثيرها علي تكوينه الثقافي والعلمي خلال الفترة التي تلقي العلم في مدارسها وجامعتها قبل أن يهاجر إلي أمريكا..وقال في كلمته عن نفسه " هذا الطفل كان محظوظا ً تربي في منطقة كانت غنية بالمعرفة والثقافة ..أنا شهدت بنفسي من خلال العيش في الإسكندرية..كل هذه الثقافات المختلفة..وقبل أن أولد بألفي عام كانت الإسكندرية بمثابة (كالتك) للعالم كله " – أي كانت اعظم جامعة في العالم كله.
ويعترف العالم المصري الراحل أحمد زويل أنه تلقي تعليما ً جيداً في مصر،وتحديداً في جامعة الإسكندرية في مقال نشره الموقع الإلكتروني العربي لصحيفة هافنجتون بوست يقول فيه : " حين ذهبت إلي جامعة الإسكندرية في ستينات القرن الماضي تجلي أثر هذا التراث في تعلمي الذي كان ممتازاً حقاً ".
ويوضح عنوان المقال السابق الإشارة إليه ما كان للإسكندرية من تأثير ومكانة خاصة لزويل في نفسه حيث عنونها بـ " دائرة القدر: من مكتبة الإسكندرية إلي مدينة العلوم والتكنولوجيا الجديدة" ..فالعنوان يشرح نفسه ويوضح ان خلاصة المشروع العلمي الذي تبناه زويل لمصر كان قائماً علي احداث نهضة علمية مصرية علي ضوء تجربة الإسكندرية القديمة ومكتبتها التي نهل العالم من علومها نظرية وتطبيقية.
وبطبيعة الحال فزويل الذي اعترف في حوار سابق له أنه يحب بعقله قبل قلبه..أن تشهد جامعة الإسكندرية علي قصة حبه وزواجه الاولي من احدي طالباته أثناء عمله معيداً بكلية العلوم والتي كان يصفها بالطالبة الجادة والوقورة وانجب منها ابنتين ورافقته في هجرته إلي امريكا قبل أن يطلقها بسبب ظروف عمله التي فرضت عليه الإقامة في ولاية أخري فقرر التفرغ لحياته العلمية .
كان انتقال زويل الشاب إلي الأسكندرية نقطة تحول في مسار حياته وعن طريق جامعتها أثبت تفوقه وتزوج من حبه الاول ..وأيضاً هيأ القدر له عدداً من أساتذته الذين رجحوا له الهجرة لأمريكا لاستكمال تعليمه في وقت كانت فيه مصر متحالفة مع دول الكتلة الشرقية وكانت البعثات التعليمية مقتصرة علي دولها فقط.
ومرة أخري، تهدي الإسكندرية زويلاً أحد أفضل هداياها بمجموعة من أساتذة جامعتها الذين أحسنوا قراءة خريطة العلم العالمية..وبفضل ما تعلمه في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية..والمناخ العلمي الذي وجده في أمريكا ..نجح زويل في اختراع ميكروسكوب يتمكن من تصوير أشعة الليزر في زمن مقداره فيمتو ثانية فأصبح ممكناً رؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية ..وهو ما أستحق عليه جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1996.. والمفاجأة أن زويل كان قريباً من الفوز بجائزة نوبل لمرة ثانية.